"الإرهاق الرقمي".. ما الحقيقة وراء ما يحدث لنا في الاجتماعات الافتراضية؟
في عصر التكنولوجيا والتقدم الرقمي، أصبحت الاجتماعات الافتراضية جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية وبيئة العمل. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل هي تحول إيجابي نحو مستقبل العمل؟ أم هي تحدٍ يواجه الإبداع والتعاون؟ وهو ما سنوضحه بإلقاء نظرة شاملة على التأثيرات الإيجابية والتحديات التي تطرأ في أثناء الاجتماعات الافتراضية.
مع تزايد استخدام الاجتماعات الافتراضية، أجرى باحثون من جامعة "Aalto" في فنلندا دراسة بحثية لمحاولة الكشف عن الجانب الحقيقي والقاسي وراء تلك النوعية من الاجتماعات.
المثير للجدل بهذا الخصوص هو أن الرئيس التنفيذي لشركة "زوم – Zoom" اعترف شخصيًا بشعوره بالتعب والارهاق بسبب هذه الاجتماعات، وربما يكمن السبب وراء ذلك في أنها عادة ما تكون اجتماعات مملة.
اجتماعات افتراضية مملة
توصلت الدراسة إلى نتائج تؤكد أن الاجتماعات الافتراضية تحظى بطبيعة مملة، وهو العامل الذي يؤدي إلى انخفاض نبضات القلب والميل للشعور بالنعاس. وهو الكشف الذي جاء ليلقي الضوء على التحديات التي يواجهها المشاركون في تلك الاجتماعات، والتي قد تؤدي إلى حدوث تراجع في الفعالية العملية.
تأثيرات النتائج
الدراسة التي شملت مجموعة من العاملين أظهرت أن المشاركين يقومون بالمهام المتعددة، خاصةً عند إيقاف كاميراتهم، وهو ما جعل الباحثين يشددون على أهمية جعل الاجتماعات أقل مللاً لتحسين التركيز وتجنب الإرهاق.
اقتراحات لتحسين جودة الاجتماعات الافتراضية
1. المهام المتعددة البسيطة: يُنصح بالتشجيع على تأدية المهام المتعددة البسيطة، مثل المشي خلال الاجتماعات، لتحسين التركيز.
2. الإيجاز والوقت: يُنصح بالتركيز على الإيجاز ومراقبة الوقت لجعل الاجتماعات أقل رتابة وأكثر فعالية.
3. فهم التحديات: يُنصح بفهم الجوانب النفسية والتحديات التي يواجهها الأفراد في الاجتماعات الافتراضية.
4. استكشاف الحلول: من المهم معرفة أن الحلول تكمن في تحسين تجربة المشاركين وجعل الاجتماعات أقل إرهاقًا وأكثر فاعلية.
وواصل خبراء مختصون بهذا المجال ليؤكدوا أنه مع تزايد استخدام اجتماعات العمل الإلكترونية، تبرز الحاجة إلى تحسين فاعليتها لضمان الاهتمام والتركيز من قِبل المشاركين.
اقرأ أيضًا: كيف تُلهم القيادة الجريئة فريق العمل لتحقيق النجاحات؟
ونستعرض فيما يلي 6 نصائح تسهم في جعل الاجتماعات الافتراضية أكثر كفاءة:
1. جدول الأعمال:
يُشدد على أهمية وضع جدول الأعمال لضمان تفهم المشاركين لتفاصيل الاجتماع. كما يُقترح إرسال الجدول قبل 24-48 ساعة لتمكين الأفراد من التحضير وتحديد أهداف الاجتماع.
2. تجهيز النقاط والأسئلة محور النقاش:
يُشدد على ضرورة التحضير للمقابلة بجمع الملاحظات وتحضير الأسئلة مُسبقًا لتعزيز التفاعل وتجنب التوقفات المربكة.
