"لامبالاة وتبلد في المشاعر".. ماذا تعرف عن متلازمة انعدام الحافز؟
اللامبالاة وعدم الاهتمام بأي شيء لا يعني الاكتئاب بالضرورة، بل قد يكون من سمات "متلازمة انعدام الحافز"، التي -كما يتضح من اسمها- يفقد فيها الإنسان شغفه بالأنشطة التي كانت تُمتِعه سابقًا، كما لا يجد حافزًا لأداء مهامه اليومية، فيكسل عنها، ولم يتوصّل الباحثون إلى سبب هذه المتلازمة بعدُ، وإن ارتبطت ببعض الأدوية والاضطرابات النفسية، فما أبرز أعراضها؟ وكيف يمكن التغلب عليها؟
ما هي متلازمة انعدام الحافز؟
حالة نفسية يمرُّ فيها الإنسان بتغيُّرات شخصية وعاطفية ومعرفية، مثل ضعف التركيز واللامبالاة وضعف الذاكرة، إضافةً إلى غياب الاهتمام بالأنشطة التي كانت تُسعِدك فيما سلف.
وُثِّقت أعراض متلازمة انعدام الحافز لدى من يتناولون الماريجوانا والميثامفيتامين، وغيرها من الأدوية غير المشروعة، كما أنّها قد تُؤثِّر أيضًا على الذين يتناولون مضادات الاكتئاب فئة مُثبِّطات استرداد السيروتونين الانتقائية "SSRI"، وهنا يتعجّب المرء من أنّ الاكتئاب الشديد وعلاجه أيضًا قد يُفضِيان إلى متلازمة انعدام الحافز.
أعراض متلازمة انعدام الحافز
لم يُعترَف بمتلازمة انعدام الحافز من قِبل الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، الإصدار الخامس "DSM-5" على أنّه اضطراب قابل للتشخيص، فليست هناك مجموعة مُوحّدة من الأعراض التي يتمكّن الأطباء من التشخيص من خلالها.
لكن تُعدّ متلازمة انعدام الحافز سمة من سمات اضطرابات تعاطي المُخدّرات، كما قد يُعانِيها المُصابُون بالفِصام. وأعراض تلك المتلازمة شبيهة للغاية بأعراض الاكتئاب، وتتضمّن ما يلي:
- مشاعر اللامبالاة.
- عدم وجود أي حافز لإنجاز المهام اليومية، أو المشاركة في الأنشطة.
- الانسحاب من الأنشطة اليومية.
- صعوبة التركيز.
- مشكلات الذاكرة، أو فقدان الذاكرة قصيرة الأمد.
- الانسحاب من الأنشطة الاجتماعية، وضعف الإنتاجية عمومًا.
وتتضمّن الأعراض الأكثر شيوعًا لمتلازمة انعدام الحافز اللامبالاة وتبلُّد المشاعر "عدم الشعور بأي مشاعر أو غياب الاستجابة العاطفية للأحداث المُحِيطة بالإنسان".
نظرة أعمق لأعراض متلازمة انعدام الحافز
تشترك متلازمة انعدام الحافز مع الاكتئاب في كثيرٍ من الأعراض، ولذلك قد تُشخَّص خطأً على أنّها اكتئاب. عمومًا تُظهِر الأبحاث أنّ تلك المتلازمة تُؤثِّر على الفص الأمامي للدماغ، وهو الجزء المسؤول عن:
- اتخاذ القرارات.
- تنظيم المشاعر.
- الوظائف الإدراكية.
لذلك فإنّ العلامة المبكّرة لمتلازمة انعدام الحافز هي اللامبالاة أو عدم الاكتراث، فمن دون عمل الفص الأمامي للدماغ بطاقته، تختل مشاعر الإنسان وقدرته على اتخاذ القرارات، وقد يصحب ذلك الأعراض الآتية:
- فقدان الذاكرة طويلة الأمد وقصيرة الأمد.
- تبلُّد المشاعر وعدم إظهار العواطف.
- صعوبة التركيز في الأنشطة التي تتطلّب تركيزًا عاليًا.
أسباب متلازمة انعدام الحافز
لم تتوصَّل الأبحاث إلى سببٍ مباشرٍ لمتلازمة انعدام الحافز، لكن ربط الباحثون بين المتلازمة وبين عِدّة أمورٍ قد تكون السبب وراءها، مثل:
1. مُثبِّطات استرداد السيروتونين الانتقائية "أحد أنواع مضادات الاكتئاب"
وجدت دراسةٌ، حسب موقع "choosingtherapy"، أنّ واحدًا من كل 3 أشخاص تناولوا مُثبِّطات استرداد السيروتونين الانتقائية سيُعانُون اللامبالاة أو عدم الاكتراث، وأفاد 40% منهم غياب الحافز الداخلي عندهم للقيام بالأنشطة اليومية.
ومثل هذه الآثار الجانبية كانت أشدّ وضوحًا عند من يتناولون جرعات عالية من هذه الأدوية؛ لذلك يظنُّ الباحثون أنّ مُثبِّطات استرداد السيروتونين الانتقائية قد تُسبِّب متلازمة انعدام الحافز، وأنَّ سبب الأعراض هو عدم توازن بعض المواد الكيميائية في الدماغ، مثل السيروتونين الذي قد يُؤثِّر في عمل الفص الأمامي للدماغ "الفص الجبهي".
