تقاضى 12 دولارًا ورُفض من كل الوظائف.. كيف أسس "جاك ما" إمبراطورية "علي بابا"؟
من شوارع مدينة هانغتشو الصينية استمر "جاك ما"، مؤسس موقع التجارة الإلكترونية الشهير "علي بابا- Alibaba"، في الصعود، ومقاومة الفشل والعثرات إلى أن أصبح أحد أثرى أثرياء العالم بثروة تُقدّر بحوالي 25 مليار دولار. مرَّ الرجل بفترات صعبة على مستوى مراحل حياته المختلفة، ولكن مُثابرته وإصراره جعلاه نموذجًا فريدًا يُحتذى به في عالم الأعمال.
سنُبحر اليوم في تجربة "جاك ما" التي تستحق أن تُروى؛ نُلقي نظرة على طفولته، وكيف تمكن من إنشاء إمبراطورية "علي بابا" الغنية عن التعريف.
من هو جاك ما Jack Ma؟
جاك ما هو مؤسس موقع التجارة الإلكترونية الشهير، والمُختص بتسهيل التجارة للأفراد والشركات على الصعيدين الصيني والعالمي، ناهيك عن أنه أحد المُساهمين في خدمة "Alipay"، وهي منصة الدفع الإلكتروني الأكثر استخدامًا في الصين بواقع أكثر من 1.3 مليار مستخدم نشط شهريًا.
في وقت ما، كان "جاك ما" الرجل الأغنى في الصين عندما بلغت ثروته 25 مليار دولار، وامتلك 7.8% من حصة شركته للتجارة الإلكترونية قبل أن يُخفّضها إلى 4.8% في 2020، قبلها بعام، تنحى الصينيّ عن منصبه كرئيس تنفيذي وأُفيد بأن ذلك القرار كان للتركيز على المشاريع الخيرية.
حياة جاك ما المُبكرة والمتواضعة جدًا
في العاشر من سبتمبر 1964، وُلِد "جاك ما" في مدينة هانغتشو الصينية، التي تُعد واحدة من العواصم السبع القديمة للصين، وموقعها الجغرافي يقع حاليًا بالقرب من شنغهاي. مستوى "جاك" الاجتماعي كان متواضعًا جدًا؛ أبواه كانا فنانين يؤديان أغاني تقليدية قديمة تُصنَّف كنوعٍ من السرد القصصي المُلحَّن وتُعرَف بـ"البينغ تان". هو وعائلته المتواضعة كبروا وترعرعوا في الصين الشيوعية التي كانت منعزلة عن الغرب.
في كتاب "Alibaba" الذي يروي قصة الصينيّ، يُقال إن "جاك ما" كان مُشاغبًا وكثيرًا ما يدخل في شجارات مع زملائه في الفصل، حيث يُذكَر على لسانه: "لم أكن أخشى قط من يكبرونني حجمًا".
كان لـ"جاك ما" عادات عجيبة وغريبة عندما كان طفلاً، إذ كان يجمع صراصير الليل ويجعلها تتقاتل، والأمر وصل معه إلى درجة التمييز بين أحجامها وأنواعها فقط من خلال الصوت الصادر عنها!
عثرات متتالية
اقرأ أيضًا: كيف تسبب مؤسس "فيراري" في تأسيس "لامبورغيني" بطريقة غير مباشرة؟
بعدما أنهى "جاك" دراسته في الثانوية، تقدم بطلبٍ للالتحاق بالجامعة، ولكنه فشل في امتحان القبول مرتين، صحيحٌ أنه نجح في المرة الثالثة، ولكن الجامعة التي التحق بها كان يُنظَر إليها على أنها أسوأ جامعة في المدينة، والتي كانت تُعد دارًا أو معهدًا للمعلمين، وذلك كان في عام 1984 إلى أن تخرج في عام 1988.
بالطبع لم يكن التعثر لمرتين في امتحان القبول بالجامعة هو الفشل الوحيد الذي تعرض له "جاك"، إذ قدّم على عددٍ جرار من الوظائف بعد التخرج، من ضمنها في "KFC"، ولكنه قُوبل بالرفض منها جميعًا!
