حكاية جريمة الفندق التي ألهمت "أجاثا كريستي" لكتابة أهم رواياتها
سردت شبكة "بي بي سي" قصة جريمة القتل التي حدثت في فندق هندي، وألهمت ملكة الجريمة "أجاثا كريستي" لكتابة روايتها الأولى "قضية ستايلز الغامضة" التي تحكي فيها لجمهورها قصة جريمة القتل التي حدثت نتيجة للصراعات العائلية.
أحداث رواية أجاثا كريستي الأولى
تدور أحداث القصة في إنجلترا إبان الحرب العالمية الأولى في قصر ستايلز بإسكس. البطلة "إيميلي كافيندش" امرأة ترث قصرًا بعد وفاة زوجها والجزء الأكبر من ثروته، ثم تتزوج رجلًا أصغر منها بـ 20 عامًا وهو "ألفريد انجلثروب" ويعيش معها في هذا القصر.
زوجها الحالي يغار عليها من كل المحيطين بها بمن فيهم أصدقاؤها. ويفيق المقيمون في القصر ليجدوا أن "إيميلي" ماتت بالسم، ويكتشف أحد الضيوف المقيمين في القصر أن "إيميلي" تشاجرت يوم وفاتها مع كل من زوجها "ألفريد" وابن زوجها الراحل "جون".
تحوم الشكوك حول "ألفريد" أولاً ثم "جون كافينديش" ابن زوجها الراحل، وفي الخاتمة وبعد مواصلة التحقيق نعرف أن المرتكب الحقيقي للجريمة هو زوجها "ألفريد انجلثروب" بمساعدة صديقة زوجته وأنه سممها عن طريق وضع البروميد في دوائها الذي اعتادت تناوله.
ما يجعل تلك الرواية فريدة من نوعها وسط روايات "أجاثا كريستي" ليس فقط شخصية المحقق التي تتفرد بها رواياتها، ولا تضارب الشكوك حول المجرم، لكن لأن هناك اعتقادات راسخة أنها مستوحاة من جريمة قتل حقيقية حدثت منذ أكثر من قرن في منتجع موسوري الشهير على تلال شمال الهند.
الجريمة الحقيقية
في سبتمبر 1911، عُثر على "فرانسيس جارنيت أورمي"، 49 عامًا، ميتة في غرفتها في منتجع راقٍ بناه محامٍ أيرلندي شمال الهند. وتوصلت التحقيقات بعد الوفاة إلى أن السيدة توفيت إثر تناولها حمض البروسيك، وهو سم يعتمد على السيانيد، ووُجهت أصابع الاتهام إلى صديقتها إيفا ماونت ستيفنز "36 عامًا".
تصدرت القضية عناوين الأخبار العالمية بسبب "خصوصية الظروف المحيطة بها"، كما أشارت إحدى الصحف الأسترالية عام 1912. ونشرت الصحف البريطانية روايات تفصيلية عن المحاكمة بعناوين رئيسة مثل "محاكمة قتل موسوري"، "سر الفندق"، و"جريمة التحديق البلوري".
ورسم الكاتب الهندي "روسكين بوند"، الذي يعيش في موسوري، وكتب كثيرًا عن تلك التلال الخضراء الهادئة، بكلماته في إحدى مقالاته جسرًا يربط بين رواية الجريمة التي ألفتها "أجاثا كريستي" وجريمة القتل التي حدثت في المنتجع، إذ أوضح أن أجاثا كريستي "استخدمت الظروف المحيطة بالجريمة" في روايتها ثم "أحدثت الجريمة ضجة هائلة وقت حدوثها".
اقرأ أيضًا:لماذا يستخدم عالم الفلك المراصد الفلكية؟ الظواهر الفضائية كلمة السر
وحسبما أفادت التقارير فقد كانت الضحية "فرانسيس أورمي" تعيش في الهند منذ ما يزيد على عشرة أعوام، والتقت بـ"إيفا ستيفينز" وأصبحتا صديقتين. يذكر أن "إيفا ستيفينز" المنحدرة من مدينة لكناو كانت تعمل في الروحانيات والتحديق في البلورات لاستشراف المستقبل وتحليل الشخصيات، وتعلمت منها "فرانسيس أورمي" التحديق في البلورات وممارسات روحانية أخرى.