2. تناول المواد غير المشروعة
متلازمة انعدام الحافز قرينة بالتسمُّم المزمن من بعض الأدوية، خاصةً التناول المزمن لـ"الحشيش"، إذ ارتبط حسب الدراسات بغياب الدافع النفسي، كما يُسبِّب قصورًا في القدرات الإدراكية، وغير ذلك من الأعراض المرتبطة بمتلازمة انعدام الحافز.
كذلك قد يُؤدِّي استخدام الميثامفيتامين إلى أعراض متلازمة انعدام الحافز؛ إذ إنَّ استخدام أي عقاقير تُسبِّب الإدمان سيُؤثِّر على مواد كيميائية مُعيَّنة في الدماغ، مثل الدوبامين، الذي يُؤثِّر على الحالة المزاجية والتحفيز الداخلي للإنسان.
وباعتبار كل ذلك فإنّ تعاطي المواد غير المشروعة يزيد خطر الإصابة بمتلازمة انعدام الحافز.
3. المعاناة من مرضٍ نفسيٍ مُسبق
قد تصحب متلازمة انعدام الحافز بعض الاضطرابات النفسية، مثل اضطراب ثنائي القطب، والاكتئاب، والفِصام، فالتشخيص الحالي بالإصابة بأي من هذه الاضطرابات - أو غيرها من اضطرابات المزاج - يزيد فرص الإصابة بمتلازمة انعدام الحافز، لكنّ الباحثين لم يتفقوا كلّهم على تأثير تلك الاضطرابات في الإصابة بمتلازمة انعدام الحافز.
اقرأ أيضًا:عندما ينفطر فؤادك من شدة الحزن.. ما هي متلازمة القلب المكسور؟
4. الاضطرابات المعرفية العصبية
مثل الخرف، ومرض باركنسون "شلل الرعاش"، ومرض ألزهايمر، أي منها قد يكون سببًا محتملاً لمتلازمة انعدام الحافز؛ لأنّ غياب الاهتمام والتبلُّد العاطفي من الأعراض الشائعة مع مثل تلك الاضطرابات، فما يمنع أن تُفضِي إلى متلازمة انعدام الحافز؟
5. تغيُّرات بنيوية وكيميائية في الدماغ
كشفت دراسات مسح الدماغ أنّ العديد من أعراض المتلازمة مرتبط بتشوّهات ومشكلات في الفص الجبهي للدماغ، وهذا قد يكون بسبب عدم توازن المواد الكيميائية في الدماغ إثر تعاطي بعض المواد، أو تناول بعض الأدوية، أو المرور باضطرابات نفسية أخرى، أو لغير ذلك من الأسباب.
علاج متلازمة انعدام الحافز
ثمّة خيارات علاجية متاحة لمساعدة المُصابِين بمتلازمة انعدام الحافز، وبالنسبة لمن يتعاطون بعض العقاقير المُسبِّبة للإدمان، فإنّ علاج الإدمان ومجموعات التعافي قد تُحسِّن حالتهم كثيرًا، أمّا النهج العلاجي العام للمتلازمة، فيتضمَّن ما يلي:
1. العلاج المعرفي السلوكي
يُساعِد العلاج المعرفي السلوكي المرضى على تغيير طريقة تفكيرهم وتصرُّفهم، وهو علاج مُثبَت فاعليته للاكتئاب والقلق، والإدمان أيضًا، وقد يُساعِد كثيرًا في علاج متلازمة انعدام الحافز لتغيير طريقة التفكير واستعادة الحافز من جديد.
2. العلاج بالقبول والالتزام
هذا النوع من العلاج مُصمَّم لمساعدة الناس على الاستجابة للمشاعر والأفكار الصعبة بطرقٍ صحية، وهو بالنهاية يرمي إلى تعليم المرء كيف يكتسب دافعًا داخليًا من جديد.
اقرأ أيضًا: هل يُعالِج الصيام متلازمة الأيض؟
3. المقابلات الدافعية
هو شكل من أشكال التدريب "coaching"، يُدمَج مع الرعاية الصحية والاستشارة وعلاج الإدمان، وهو خيار جيد لمن يُعانُون متلازمة انعدام الحافز، خاصةً إذا كانوا يتعاطون مواد غير مشروعة.
4. الأدوية النفسية ومضادات الاكتئاب
قد تُساعِد الأدوية النفسية في علاج متلازمة انعدام الحافز، لكن ذلك مرهونٌ برأي الطبيب، كما أنّ تناول الأدوية لا ينبغي أن يتم إلّا تحت إشراف الطبيب.
وإذا كانت أدوية الاكتئاب هي ما يُسبِّب المتلازمة، فلا بُدّ من استشارة طبيبٍ نفسي لضبط جرعتها، أو البحث عن بدائل لا تُسبِّب متلازمة انعدام الحافز.
نصائح للتغلُّب على متلازمة انعدام الحافز
ختامًا، قد تُساعِد هذه النصائح - إلى جانب الطرق العلاجية - في التغلُّب على متلازمة انعدام الحافز:
- تقليل التوتر بتقنيات الاسترخاء، مثل التأمل، وممارسة التمارين الرياضية، وكذلك التعامل مع المشكلات الحالية وعدم تركها تتطوّر.
- التواصل مع الأقارب والدائرة المحيطة بك كي يدعموك، ويُساعِدوك في استعادة نشاطك.
- إعادة إحياء قِيمك الذاتية، فالتحفيز واستعادة الدافع يسير للغاية عندما تُكرِّس وقتك للقيام بما تُحبّه وتستمتع به فعلاً، فإذا كُنت قد تخلّيت عن هوايةٍ أحببتها، ففكِّر في استئنافها.