"المناعة لها بالمرصاد".. كم عدد الميكروبات التي تجعلك مريضًا؟
لكي يجعلنا الميكروب مرضى عليه أن يتغلب على الكثير من الحواجز أولاً، فعليه أن يدخل إلى الجسم، وذلك عن طريق تخطي الحواجز الطبيعية مثل الجلد والمخاط، والأهداب، وحمض المعدة القوي، وبعد تخطي هذه الحواجز الطبيعية عليه أن يتكاثر، فالبكتيريا والديدان لهما القدرة على التكاثر في أي مكان في الجسم، ولكن الفيروسات وبعض الكائنات الأخرى لا بد أن تصل إلى داخل الخلية لتستطيع التكاثر، وطوال هذه الرحلة بداية من الدخول إلى الجسم حتى التكاثر وجعلنا نشعر بالمرض تُهاجم الميكروبات بواسطة الجهاز المناعي.
وطوال حياة الإنسان فإنه يتعرض للملايين من الميكروبات، ولكن عددًا قليلاً فقط هو من يستطيع الدخول إلى الجسم، ولكنه لا يستطيع تخطي الحواجز المناعية الخاصة بالإنسان، وهذه الأعداد القليلة من الميكروبات تعمل كتذكير لجهازنا المناعي، فعندما يتغلب الجهاز المناعي على الميكروب، فإنه يُكوّن أجسامًا مضادة ضد هذا الميكروب، فعندما يُهاجم الميكروب الجسم ثانيةً فإن الأجسام المضادة تقضي عليه في الحال.
لكن عندما يُهاجم عدد كبير من الميكروبات الجسم، ويستطيع اختراق الأنظمة الدفاعية الخاصة به، ويبدأ بعد ذلك في التكاثر وتكوين نسخ جديدة منه، فإن الشخص يبدأ في الشعور بالمرض، وكلما زاد عدد الميكروبات التي تهاجم الجسم، زادت شدة الإعياء الذي يشعر به المريض.
ما العلاقة بين الميكروبات وجسم الإنسان؟
العلاقة بين الميكروبات وخاصةً البكتيريا وجسم الإنسان هي علاقة وثيقة للغاية، إذ تُغطي البكتيريا جسم الإنسان بالكامل بما في ذلك الجلد، والجهاز الهضمي، والأغشية المخاطية، فطبقًا للإحصائيات فإن عدد البكتيريا التي توجد في جسم الإنسان تُعادل 10 مرات عدد الخلايا البشرية، ففي الأمعاء وحدها يوجد أكثر من 10 تريليونات بكتيريا مُقسمة إلى 10 آلاف نوع.
لكن تجدر الإشارة إلى أن هذه البكتيريا هي بكتيريا مفيدة للغاية للإنسان، وتلعب أدوارًا مهمة للحفاظ على صحة الشخص، فهي تساعد في صناعة الفيتامينات، وتكسير جزيئات الطعام إلى أجزاء قابلة للامتصاص، كما أنها تُحفز الجهاز المناعي عند وجود أي مشكلة.
ولكن على الرغم من ذلك فإنه توجد العديد من الأنواع الأخرى من البكتيريا والميكروبات الأخرى تُمرض الشخص، وتؤدي إلى الإصابة بالعديد من المضاعفات التي قد تودي بحياة الشخص في النهاية.
كم عدد الميكروبات التي تحتاج إلى الدخول إلى الجسم قبل أن يشعر الشخص بالمرض؟
لا يمكن تحديد عدد الميكروبات التي يجب أن تدخل الجسم قبل أن يشعر الشخص بالمرض، وذلك لأنها تختلف باختلاف نوع الميكروب، فعدد البكتيريا التي يجب أن تدخل إلى الجسم يختلف عن عدد الفيروسات، ويختلف عن عدد الديدان، ويختلف عن عدد الفطريات، ولكن يُسمى العدد الذي يجب أن يدخل إلى الجسم لكي يشعر الشخص بالمرض باسم "الجرعة المعدية infectious dose".