3. استكشاف الأخطاء التقنية وإصلاحها:
يُشدد على ضرورة فحص واختبار التقنية المستخدمة قبل الاجتماع لتفادي المشكلات التقنية التي قد تؤثر على تجربة الاجتماع.
4. المشاركة تعبر عن الاهتمام:
يُنصح بالتركيز على أهمية مشاركة الشاشة لجذب انتباه المشاركين وتفادي الانحرافات في أثناء الاجتماع.
5. التزام النهج المباشر:
يُقدم نصيحة بتوجيه الأسئلة بشكل محدد لتجنب الارتباك والتأكيد على تفاعل جميع المشاركين.
6. الحضور الشخصي:
يُنصح بالتركيز على الحاجة إلى الحضور الشخصي والطاقة العالية للمحتوى وكيفية تحفيز المشاركين على التركيز.
وتابع الخبراء بقولهم إن مثل هذه النصائح تهدف أولاً وأخيرًا إلى جعل الاجتماعات الافتراضية أكثر تأثيرًا وفعالية من خلال إرشاد المشاركين وتحفيزهم للمشاركة والتفاعل بشكل فعّال من البداية للنهاية.
وبناءً على الدراسة التي أجراها المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية في الولايات المتحدة، يتضح أن الاجتماعات الافتراضية، وخاصة من خلال منصة "زووم"، قد تمثل عائقًا أمام الإبداع وتؤثر سلبًا على قدرة الأفراد على توليد أفكار مبتكرة.
وبالرغم من أن التعاون يقف دائمًا وراء الكثير من إنجازات البشرية، إلا أن تأثير التواصل عبر الفيديو على العملية الإبداعية يُظهر نتائج سلبية، وهو ما يجب التعامل معه على أفضل ما يكون لمحاولة معالجة ذلك.
وأوضحت الأستاذة المساعدة في تسويق الأعمال بجامعة "كولومبيا للأعمال"، ميلاني بروكس، أن التركيز المرئي على الشاشة يُضيق الأفق ويؤثر على قدرة الأفراد على توليد أفكار شاملة وموسعة.
ولفتت الدراسة إلى أن المشاركين في الاجتماعات الافتراضية يميلون إلى قضاء وقت أطول في النظر إلى شاشاتهم مباشرةً بدلاً من النظر حولهم في الغرفة. كما أشارت إلى أن التركيز المرئي يقلل من توليد الأفكار الجديدة، وهو أمر يؤثر في جلسات العصف الذهني الأكثر تعقيدًا التي تتسم بارتفاع التقنيات.
على صعيد آخر، أشارت النتائج إلى أن انخراط الأفراد في البيئة المحيطة بهم يُحفز على تكوين ارتباطات جديدة ويسهم في عملية توليد الأفكار. وبناءً على ذلك، يُفضل أحيانًا أداء المهام الإبداعية بشكل فردي أو خارج إطار الاجتماعات الافتراضية.
الأستاذة إيلين لانجر من جامعة "هارفارد" أكدت أن النتائج التي وجدت أن الإبداع وتقنية "زووم" غير متوافقين ربما تعتمد على مستوى إبداع الأفراد وطبيعة المهمة التي يقومون بها.
وأشارت إلى احتمال أن يكون هناك تأثير إيجابي عند استخدام تطبيقات الفيديو للمهام الأكثر بساطة، في حين قد يحتاج بعض الأفراد إلى التقابل بشكل شخصي لتحفيز إبداعهم في المهام الأكثر تعقيدًا.
باستمرارنا في استكشاف تأثير التواصل الافتراضي على الإبداع، نوهت الدراسة بأن استخدام تقنيات مكالمات الفيديو يُحد من قدرة الأفراد على الانخراط بشكل كامل في البيئة المحيطة بهم.
وقد كشف برنامج "تتبع حركة العين" أن المشاركين في الاجتماعات الافتراضية قضوا وقتًا أطول في النظر المباشر إلى شركائهم على الشاشة، وهو ما أسهم في التقليل من الانتباه للعناصر المحيطة بهم.