في خطابٍ ألقاه بجامعة نيروبي الكينية، قال "جاك ما" إن الرفض المُبكر هو ما علمه درسًا مُهمًا للغاية في عالم الأعمال، وهو أن الإنسان يجب أن يعتاد الفشل حتى ينجح. وأضاف: "إذا لم تكن قادرًا على اعتياد الفشل -مثل مُلاكم-، إذا كنت لا تستطيع تحمل الضربات، فكيف ستفوز؟".
يُقال إن عدد الوظائف التي تقدم لها جاك ما كان نحو 30 وظيفة في مدينة هانغتشو فقط، وبالنسبة لـ "KFC"، فيقول رجل الأعمال الصيني إن 24 شخصًا تقدموا للالتحاق بالوظيفية.. 23 منهم تم تعيينهم وهو الوحيد الذي قوبل بالرفض. نفس الشيء عندما حاول أن يُصبح شرطيًا، الفرق أن العدد كان أقل من ذلك، ولكنه الوحيد الذي رُفض أيضًا.
ولم يكن فشل "جاك" بسبب مستواه التعليمي أو علاماته الدراسية، على الأقل في عددٍ من المرّات، فبعيدًا عن تقدمه للالتحاق بـ"هارفارد" لعشر مرات، فإنه يقول: "في يومٍ شديد الحرارة، انتظرت وابن عمي لمدة ساعتين في طابورٍ طويل حتى أكون نادلاً في فندق 4 نجوم في مدينتي، علامات ابن عمي الدراسية كانت أقل مني بكثير، ومع ذلك تم قبوله ورُفِضت أنا!".
درَّس الإنجليزية مُقابل 12 دولارًا فقط!
لحُسن حظ "جاك ما" أنه كان يُحب الإنجليزية، وكان يُسافر ويقطع مسافات بعيدة حتى يحتك بالسيّاح ويطور من لغته الأجنبية، تمنى تدريس هذه اللغة إلى أن أصبح أستاذًا للإنجليزية بالفعل في جامعة Hangzhou Dianzi، ولكن المُشكلة أنه لم يتقاض سوى 12 دولارًا.
بداية علي بابا Alibaba
نحن الآن في أواسط العقد الأخير في القرن العشرين، "جاك ما" لا يمتلك خبرة بالبرمجة ولا بالحواسيب عمومًا، ولكنه أُسِرَ بمفهوم الإنترنت عندما استخدمه في زيارته الأولى للولايات المتحدة، والتي كانت عبارة عن رحلة عمل في مجال الترجمة لصالح شركة صينية.
أول ما بحث عنه "جاك ما" على الإنترنت كان كلمة "Bear" أو دُب بالعربية، وذلك على متصفح "Mosaic". نتائج البحث التي ظهرت له كان لها الفضل في تأسيس شركة "Alibaba"، إذ إن صاحبنا قد فُوجئ بعدم وجود دببة صينية ضمن ما ظهر له من نتائج، ومن هنا كان القرار بتأسيس شركة إنترنت من أجل بلاده الصين.
جمع "جاك" 17 صديقًا في شقته وعرض عليهم الفكرة وأقنعهم بالاستثمار في مشروعه الذي سيكون عبارة عن سوق أونلاين يُسمى "علي بابا- Alibaba"، وسيسمح للمُصدّرين بعرض منتجاتهم على الإنترنت وللعملاء بشراء هذه المُنتجات مباشرةً. كما هو متوقع، يرجع سبب اختيار "علي بابا" اسمًا -وفقًا لجاك ما- أنه اسمٌ سهلٌ وعالميّ، فالجميع قد سمع بقصة "علي بابا والأربعين حرامي" وجُملة "افتح يا سمسم" الشهيرة، وبمختلف اللغات.
