هل تريد تبني الذكاء الاصطناعي في عملك الخاص؟ راعِ هذه التحديات أولاً
حلَّ الذكاء الاصطناعي "AI" على عالم الأعمال كالصاعقة، إذ أعاد تعريف العمليات واتخاذ القرارات، فضلاً عن تحسين تجربة المستخدم بشكلٍ غير مسبوق. يرجع هذا بالأساس لقدرات الذكاء الاصطناعي الواضحة على معالجة قدرٍ ضخم من البيانات في وقت قصير، ناهيك عن كفاءته وإبداع مُخرجاته. كل هذه الأشياء تجعل أثر الـ "AI" في مجال "البيزنس" واضحًا، بل ثوري، ولكن السؤال الآن: "كيف يُغير الذكاء الاصطناعي من مجال ريادة الأعمال حقًا"؟.
لنجيب على هذا السؤال دعونا نُلقِ نظرة على 3 أشياء أساسية؛ دور الذكاء الاصطناعي الحالي في مجال ريادة الأعمال، والتحديات والاعتبارات التي يجب أن تؤخذ في الحُسبان، وأخيرًا مستقبل ريادة الأعمال تحت لواء الذكاء الاصطناعي.
كيف يُسيّر الذكاء الاصطناعي "البيزنس" حاليًّا؟
لا نحتاج إلى إلقاء نظرة فاحصة حتى نرى الأثر الحالي للذكاء الاصطناعي في مجال ريادة الأعمال؛ بنظرة عابرة سنلاحظ أن الـ "AI" يلعب دورًا كبيرًا في تحليل البيانات "Data Analysis" والخروج بأفضل الحلول والاستراتيجيات الممكنة، من ذلك مثلاً: تحليل بيانات المستخدمين، وتحسين الحملات الترويجية، بل التنبؤ بالتوجّهات المستقبلية "Trends".
إن كان هذا يعني شيئًا، فيعني أن رواد الأعمال -من المفترض- سيتخذون قرارات أفضل "أسرع وأدق"؛ مواقع التواصل ستستطيع جذب المستخدمين لأطول فترة ممكنة، و"أمازون" ستستهدف حاجات المستخدمين بدقة، ومن ثم ستزيد مبيعاتها، وهذا على سبيل المثال لا الحصر بالطبع.
استكمالاً للحديث عن أهمية الذكاء الاصطناعي ودوره في تحليل البيانات، سنكتشف أن ذلك يترتب عليه فهم احتياجات العملاء، وتزويدهم بتجارب تُعزز من تعلّقهم بالخدمة المُقدمة لهم، وهذا ما يسعى إليه جميع رواد الأعمال بغض النظر عن مجال تخصصهم، إذ يساوي هذا المزيد من المبيعات، ومن ثم المزيد من المال. طبّق هذا الحديث على أي شركة أو "بيزنس" وستجده منطقيًّا.
مما نلاحظه أيضًا أن الذكاء الاصطناعي أصبح قادرًا على أتمتة "Automate" بعض الوظائف، لا سيّما القابلة للتكرار والخالية من أي إبداع مثل إدخال البيانات "Data entry" وما إلى ذلك من الأعمال المشابهة، وكنا قد خصصنا لهذه الجزئية حديثًا مطولاً في مقالٍ سابق يمكنكم الاطلاع عليه. ولكن باختصار؛ تسببت الأتمتة بثورة كبيرة أدت إلى تسريح أكبر الشركات "مثل غوغل وأمازون وغيرها" لعددٍ ضخم من الموظفين. ولمن لا يعلم، فالأتمتة "Automation" -باختصار- تعني الاعتماد على الآلة في إنجاز المهام المختلفة تلقائيًّا، وهذا يزيد الإنتاجية والكفاءة، ويقلل من تكاليف التشغيل، خاصة وإن كنا نتحدث عن تكاليف العمالة البشرية، الخلاصة أنها سلاح ذو حدين.
إذن فدور الذكاء الاصطناعي بمجال ريادة الأعمال يمتد ليطال كل شيء تقريبًا، بداية من عمليات التصنيع -بفضل الأتمتة- وحتى إغراء المستخدمين لاتخاذ فعل "action" بعد إمدادهم بتجربةٍ لا يُعلى عليها، ولكن لا بد أن يكون هناك تحديات، أليس كذلك؟
اقرأ أيضًا:داخل كواليس Apple .. توظيف الذكاء الاصطناعي لإنتاج شيء مختلف!
تبني الذكاء الاصطناعي في "البيزنس" محفوفٌ بالتحديات
لعل طريق الذكاء الاصطناعي نحو عالم ريادة الأعمال كان مفروشًا بالورود، إذ لاقى ترحيبًا واسعًا نظرًا لما قدمه من مميزات عرضنا بعضها أعلاه، ولكن هذه الورود سُرعان ما اتضحت أشواكها المتمثلة في التحديات المختلفة، بدايةً من الاعتبارات الأخلاقية، وحتى عدم جاهزيتنا لاستخدامه.
إذا نظرنا للجانب الأخلاقي مثلاً، فجميعنا جرّبنا "ChatGPT" ونعرف أن هذه الأدوات مُنحازة بشكلٍ أو بآخر، وذلك يرجع لقواعد البيانات التي استُخدِمَت لتدريب نماذج وأدوات الذكاء الاصطناعي المختلفة مُتسببة في حدوث انحيازات واضحة أدت إلى مشكلات في اتخاذ القرار والثقة وغيرهما.