واتضح أن الفارق بين المقابلة الشخصية والتفاعل عبر الفيديو يتجلى أيضًا في التفاصيل الصغيرة، إذ يتذكر المشاركون في المؤتمرات الافتراضية قليلاً من الأمور المحيطة بهم، بينما تكون الذاكرة أفضل لدي من تقابلوا شخصيًا.
التحول نحو العالم الافتراضي: تغيير الديناميكيات الاجتماعية والعملية
مع تقدم تكنولوجيا المحادثات الصوتية والفيديو، أصبحت الاجتماعات الافتراضية واقعًا لا يُنكر. إذ توفر هذه التقنيات فرصًا للتفاعل والتواصل عبر الحدود والمسافات، ما يجعلها حلاً جذابًا للأعمال والفعاليات الاجتماعية. ومع ذلك، يثير استخدام هذه الوسائل التحديات الناجمة عن فقدان الاتصال الشخصي وتأثيرها على الإبداع.
تأثير التقنية على عملية التفكير الإبداعي
أظهرت الدراسات أن الاجتماعات الشخصية تسهم في تحفيز عملية توليد الأفكار والإبداع. وتبين أن التواصل عبر الفيديو يُقلل من التركيز المرئي على البيئة المحيطة، ما يقلل من قدرة المشاركين على توليد أفكار شاملة ومُبتكرة. فهل يمكن أن يؤدي هذا التحول إلى تراجع في عمليات الإبداع والابتكار؟
التحديات وفوائد الاجتماعات الافتراضية
1. فقدان التواصل الشخصي: يندرج ضمن أكبر التحديات، فعدم القدرة على التفاعل المباشر قد يقلل من فهم الرموز غير اللفظية وتبادل الأفكار بشكل فعّال.
2. زيادة الراحة والكفاءة: من ناحية أخرى، قد توفر الاجتماعات الافتراضية راحة للمشاركين وتحسينًا في الكفاءة، خاصةً لأولئك الذين يعملون عن بُعد.
3. الإبداع الشخصي والتقييم: يبدو أن التفاعل الشخصي يلعب دورًا في توليد الأفكار، لكن القدرة على تقييم هذه الأفكار لا تختلف بشكل كبير بين الاجتماعات الشخصية وتلك التي تتم عبر الفيديو.
التوازن المستقبلي
وأوضح الخبراء أنه من المهم تحقيق توازن بين الاجتماعات الافتراضية والاجتماعات الشخصية. إذ يمكن أن تكون الأولى فعّالة لتحقيق التواصل السريع والكفاءة، بينما يُحفِّز الاجتماع الشخصي على التفاعل الإبداعي وبناء العلاقات.
وعلى الرغم من التحديات التي تطرحها الاجتماعات الافتراضية، فإن تبني أساليب متنوعة للتفاعل يمكن أن يكون الطريق إلى مستقبل يجمع بين فوائد التكنولوجيا وأهمية الاتصال الإنساني.
ومن الجدير ذكره بهذا الخصوص أن هناك استثناءات قد تظهر، إذ لا تعيق مؤتمرات الفيديو التعاون الكلي، لكن وفقًا لما ذكرته الدراسة، فإن توليد الأفكار قد يكون أسهل شخصيًا، ولكن لا يُلاحظ فرق كبير في القدرة على تقييم الأفكار الإبداعية بشكل نقدي بين الاجتماعات الشخصية وتلك التي تتم عبر الفيديو.
ونصح الباحثون في الأخير بعدم التسرع في اتخاذ قرارات تفصيلية استنادًا إلى هذه الدراسة، مشيرين إلى أنه رغم الآثار السلبية المُذكورة، فإنه يجب أيضًا النظر إلى الفوائد المحتملة للتعاون الافتراضي، والتي قد تكون مرتبطة بالراحة والاسترخاء الذي يمكن أن يحظى به المشاركون في أثناء تفاعلهم عبر الشاشة.