مكثت الصديقتان معًا في المنتجع لبعض الوقت، ادعت فيه "إيفا" أنها كانت تعتني بـ"فرانسيس" نظرًا لمرضها، لكن الادعاء اتهم "إيفا ستيفنز" بحقن "أورمي" بالسم للاستفادة من بنود وصيتها، إذ تركت الأخيرة لصديقتها مبلغًا ضخمًا من المال وثلاث قلادات ومجوهرات أخرى.
بينما أكد الدفاع عن المتهمة أن "فرانسيس أورمي" انتحرت بالسم بسبب "حالة الحزن المتواصلة" بعدما تركها الرجل الذي جاءت إلى الهند لتتزوجه، بالإضافة إلى اعتلال صحتها.
وأربكت القضية الرأي العام والشرطة في آن واحد بسبب تقلباتها ومنعطفاتها، فعلى سبيل المثال، كشف التحقيق أن "ستيفنز" غادرت البلدة إلى موطنها في لكناو قبل وفاة "فرانسيس أورمي"، بالإضافة إلى أن الغرفة التي عٌثر فيها على جثة "فرانسيس" كانت مغلقة من الداخل.
كما لم تعثر الشرطة على أي أدوية في غرفة "أورمي" باستثناء زجاجة من الحبوب المنومة، وملصقين يحتويان على الزرنيخ وحمض البروسيك. والجدير بالذكر أنه في أوائل القرن العشرين كان على مشتري الدواء التوقيع على الأدوية التي اشتراها من الصيدلي، لكن الادعاء أشار إلى أن التوقيع على حمض البروسيك لا يتطابق مع التوقيع الموجود على رسائل "أورمي".
وأكد الادعاء أن "ستيفنز" توقعت موت "أورمي" قبل حدوث الوفاة بستة أشهر، وأنها أعربت عن مخاوفها من زواج "أورمي" من طبيب كانت مخطوبة له وترك كل ثروتها له، لكن الدفاع أصر على أن "ستيفنز" كانت "الرفيقة الأكثر إخلاصًا" لـ"أورمي"، وأنه لا يوجد دليل على أنها اشترت السم أو أعطته لصديقتها.
أوجه التشابه بين الحقيقة والخيال
تعكس رواية "أجاثا كريستي" العديد من هذه التطورات، فبطلتها "إيميلي" ماتت هي أيضًا بسبب السم، وعُثر على جثتها في غرفة مغلقة من الداخل، ويتبين في النهاية أن رفيقتها "إيفلين" هي من سممتها وأنها اشترت السم متنكرة بتوقيع مزور، وأن لديها دافعًا ماليًا لقتل صديقتها، كما أنها غادرت مسكن "إنجلثورب" قبل وفاة "إيميلي" بوقت طويل. وبعد عقود، لا تزال أوجه التشابه بين القضيتين تثير اهتمام المعجبين.
لم تكن "أجاثا كريستي" هي المؤلفة الوحيدة التي استوحت أفكارها من الموت بالسم في الهند، إذ سجل "سيسيل والش" جريمة عاطفية صدمت العالم وقعت في "أجرا" الهندية التي كانت خاضعة للحكم البريطاني آنذاك. ففي روايته "The Agra Double Murder: A Crime of Passion from the Raj" حكى كيف تآمرت "أوغوستا فولام"، وهي امرأة إنجليزية تعيش في مدينة ميروت، والدكتور "كلارك"، وهو رجل إنجليزي هندي، مع بعضهما ليُسمم كل منهما زوجه حتى يتمكنا من البقاء معًا.
اقرأ أيضًا:تاج محل.. ما قصة الضريح الذي أصبح من عجائب الدنيا السبع؟
في القرن التاسع عشر شاعت حالات التسمم في الولايات المتحدة وأوروبا والهند، وكان بيع المواد السامة، خاصة الزرنيخ، غير خاضع لقوانين منظمة.
وأوضح "ديفيد أرنولد" في كتابه "التاريخ السام: السموم والتلوث في الهند الحديثة" كيف دفعت حالات التسمم بالزرنيخ لوضع قانون السموم الهندي عام 1904 لتنظيم بيع واستخدام السموم.
وبعد مرور 10 سنوات على صدور القانون أشارت حكومة المقاطعات إلى حالتي تسمم "سيئتي السمعة" إحداهما جريمة قتل "أورمي"، والأخرى جريمة قتل "فولام"، وبهذا نقدم دليلاً قاطعًا على أن الروايات وكتب الخيال ليست للتسلية فقط لكن بإمكانها تغيير العالم المحيط.