هل نحن وحدنا بالكون؟.. الجوابان كلاهما مخيف!
يقول السير آرثر كلارك، وهو كاتب الخيال العلمي البريطاني الشهير، واصفًا إحدى أشهر المفارقات التي تحاول البحث عن الفضائيين، أو وجود حياة أخرى بشكل عام: "إن هناك احتمالين؛ إما أننا وحدنا بالكون أو لا، وكلاهما مُروّع".
منذ قديم الأزل ونحن نحاول البحث عن الفضائيين، أو وجود حياة أخرى خارج كوكب الأرض، فالعلماء لم يألُوا جهدًا في سبيل الوصول إلى الحقيقة، ولعل ما دفعهم لذلك هو فساحة الكون. بحسب "ناسا"، فإننا قد وجدنا ما يزيد على الـ 4000 كوكب خارج مجموعتنا الشمسية في خلال العقدين الماضيين فقط. هذا، إضافة إلى مليارات، إن لم يكن تريليونات النجوم الموجودة في مجرتنا، يفرض مفارقةً تتمثل في سؤال: كيف لم يزرنا الفضائيون بعد؟
ما هي مفارقة فيرمي Fermi Paradox؟
تُعرَف المفارقة المُشار إليها بـ "مفارقة فيرمي- Fermi Paradox"، وذلك نسبة إلى الفيزيائي الإيطالي والحائز على نوبل "إنريكو فيرمي". لكي نعرف سبب اعتبارها مُفارقة Paradox، علينا أن نرجع بالزمن إلى الخمسينيات، وقتها طرح العالم الإيطالي سؤالاً تعجبيًا مفاده: كيف يمكن لكوننا أن يكون بهذه الفساحة والعمر الذي يتجاوز الـ 13.8 مليار سنة، وهذا رقم ضخم مقارنة بعمر الأرض الذي يساوي نحو 4.5 مليار سنة، وإلى الآن لم يزرنا الفضائيون؟
إذا أردنا أن نتناول المفارقة بتسلسلٍ منطقي، فيمكننا أن نصيغها كالآتي:
تحتوي مجرتنا وحدها، مجرة درب التبانة، على مئات المليارات من النجوم، من ضمنها مليارات النجوم الشبيهة بالشمس.
من المُرجّح أن تدور حول كل هذه النجوم كواكب شبيهة بكوكب الأرض.
فإذا سلّمنا بأن كوكب الأرض ليس مميزًا عن غيره من الكواكب، حسب المبدأ الكوبرنيكي، فإن الحياة الذكية من المفترض أن تكون موجودة بأحد هذه الكواكب الكثيرة الشبيهة بكوكب الأرض.
ونظرًا لأعداد الكواكب الجرارة، فمن المفترض أيضًا أن تكون بعض أشكال هذه الحياة ذكيةً كفاية لتطور وسائل تكنولوجية تُمكنها من السفر إلينا، لا سيمّا وأن عمر الكون يُقدّر بمليارات السنين كما أشرنا، وهذا يعني أن الوقت الذي يتطلبه السفر عبر الفضاء ليس عائقًا.
بوضع كل هذه المعطيات في الحسبان، لماذا لم نقابل أيًا من الفضائيين حتى يومنا هذا؟
اقرأ أيضًا:لماذا لا يلتقي البشر بالكائنات الفضائية؟ نظرية جديدة تكشف السبب
أول تأصيل علمي لمفارقة فيرمي
بحسب ممثلي معهد البحث عن الذكاء الاصطناعي خارج الأرض "SETI"، والموجود في مدينة ماونتن فيو بولاية كاليفورنيا الأمريكية: "فإن فيرمي قد أدرك أن أي حضارة تمتلك تكنولوجيا متواضعة من الصواريخ، إضافةً إلى حافز إمبريالي غير متواضع، يمكنها أن تستعمر المجرة كاملة وبسرعة". ويستكمل ممثلو المعهد مُفسرين اعتقادات "فيرمي": "في غضون بضع عشرات الملايين من السنين، يمكن وضع كل نظام نجمي -للمجرة- تحت جناح الإمبراطورية -يقصدون إمبراطورية الفضائيين الإمبريالية-، وعلى الرغم من أن هذه المدة قد تبدو طويلة، فإنها في الواقع قصيرة جدًا مقارنة بعمر المجرة الذي يتخطاها بنحو ألف مرة".
وبالرغم من أن "إنريكو فيرمي" قد مات بعد 4 سنوات فقط من طرحه لهذا السؤال المؤرق، فإن محاولات العلماء للإجابة عليه لم تتوقف حتى يومنا هذا. ويُعتَقد أن أول ورقة علمية تحدثت عن مفارقة "فيرمي" تعود إلى عام 1975، وذلك عندما نشر الفيزيائي الأمريكي "مايكل هارت Michael Hart" ذلك البحث المُعَنوَن "تفسير عدم وجود كائنات فضائية على الأرض" في مجلة الجمعية الفلكية الملكية "RAS"، رُغم أن هذا الادعاء يصعب إثباته.