عادةً يحتاج الميكروب إلى عدد قليل منه للدخول إلى الجسم ليبدأ مفعوله، لكن في بعض الأحيان يمكن أن يبدأ تأثيره حتى إذا دخل عدد قليل جدًا من الميكروب، فعلى سبيل المثال، يحتاج النوروفيروس "norovirus" إلى دخول 18 نسخة منه فقط إلى الجسم ليبدأ الشخص في الشعور بالمرض، و"النوروفيروس" هو فيروس يهاجم المعدة، ويُسبب الشعور ببعض الأعراض مثل الإسهال، والتقيؤ، والغثيان.
هذا العدد القليل يجعل انتشار الفيروس وإصابة العديد من الأشخاص أمرًا سهلاً للغاية، ويمتلك الفيروس العديد من الطرق للانتقال بين الأشخاص ومن بينها:
- التواصل المباشر مع الأشخاص المُصابة أو الحاملة لهذا الفيروس.
- تناول الطعام أو الشراب الملوث بجزيئات هذا الفيروس.
- لمس الأسطح أو الأشياء الملوثة بهذا الفيروس، ثم وضع الأصابع في الفم دون غسلها.
اقرأ أيضًا:كل ما تريد معرفته عن مرض الصدفية: أعراضه وأسبابه وطرق العلاج
كيف يستطيع العلماء قياس الجرعة المعدية؟
توجد العديد من الطرق التي يلجأ لها العلماء لقياس الجرعة المعدية ومنها:
- يلجأ بعض العلماء إلى قياس الجرعة المعدية عن طريق حقن الميكروب في جسم الإنسان، ثم قياس جرعة الميكروبات التي تجعل الشخص مريضًا، ولكن هذه الطريقة غير أخلاقية، وقد تؤدي إلى الإصابة بالعديد من المشكلات الصحية على المدى البعيد.
- يلجأ بعض العلماء إلى قياس الجرعة المعدية عن طريق حقن الميكروب في جسم بعض الحيوانات مثل الخنازير والفئران، ولكن هذه الطريقة تواجه مشكلة كبيرة، وهي أن الجهاز المناعي في الحيوانات يختلف عن الجهاز المناعي في البشر، فعلى سبيل المثال لكي يُصاب الحيوان بكوفيد-19 "Covid-19" يحتاج إلى دخول 10 آلاف إلى مليون نسخة من الفيروس، في حين أن الإنسان يحتاج لدخول 100-400 نسخة فقط من الفيروس لكي يشعر بالمرض.
الطريقتان السابقتان تواجهان بعض العقبات الأخرى، فمنها على سبيل المثال طريقة دخول الميكروب إلى جسم الإنسان، فالميكروبات التي تدخل إلى الدم مباشرة تحتاج إلى عدد أقل من الميكروبات عن تلك التي تدخل عن طريق الفم أو الرئة، وذلك لأنها تتخطى العديد من الحواجز المناعية الطبيعية، فعلى سبيل المثال فرصة الإصابة بعدوى فيروس نقص المناعة البشرية "HIV" تكون عالية للغاية في انتقال الفيروس عن طريق نقل الدم، مقارنةً بانتقاله عن طريق العلاقة الجنسية.
- الطريقة الثالثة التي يلجأ إليها العلماء هي دراسات المراقبة "observational studies" وهي طريقة يستنتج فيها العلماء الجرعة المعدية عن طريق مراقبة المدة الزمنية بين تعرض الشخص للميكروب والإصابة بالمرض، وتُعد هذه الطريقة غير دقيقة مقارنةً بالطرق السابقة.
ما المقصود بـ"الحمل الفيروسي"؟
في حين أن الجرعة المعدية هي عدد الميكروبات التي يمكنها إصابة الشخص بالمرض عند دخولها إلى الجسم، فإن الحمل الفيروسي "viral load" هو مقياس حيوي للعدوى، إذ يقيس عدد الميكروبات التي تتكاثر داخل جسم المُضيف "الإنسان".
