ليس للحزن فقط.. ما أهمية البكاء للإنسان؟
بينما تمرُّ بأحداثٍ كبيرةٍ في حياتك، قد تجد دمعة تُحاوِل القفز من عينيك لتسيل على خدك، مُعبِّرةً عن حزنٍ لطالما ظلّ مدفونًا لفتراتٍ طويلة. لنتفق على أنّ البكاء ليس مشكلة صحية ولا هو عارٌ على الرجال، بل إنّ البكاء رد فعل طبيعي للحزن، وعلاوة على ذلك، فهو ذو فوائد للإنسان، مثل تنظيف العينين وتخفيف الآلام، وتحسين المزاج، ما ينعكس إيجابًا على الصحة النفسية للمرء، فما مدى أهمية البكاء للإنسان؟
أنواع دموع العين
بدايةً تُنتِج عيون الإنسان دموعًا تنقسم إلى ثلاثة أنواع من ناحية الإفراز:
- أساسية: تُفرِز القنوات المُسيلة للدموع باستمرار دموعًا مضادة للبكتيريا، وتُحافِظ على رطوبة العين في كل مرةٍ يرمش فيها الإنسان.
- انعكاسية "لاإرادية": دموع تتحفّز بشيءٍ ما، مثل الرياح أو الدخان أو البصل، وتطرد الدموع هذه العناصر الضارة من العين وتحميها.
- عاطفية: يذرِف الناس الدموع إثر انفعالهم وتحرُّك مشاعرهم، وهذه الدموع قد تحتوي على كمياتٍ أعلى من هرمونات التوتر "الكورتيزول"، مقارنةً بأنواع الدموع الأخرى، وهي الدموع المعنية بالحزن والبكاء.
أهمية البكاء للإنسان
ليس البكاء منفذًا للحزن فحسب، بل إنّ له فوائد عديدة لصحة الإنسان النفسية والجسدية على حدٍ سواء، فالبكاء يُخفِّف الألم ويُحسِّن نوم الإنسان، بل يُعزِّز الرؤية أيضًا، وأهم هذه الفوائد تفصيلاً:
1. تنظيف العينين
تُنظِّف الدموع العيون، وتُرطِّبها على الدوام، ومن دون تلك الدموع تُصاب العين بجفافٍ، بل وقد تكون القرنية مُعرَّضة للضرر، ما قد يُؤثِّر سلبًا على رؤية الإنسان.
والبكاء سبيل التنفيس عن المشاعر المكبوتة، فهو يُغرِق العين بقدرٍ كبيرٍ من الدموع التي تحمي العين من الجفاف، وتُطهِّرها من المواد المُهيِّجة لها "قد تُسبِّب احمرار وألم العين".
2. الحماية من العدوى
تحمل دموع الإنسان خصائص طبيعية تُمكِّنها من القضاء على البكتيريا الضارة في العينين، فعِندما تصل البكتيريا إلى العين، تُعادِلها الدموع أو تتخلّص منها نهائيًا؛ إذ تمتلك الدموع إنزيمات تقضي على البكتيريا، دون أن تمسّ العين بضرر.
3. تخفيف الألم
يُنشِّط البكاء عِدّة تفاعلات في الجسم، تُقلِّل الإحساس بالألم؛ لذلك ما أكثر ما سمعتَ من الناس قلة شعورهم بالألم بعد البكاء، وكأنَّ الألم قد فارق جسده بمُجرّد التنفيس عن مشاعر الحزن، وفسَّر الباحثون ذلك بـ:
- أنّ الدموع تُنشِّط الجهاز العصبي الباراسمبثاوي، الذي يُساعِد على الاسترخاء، ما يُخفِّف الشعور بالألم.
- إطلاق بعض الهرمونات والمواد الكيميائية، مثل الأوكسيتوسين، والمواد الأفيونية الطبيعية في الجسم، التي تخفض الإحساس بالألم.
- تقليل مستويات هرمون التوتر، مثل الكورتيزول، فقد يُؤدِّي انخفاض مستوياته إلى تقليل الشعور بالألم أيضًا.
4. تحسين المزاج
يُحسِّن البكاء المزاج بإطلاق الهرمونات وبعض المواد الكيميائية في الدماغ، ويظنُّ الباحثون أنّ المزاج قد يتحسّن بعد البكاء لأيٍ من الأسباب الآتية:
- تعزيز الثقة بالنفس واحترام الذات، فالبكاء أمرٌ طبيعي، والحزن شعورٌ طبيعي، خاصةً لو اشترك معك الناس في رد الفعل ذلك تجاه كارثة طبيعية مثلاً سقط معها كثيرٌ من الضحايا.
- تطوير نظرة جديدة للحياة، فعندما ينتهي الناس من البكاء، قد يرون الموقف بصورةٍ أخرى، ويزداد قبولهم لما كانوا يُمانِعُونه سابقًا.
اقرأ أيضًا:عندما ينفطر فؤادك من شدة الحزن.. ما هي متلازمة القلب المكسور؟
5. تقليل هرمونات التوتر
يُسهِم البكاء في تقليل مستويات هرمون التوتر، إذ إنّ البكاء المُصاحِب للعواطف الجيّاشة تحمل دموعه مستويات أعلى من هرمونات التوتر؛ لذلك يظنُّ الخبراء أنّ البكاء يُقلِّل مستويات هرمون التوتر في الدم، ما ينعكس إيجابًا على الصحة عمومًا، لكن لا تزال هناك حاجةٌ لمزيدٍ من الأبحاث لتأكيد هذه الفكرة.