وكما يتضح من عنوان الورقة، لم يُصدق "مايكل هارت" بوجود كائنات فضائية ذكية في الفضاء الخارجي، وحتى أنه قال نصًا في مقدمة بحثه المنشور: "لقد لاحظنا أنه لا توجد أي مخلوقات ذكية من الفضاء الخارجي في الوقت الراهن على كوكب الأرض"، وفسّر ذلك بأن "هذه الحقيقة" -على حد قوله-، أي حقيقة عدم وجود كائنات خارجية على كوكبنا، يُمكن أن تُفسَّر في ضوء فرضية عدم وجود أي حضارة متقدمة في مجرتنا.
علماء يرجّحون كفة وجود الفضائيين
على الرغم من أن أول إجابة -على ما يبدو- نُشرت في دورية علمية على سؤال أو مفارقة "فيرمي" كانت بالنفي، فإن هناك كثيرًا من العلماء الذين رأوا عكس ذلك؛ "فرانك دريك Frank Drake" مثلاً، وهو عالم فلك وفيزيائي أمريكي، قد اجتمع بعددٍ من العلماء لمناقشة عدد الحضارات الفضائية التي قد تكون موجودة بمجرتنا، بل حتى أنه قدَّم معادلة رياضية "معادلة دريك Drake equation" تتنبأ بأعدادهم في درب التبانة.
الشيء نفسه ينطبق على عالم الفيزياء الفلكية، والذي يُعد أيقونة في مجال التواصل العلمي، "كارل سيجان"، حيث كرَّس حياته للبحث عن هذا النوع من الحياة الذكية الموجودة خارج كوكبنا، وكان يعتقد أن فساحة الكون هي أكبر دليل على ذلك. وبالمناسبة، لـ"سيجان" سلسلة وثائقية عظيمة عن الفضاء، تُسمى "Cosmos"، ننصحكم بمشاهدتها.
وبالتأكيد سيعرف أي شخص مهتم بمجال علوم الفضاء والبحث عن "شكل من أشكال الحياة الذكية الخارجية" أن "ستيفن هوكينج" كان من أشد المناصرين لاحتمالية وجود كائنات فضائية، بل في الواقع ادّعى في الفيلم الوثائقي الشهير "Into the Universe with Stephen Hawking" (إنتاج 2010)، أن وجود شكل من أشكال الحياة الفضائية الذكية هو أمر شبه مؤكد مُحذّرًا من التواصل معها!
وأخيرًا وليس آخرًا، يذهب "سيث شوستاك Seth Shostak"، وهو كبير علماء الفلك في المعهد المذكور؛ معهد البحث عن الذكاء الاصطناعي خارج الأرض "SETI"، بعيدًا ويدّعي أن مشروع "Square Kilometre Array" وهو مشروع مكون من عدد ضخم من التلسكوبات موزّعة على مساحة كم مربع، قد يكون مفيدًا في العثور على حضارات الفضاء الذكية خلال مرحلة ما من حياتنا.
حل المعضلة
في الواقع، هناك أكثر من حلٍ واحتمالٍ مطروح بشأن معضلة "فيرمي"، ولكن على ما يبدو أن أوضحها للعيان هو أننا لم نبذل قصارى جهدنا، ولم نبحث كفايةً عن الحيوات الأخرى التي قد تكون موجودة بمكان ما في الكون. ولعل أكبر دليل على ذلك أن أول اكتشافٍ لكواكب خارج مجموعتنا الشمسية كان في التسعينيات، وهذا يعني أننا ما زلنا نتحسس الطريق نحو الإجابة على السؤال الذي تطرحه المفارقة.
أليس أولى بنا أن نبحث في مجرتنا عن عدد النجوم التي تُشبه شمسنا، ثم نبحث عن عدد الكواكب التي تُشبه أرضنا؟ صحيحٌ أننا نقترب كل يوم بفضل الأدوات والتلسكوبات التي نطورها لتُساعدنا في بحثنا، وحتى أننا توصّلنا إلى أقرب نظام نجمي منا، وهو "الألفا سنتوري Alpha Centauri" أو "رجل القنطور" الذي يبعد عنا مسافة 4 سنين ضوئية، ولكن مرة أخرى، ما زلنا في البداية؛ وستتيقن من ذلك عندما تعرف أن المسافة بين كوكب الأرض ونبتون "أبعد كواكب المجموعة الشمسية عن الشمس" هي 0.0005 سنة ضوئية، ومع ذلك تتطلب عقودًا حتى نقطعها رُغم كل التقدم التكنولوجي الذي وصلنا إليه.
خلاصةً، لا زلنا بعيدين كل البعد عن الجزم بوجود حياة ذكية خارج كوكبنا الجميل. المحاولات مستمرة وما نقطعه من أشواط في سبيل الوصول إلى الجواب يستحق أن نُحيي أنفسنا عليه، ولكن حتى هذه اللحظة، لا شيء قطعيّ.