كما يُشير الحمل الفيروسي إلى كمية الفيروس الموجودة في دم الشخص المُصاب بالعدوى، ويُعبر عنه بعدد جزيئات الفيروس في كل ملليلتر من الدم، وزيادة الحمل الفيروسي يدل على أن العدوى تتقدم، وأُدخل مصطلح "الحمل الفيروسي" في المجتمع الطبي لأول مرة في أثناء التعامل مع مرض الإيدز "AIDS"، وأصبح المجتمع الطبي يستخدمه بكثرة مؤخرًا مع فيروس كورونا المستجد.
لماذا تختلف الجرعة المعدية من ميكروب لآخر؟
العلماء حتى الآن غير متأكدين من الإجابة على هذا السؤال، لكن يعتقد العلماء أن الجرعة المعدية تختلف بطريقة تعامل الميكروب مع خلايا الجسم، فالميكروبات التي تحتاج إلى تواصل مباشر مع خلايا الجسم تكون أكثر فاعلية، لذلك فإن الجرعة المعدية منها تكون قليلة، ولكن الميكروبات التي تهاجم الخلايا بطرق غير مباشرة مثل إفراز البروتينات لإيذاء الخلايا، فإن الجرعة المعدية منها سوف تكون كبيرة، وذلك لوجود العديد من المعوقات مثل قدرة الجسم على تخفيف هذه البروتينات وتقليل تأثيرها.
اقرأ أيضًا:هبوط الدورة الدموية.. الأسباب والأعراض وطرق الوقاية
ما العلاقة بين الجرعة المعدية واللقاحات؟
أخذ اللقاحات أو التعرض للإصابة بالميكروب من قبل، يجعل الجسم قادرًا على تكوين مناعة مضادة لهذا الميكروب، إذ يعمل الجسم على تكوين أجسام مضادة ضد الميكروب، فعند مهاجمة الميكروب نفسه ثانيةً للجسم بالجرعة المعدية المعتادة نفسها، فإن الجسم يهاجمه إما عن طريق الارتباط به بالأجسام المضادة وإبطال مفعوله، وإما ابتلاعه عن طريق الخلايا المناعية، أو تدميره بواسطة خلايا الذاكرة التائية "memory T cells"، كل ذلك يدمر عددًا كبيرًا من الميكروبات التي هاجمت الجسم، فلا يكون عدد الميكروبات المتبقية كافية لإصابة الشخص بالمرض.
لذلك فإن تناول اللقاحات أو الإصابة المسبقة بالميكروب تؤدي إلى زيادة الجرعة المعدية لهذا الميكروب، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى منع الإصابة بالمرض.
كيف يمكن الوقاية من الإصابة بالعدوى؟
على الرغم من اختلاف طرق الميكروبات في إصابة الشخص، فإن طرق الوقاية منها لا تزال واحدة وبسيطة، ويمكن الوقاية من العدوى "لنأخذ كوفيد-19 كمثال" عن طريق:
- المسافة الاجتماعية "social distancing": عن طريق ترك مسافة كافية بين الشخص السليم والشخص المريض، وهذا يقلل عدد الميكروبات التي تصل إلى الشخص السليم.
- ارتداء الكمامات الطبية: ارتداء الكمامات الطبية خاصة الأنواع الجيدة يقلل من عدد الميكروبات التي تدخل إلى الجسم.
- التهوية الجيدة: تخفف من عدد الميكروبات في الهواء.
- استخدام مرشحات الهواء: تقلل من فرصة الإصابة بالعدوى.
- تناول اللقاحات: تُستخدم اللقاحات للوقاية من العدوى عن طريق زيادة الجرعة المعدية للميكروب ما يقلل فرص الإصابة، كما أنها تقلل من فرصة تطور المرض والإصابة بالمضاعفات في حالة الإصابة بالعدوى.
- تقليل الحمل الفيروسي: ومن ثم فإنها تقلل من انتشار الميكروب.