مستقبل النظارات الذكية واعد.. لكن ما التحدي الخطير الذي يواجهها؟
أصبح مُصطلح الواقع المُعزز Augmented reality (AR) يتردد كثيرًا على مسامعنا، وتطبيقاته في عالم التقنية أصبحت واضحة للعيان بعد أن كانت مجرد درب من دروب الخيال العلمي. ولعل أشهر وأفضل مثال لفهم الواقع المُعزز الآن يتمثل في النظارات الذكية "Smart glasses". فكرة هذه النظارات مطروحة منذ عشرات السنين، ولكننا لم نُحققها فعليًا سوى مع مطلع العقد الماضي.
شركة "إبسون- Epson" اليابانية كانت من أوائل الشركات التي طرحت النظارات الذكية في السوق وذلك مع نظارة "Moverio BT-100" في 2011، ولكن صيت هذه النظارات لم يذع حتى دخلت شركة "غوغل" على الخط في 2013 بنظاراتها الذكية "Google Glass Explorer Edition".
ما هي النظارات الذكية Smart glasses؟
تُشبه النظارات الذكية النظارات الاعتيادية التي نستخدمها جميعًا، وعلى اختلاف تصميماتها وأشكالها، تكون مُزودةً بمستشعرات داخلية وخارجية تُشبه الموجودة بالهواتف المحمولة. اعتمادًا على العلامة التجارية "البراند" يمكنك أن تختار نظارتك الذكية بعدسات طبية -إذا كنت تُعاني مشكلة في الإبصار- أو دونها. تستخدم الـ "Smart glasses" تقنية ميكروية حتى تعرض الأشياء على شاشتها كما تعمل بمعالج ونظام للتشغيل، وأيضًا تأتي ببلوتوث وواي فاي حتى تتصل بالإنترنت والأجهزة الذكية الأخرى.
بإمكاننا أن نقول إن النظارات الذكية هي عبارة عن حواسيب محمولة على العين من شأنها أن تُستَخدم في أشياء عدة كالاستماع إلى الموسيقى، والتصوير، وإجراء المكالمات، وتصفح الإنترنت، وتدخل في تطبيقات أخرى مفيدة للغاية مثل التعليم، والقطاع الصحي، وريادة الأعمال، وغيرهم من تطبيقات الواقع المعزز الواعدة.
هناك شركات كثيرة أصبحت تُصنّع النظارات الذكية؛ أشهرها شركة "راي-بان" ونظارتها "Ray-Ban Stories: Wayfarer Smart Glasses" التي طرحتها في السوق بالتعاون مع شركة ميتا، قد تكون نظارات "راي-بان" الذكية الأفضل في السوق حاليًا، ولكن المنافسة تحتدم والشركات تُبدع وتتخصص، فنظارات "Bose Frames - Audio Sunglasses" من شركة "Bose" تتميز في الموسيقى، ونظارات "Vuzix Blade Upgraded Smart Glasses" من شركة "Vuzix" تُبدع في الواقع المعزز، أما نظارات "Spectacles 3" من "سناب تشات" فرائعة في تصوير الفيديوهات، وهكذا.
قد لا يكون استخدام النظارات الذكية شائعًا الآن -كونها اختراع جديد في السوق-، ولكن بحسب الخبراء، سيشهد العام القادم 14 مليون مستخدم لهذه النظارات وستبدأ في الانتشار كما لم يحدث من قبل، لا شك أن هذه نقلة تقنية ثورية على عدة أصعدة، ولكن هل فكرت في مخاطرها من قبل؟
اقرأ أيضًا:"المستقبل للإبداع".. هل سيترك لنا الذكاء الاصطناعي مُتنفَّسًا وظيفيًّا؟
لماذا قد تُشكّل النظارات الذكية كابوسًا أمنيًا؟
إذا كنت تتساءل عن لماذا لم تستمر نظارات "غوغل" الذكية حتى الآن، وإلا لكان الجميع يعرف بشأنها، فالأسباب كثيرة؛ السعر كان باهظًا -نحو 1500 دولار- والاستخدامات كانت محدودة قياسًا على هذا السعر، التصميم كان متواضعًا والمشكلات الفنية من عمر البطارية وخلافه كانت كثيرة، ولكن بعيدًا عن كل هذه الأسباب، فالسبب الرئيس قد يكون المشكلات المتعلقة بالخصوصية والأمان.
كانت هناك حالة من القلق العام بشأن انتهاك هذه النظارات للخصوصية، فهي قادرة على التقاط الصور والفيديوهات وتوثيق المحادثات السرية؛ كل ما يتطلبه الأمر هو أن يرتديها الشخص، لا سيّما أن التمييز بينها وبين النظارات العادية ليس شيئًا سهلاً من بعيد. لهذا السبب قامت عديد من المؤسسات، بما في ذلك الأماكن العامة مثل المطاعم، بحظر استخدام هذه النظارات على الفور. كان هذا من جانب تجسس الأشخاص على بعضهم. على الجانب الآخر، هناك ما هو أخطر من ذلك...