6. تعزيز النوم
أفاد موقع "verywellmind" بأنّ تحسُّن النوم من فوائد البكاء، فعِندما ينشط الجهاز العصبي الباراسمبثاوي، يستعيد الجسم توازنه، خاصةً بعد المرور بحادثٍ مُؤسِف، وهذا التحوُّل من حالة التوتر في البداية إلى الراحة والهدوء بنشاط ذلك الجزء من الجهاز العصبي، يُسهِّل عملية النوم.
والحصول على قسطٍ كافٍ من النوم ضروري للحفاظ على الصحة النفسية والجسدية سواء بسواء، فالحرمان المزمن من النوم، قد يزيد مستويات هرمون التوتر، وربّما يُسبِّب اضطرابات نفسية، مثل القلق والاكتئاب.
جديرٌ بالذكر أيضًا أنّ البكاء الشديد يستهلك طاقة الإنسان، ومِنْ ثَمّ يشعر الإنسان بالتعب في نهاية جلسة بكاءٍ طويلة، لذا يكون التعب كافيًا لتنام سريعًا دون مشكلات.
7. التفاعل مع الآخرين
يتعاطف الناس مع من يبكون، خاصةً لو تعرّضوا لمأساةٍ أو مُصِيبة كبرى في حياتهم، ووجدت دراسةٌ بحثية شملت 7,007 مشاركين، أنّ أولئك الذين رأوا أناسًا يبكون وغيرهم لا يبكون، فقد مالوا للتعاطف مع من يبكون.
وافترض الباحثون أنّ البكاء يُمكِن أن يكون شكلاً من أشكال الترابط الاجتماعي بين الناس، كما لاحظوا أيضًا أنّ أولئك الذين يُلاحِظون بكاء غيرهم غالبًا أكثر تواصلاً اجتماعيًا معهم.
8. تبريد الدماغ
الدماغ مثل باقي أجزاء الجسم، قد ترتفع حرارته، وأظهرت الدراسات أنّ الزيادة الطفيفة في درجة حرارة الدماغ لها أثر سلبي في مزاج الإنسان، والبكاء - خاصةً البكاء الشديد - يُحفِّز تدفُّق الدم إلى الدماغ، ويجعلك تتنفس بقوةٍ أكبر.
وهذه الزيادة في تدفُّق الدم، والتنفُّس، تُساعِد على خفض درجة حرارة الدماغ، ما يُحسِّن الحالة المزاجية، ويجعل المرء مُرتاحًا.
اقرأ أيضًا:الاكتئاب المبتسم.. عندما تحزن نفوسنا ويخدعنا المظهر
9. التأقلم مع الخسارة
يحزن كثيرٌ من الناس إثر تعرُّضهم لضغوطٍ كبيرةٍ في بعض مراحل حياتهم، وهذا الحزن قد يُهيمن على حياة الإنسان، ويُصعِّب عليه أداء أنشطته اليومية المُعتادة، وبينما يبكي الناس للتعبير عن حُزنهم، كون ذلك جزءًا من عملية الحزن، فليس بإمكان الجميع البكاء عند التعرُّض لخسارة وظيفة أو حبيب أو رفيق أو أيًّا كان ما فقده.
وقد يستخدم هؤلاء طرقًا أخرى للتعبير عن مشاعرهم، مثل التدوين أو الانضمام إلى مجموعات دعمٍ أو غير ذلك، لكن يظل البكاء إحدى طرق التأقلم مع الخسارة التي يتعرَّض لها الإنسان.
ماذا يحدث لو أمسكت دموعك؟
حبس الدموع أو إمساكها ليس الطريقة الصحيحة للتعبير عن المشاعر، فالبكاء يُطلِق هرمونات، مثل الأوكسيتوسين تُعزِِّز الحالة النفسية للإنسان، ومِنْ ثَمّ فعدم البكاء قد يُؤدِّي إلى تدنّي الحالة المزاجية للإنسان.
وربّما يجد بعض الناس صعوبةً في البكاء، خوفًا من سخرية الآخرين أو استهزائهم بهم، أو غير ذلك، لكن ذلك قد يضر صحتك النفسية، إذ قد يزداد القلق أو الاكتئاب.
البكاء والاكتئاب
على الرغم من فوائد البكاء لصحة الإنسان، تُشِير بعض الأبحاث إلى أنّ الاكتئاب قد يأتي مع قلة البكاء أو عدمه مع احتياج الإنسان إليه.
وبصورةٍ عامة، فإنّ المُكتئبين يبكون أيضًا، لكنّ تحسُّن مزاجهم يكون أقل بعد البكاء، مقارنةً مع غيرهم من غير المُصابين باكتئاب. وفي بعض حالات الاكتئاب التي يفقد فيها الإنسان متعته تجاه معظم الأشياء، قد يكون من الصعب البكاء بأي حالٍ من الأحوال، ومِنْ ثَمّ فهم غير قادرين على إزاحة الحُزن عن كاهلهم ولو حتى بالبكاء.
هل كثرة البكاء مفيدة للإنسان؟
إذا زاد الشيءُ عن حدِّه انقلب إلى ضدّه. صحيحٌ أنّ البكاء مُفيد للإنسان، لكنّ ذلك ليس بإطلاق، ومن الطبيعي أن يبكي الإنسان من وقتٍ لآخر، لكن إذا وجدت نفسك تبكي كثيرًا أو لفترةٍ طويلةٍ جدًا، أو أثّر البكاء في سير حياتك اليومية، فهذا ليس طبيعيًا ولا مرغوبًا.
بل قد يكون البكاء الشديد أو الطويل علامة على مشكلات الصحة النفسية، مثل الاكتئاب، وما دُمت تجد نفسك تبكي كثيرًا، فينبغي استشارة الطبيب لبحث سُبل وقف ذلك البكاء، والتمتُّع بنفسية صحية.