وعلى ذكر قواعد البيانات وتدريب هذه النماذج، فالذكاء الاصطناعي يحتاج إلى بنية تحتية وقدرات حوسبية ضخمة حتى يتم تدريبه، وهذا تحدٍ ثانٍ، لعل أكبر دليل عليه هو الشائعات القائلة بحدوث أزمة في توافر كروت الشاشة في السنوات القادمة نظرًا لطلب شركات الذكاء الاصطناعي المتزايد عليها، وبكميات مهولة.
تحدٍ ثالث قد يحول دون تبني أدوات الذكاء الاصطناعي في الشركات والمؤسسات، ومجال ريادة الأعمال بشكلٍ عام، هو عدم وجود كفاءات مُدرَّبة على استخدامه في إيجاد الحلول المناسبة. هناك احتياج واضح لكوادر في كافة المجالات المرتبطة بالـ"AI" مثل علم البيانات "Data science"، وتعلم الآلة Machine learning (ML)، وغيرهما من المجالات الأخرى مما قد يجعل أصحاب الأعمال يستغنون عن الذكاء الاصطناعي بالكلية ويعتمدون على العمل البيروقراطي الروتيني، وهذا ليس أفضل خيار بلا شك.
هناك تحديات أخرى كثيرة، ولكننا سنكتفي بالتحدي الرابع المتمثل في تَعَقّد البيانات والمشاريع المختلفة. عادة ما يتم الاستعانة بالذكاء الاصطناعي في الأعمال الضخمة التي تتضمن قدرًا مهولاً من البيانات غير المُنظَّمة. هذا الأمر يحتاج إلى إدارة وعمل مُضنيين، ناهيك عن حاجته إلى الكوادر الفنية والخبرات كما قلنا في التحدي السابق.
لتفهم هذا التحدي الأخير، تخيل صاحب متجر ملابس على الإنترنت يهدف إلى تحسين خدمة العملاء الخاصة بمتجره فيتبنى روبوت دردشة يعمل بالذكاء الاصطناعي حتى يستطيع خدمة الزبائن عن طريق الرد على استفساراتهم، وترشيح ملابس مناسبة لهم بناءً على استخدامهم للإنترنت أو سجل التصفح الخاص بهم.
قد تبدو الصورة واضحة والأمور سلسة، ولكن الحقيقة أنها مُعقدة للغاية، فطبيعة استخدام الزبائن للإنترنت مُعقَدة في حد ذاتها. وإذا نحيّينا الزبائن جانبًا، فسنجد أن جودة روبوت الدردشة مرهونة بالأشخاص الذين سيعملون عليه، فبناء النموذج وتجهيز بياناته يحتاج إلى علماء بيانات، وبناء منطق المحادثات وتدريب الروبوت على فهم لغة الزبائن يحتاج إلى مهندسٍ في تعلم الآلة ومعالجة اللغة الطبيعية "NLP"، ولا نحتاج إلى ذكر المصممين المسؤولين عن شكل واجهة الروبوت التي تلعب دورًا أساسيًا في رحلة العميل.
الشاهد أن تبني الذكاء الاصطناعي في أي عملٍ أو "بيزنس" يحتاج إلى جهد ومثابرة، وقدرة كبيرة على تخطي هذه التحديات أو التكيف معها، وهذا يأخذنا إلى الجزء الثالث من هذا المقال؛ مستقبل ريادة الأعمال تحت لواء الذكاء الاصطناعي، أو بصيغة أخرى.
اقرأ أيضًا:كيف عزَّز الذكاء الاصطناعي الرعاية الصحية؟
كيف يغير الذكاء الاصطناعي من مجال ريادة الأعمال؟
استخدام الذكاء الاصطناعي في كل مجالات "البيزنس" لتحسين عمليات اتخاذ القرار وأتمتة العمليات المختلفة وتحسين تجربة المستخدم إلخ، يُوحي بمستقبل مختلف تمامًا تتركز فيه بوصلة المهارات على الجانب التقني. لم تعد مهام الـ "CEO" مثلاً معنية بالأمور الإدارية فقط، بل أصبح لزامًا على كل مدير أن يركز على تطويع مهاراته حول فهم واستخدام البيانات، بل ودمجهما بمهارات القيادة بشكلٍ ما.
في عصرنا الحالي لم يعد استخدام الـ "AI" رفاهية، فالجميع يُفكر في إشراك الذكاء الاصطناعي في أي شيء وكل شيء لدرجة أنه أضحى من أهم الأشياء التي يجب أن تُوضَع في الاعتبار في أثناء التخطيط الاستراتيجي ووضع الأهداف طويلة المدى بالنسبة للشركات والأعمال المختلفة.
وبالنسبة لموضوع استبدال الذكاء الاصطناعي للوظائف البشرية ومستقبل هذه الجزئية بالتحديد -كونها مؤرقة للجميع بلا استثناء-، فكنا أيضًا قد تحدثنا عنها في مادةٍ سابقة، ولكن تلخيصًا: الأمر ليس بهذا السوء، فعلى الرُغم من حقيقة استبدال الـ "AI" لبعض الوظائف فعلاً، فإنه فتح لنا آفاقًا وظيفية لم نكن لنتخيلها أبدًا، فهل كان لأحد أن يتوقع وجود وظيفة مثل هندسة الأوامر، أو الهندسة السريعة "Prompt engineering"؟
في النهاية، إن مستقبل الذكاء الاصطناعي في كل المجالات عمومًا، ومجال الأعمال أو "البيزنس" على وجه التحديد، باهر أو على الأقل مُشوق. كل الاحتمالات واردة والخيال لا حدود له، ومع تغلبنا على التحديات المطروحة يومًا تلو الآخر، فنحن أقرب من أي وقت مضى، وها نحن ذا نستشعر نفحات هذا المستقبل منذ الآن.