المشكلة أن "جاك لم" يكن يمتلك المال اللازم لهذه الفكرة، ولكن من حُسن حظه أن مجموعة "سوفت بنك- SoftBank-، وهي شركة يابانية قابضة متعددة الجنسيات بطوكيو، قد وثقت به واستثمرت 20 مليون دولارًا في عام 1999، ولاحقًا، استثمر بنك غولدمان ساكس Goldman Sachs هو الآخر بـ 5 ملايين دولار، والثقة كانت في محلها.
في ذلك الوقت، وأثناء تجمُّع الموظفين، قال "جاك" مُتحمسًا: "سنفعلها لأننا يافعون لا نستسلم أبدًا، أبدًا".
كان "جاك" مرحًا للغاية مع الموظفين، وعندما أصبحت الشركة تحقق أرباحًا، أعطى الصينيُّ الموظفين ألعابًا للاحتفال ونشر البهجة في المكان. عقب ذلك النجاح، استثمرت "Yahoo" مليار دولار في "Alibaba" مُقابل 40% من الشركة، وهو ما عاد بالنفع على الشركتين، وبخاصة "Yahoo" التي باعت جزءًا من حصتها في "Alibaba" مُقابل 10 مليارات دولار تقريبًا في 2014، وذلك بعدما تحولت الشركة الصينية التي كانت تُنافس "eBay" في ذلك الوقت من شركة خاصة لشركة مُدرجة في البورصة.
في نفس ذلك العام، قال "جاك ما" لـ "Bloomberg" إنه تيقن من نجاح وشعبية شركته عندما كان في مطعمٍ وعرض عليه أحد العملاء أن يدفع الفاتورة تاركًا ملاحظة يمازحه فيها: "أنا عميلٌ لدى على بابا، لقد كسبت الكثير من المال وأعلم أنك لا تجني أي أموال، سأدفع لك الفاتورة".
الجدير بالذكر أن الاكتتاب العام الأوليّ للشركة كان بقيمة 150 مليار دولار، وهو أكبر رقمٍ لشركة مُدرجة بالبورصة في تاريخ الولايات المتحدة، وتحديدًا بورصة نيويورك، وهذا ما جعل ثروة "جاك" تقفز لـ 25 مليار دولار ليكون الرجل الأغنى في الصين في ذلك الوقت.
لك أن تتخيل أن ثروة الملياردير العصاميّ جاءت من امتلاكه لأقل من 5% من أسهم "Alibaba" وحوالي 10% من خدمة "Alipay" التي أُعيد هيكلتها وتغير اسمها إلى "Ant Group" في 2014.
وفقًا لتقرير صدر العام الماضي عن "Investopedia"، فمجموعة "SoftBank" تمتلك الحصة الأكبر من "Alibaba" بـ 24%، يليها "جاك ما" بحصة 4.8% بعد أن خفّض النسبة كما ذكرنا، ثم المؤسس المُشارك ورائد الأعمال الكندي "جوزيف تساي Joseph Tsai" بـ 1.4%، ومن بعده بنك غولدمان ساكس Goldman Sachs بـ 0.84%، والنسبة الباقية موزَّعة على عددٍ كبير من المستثمرين.
يُذكر أنه في يوم العُزَّاب الصيني 2016، وهو اليوم الموافق للحادي عشر من نوفمبر والذي يحتفي فيه الشباب الصيني بكونهم عُزَّابًا، استطاع موقع "Alibaba" أن يُسجل عمليات شرائية بـ 20 مليار دولار في 24 ساعة فقط، وفي 2020، كُسر هذا الرقم ووصل إلى 56 مليار دولار، أغلب الظن بسبب جلوس الجميع في منازلهم بسبب وباء كورونا.
ظل "جاك ما"، والذي أصبح أحد أثرى أثرياء العالم، متمسكًا بتواضعه وأسلوبه رُغم مكانته المرموقة. يقول "شياو بينغ تشين- Xiao-Ping Chen"، وهو صديقٌ لـ"جاك": "لا أعتقد أن جاك قد تغير كثيرًا، فهو لا يزال كما عهدناه، إنه يُحب القراءة وكتابة قصص خيالية عن الكونغ فو، فضلاً عن لعب البوكر، والتأمل، وممارسة رياضة التاي تشي Tai Chi القتالية".