فالشركات نفسها المُصنّعة للنظارات الذكية تستطيع الوصول إلى وجوه المستخدمين طالما يرتدونها، ولا ننسى أن من يمتلك هكذا نظارات فعلى الأرجح أنه سيرتديها على الدوام لتوثيق اللحظات بسهولة ولغير ذلك من الأسباب، ولا ننسى أيضًا أن هذه النظارات بها ميزة الموقع "Location"، ومن ثم فإذا أرادت الشركات أن تتبع تحركاتك فستفعل؛ الأمر سيكون مُربحًا للغاية بالنسبة للشركات المُصنّعة والمعلنين على حد سواء.
أدى هذا القلق المزدوج الذي يطال المجتمع إلى زيادة الحاجة لوجود ضمانات قوية للخصوصية، وهذا -جنبًا إلى جنب مع الأسباب الأخرى- أدى إلى فشل نظارات "غوغل" الذكية.
ولأن النظارات الذكية هي تقنية جديدة، فإنها تحتاج إلى بعض الوقت حتى تُسَد ثغراتها الأمنية، ومن ثم فإنها ستواجه عديدُا من المشكلات فيما يتعلق بالاختراق "hacking"، وإذا افترضنا أن الشركات المُصنّعة قد تستغل هذه النظارات في التجسس على مستخدميها، فإن ما سيفعله "الهاكرز" أكثر شناعةً بكثير.
جديرٌ بالذكر أن هناك نظارات ذكية دون كاميرا، ولكن حتى هذه النظارات عُرضة للمخاطر الأمنية، فاختراقها يعني الوصول إلى كل بياناتك، وذلك يتضمن كلمات السر وكل شيء حساس آخر قد تخشى تسرّبه.
اقرأ أيضًا:"يسرق انتباهنا لساعات".. ماذا تعرف عن تطبيق "تيك توك" المروّع على أدمغتنا؟
لحماية بياناتك وخصوصيتك قدر المستطاع، فننصحك باتباع الإجراءات الآتية:
- حدّث السوفتوير دائمًا "في حالة وجود تحديثات".
- استخدم كلمات سر قوية قدر المستطاع وفعّل المصادقة الثنائية "two-factor authentication" متى أُتيحَت.
- اقرأ سياسات خصوصية التطبيقات التي تستخدمها وتجنب التطبيقات التي تجمع البيانات الشخصية قدر استطاعتك.
- استخدم "VPN" إذا كانت نظارتك الذكية تدعم ذلك.
لماذا عادت النظارات الذكية على الساحة؟
سؤال منطقي وبديهي، فإذا كانت النظارات الذكية تحمل كل هذه المخاوف والمشكلات الأمنية، فلماذا عادت إلى الساحة مُجددًا؟ يكمن الجواب على هذا السؤال في سؤال آخر وهو: "هل يجب أن تحول هذه المشكلات بيننا وبين المستقبل خصوصًا وأن كل التقنيات تقريبًا تواجه المشكلة نفسها؟" أو بصورة أبسط: "هل تتفوق مساوئ النظارات الذكية على ميزاتها الكثيرة"؟
باستقراء الواقع والتطور التقني الحاصل، يبدو أن المستخدمين مستعدون لأخذ المخاطرة والمراهنة على إيجابيات النظارات الذكية. الدروس المُتعلَّمة من تجربة "غوغل" في 2013 تدعم استمرارية هذه الصناعة أيضًا. منذ ذلك العام حدثت الكثير من القفزات التكنولوجية الهائلة، التطور التقني عمومًا أصبح أسرع من أي وقت مضى؛ ما يحدث في عامٍ واحد الآن يفوق ما كان يحدث في عدةٍ أعوام في الماضي.
نقطةٌ أخرى مهمة تدعم استمرار صناعة النظارات الذكية هي دخول شركات جديدة كثيرة في هذا المُعتَرك، ومن ثم أسعار الـ "Smart glasses" أصبحت في متناول كثيرين، لك أن تتخيل أن هناك نظارات ذكية تبدأ من سعرٍ أقل من الـ "50" دولارًا بعد أن كانت نظارات "غوغل" بحوالي 1500 دولار فقط. ادخل إلى أي متجر أونلاين، مثل "أمازون"، وابحث عن النظارات الذكية "Smart glasses" وتأكد بنفسك.
من المتوقع أن تشهد الفترة القادمة طرح نظارات "أبل" الجديدة Apple vision pro في السوق، وعلى الرغم من كون هذه النظارات ليست شبيهة بالنظارات العادية وإنما أقرب لنظارات الـ "VR" -في التصميم-، فإننا على موعدٍ مع انتعاش هذا السوق إن لاقت نظارات "أبل" رواجًا، فنحن نعرف جميعًا أن سُمعة "براند" أبل تدفع الشركات الأخرى إلى أن تحذو حذوها.