تبادل العملات بين السعودية والصين.. "أكبر بكثير" من مجرد اتفاقية اقتصادية
أصداء واسعة حظي بها خبر توقيع البنك المركزي السعودي اتفاقية ثنائية مع نظيره الصيني لتبادل العملات لمدة 3 سنوات بقيمة تقدر بنحو 50 مليار يوان صيني "6.93 مليار دولار"، ونستعرض في هذا التقرير مزيدًا من التفاصيل حول تلك الخطوة التي تحمل بين طياتها كثيرًا، بحسب تحليلات.
وكالة "بلومبيرغ" الاقتصادية العالمية نشرت من جانبها تقريرًا تحليليًّا مطولاً حول تلك الخطوة، وتحدثت عن دوافع المملكة والصين من ورائها، مشيرة إلى أن الاتفاقية عكست رغبة لدى الطرفين في تعميق العلاقات في الوقت الذي تسعى فيه المملكة إلى تنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط.
وإلى جانب البيانات التي خرجت من الجانبين، وأكدت على وجود رغبة من الطرفين للمساهمة في تقوية التعاون المالي، وتسهيل سبل التجارة والاستثمار من خلال تلك الاتفاقية، لكن "بلومبيرغ" تعمقت في تحليلها وأشارت إلى أن المملكة تتطلع هي والصين من وراء الاتفاقية إلى ما هو أبعد من ذلك.
دلالات جيوسياسية
الوكالة أوضحت أن الاتفاقية تأتي كدلالة على الجهود التي تُبذل من جانب الطرفين بشكل وطيد في بعض القضايا الجيوسياسية، إذ لعبت الصين دور الوساطة في مارس الماضي لتعزيز سبل التقارب بين الرياض وطهران، وكذلك كان هناك وفدًا شرق أوسطيًا بقيادة وزير الخارجية السعودي في زيارة إلى بكين قبل أيام لإجراء محادثات حول سبل تخفيف حدة الحرب بين إسرائيل وحماس.
ومضت الوكالة لتشير أيضًا إلى تلك الدعوة التي تلقتها المملكة لحضور تجمع البريكس في أغسطس الماضي، وسط توقعات بأن تنضم في يناير إلى جانب 5 دول أخرى تشمل إيران، الإمارات، الأرجنتين، مصر، وأثيوبيا.
وتابعت الوكالة بقولها إن السعودية تعد أكبر مصدر للنفط في العالم، وإحدى ركائز نظام البترودولار الذي تأسس في سبعينيات القرن الماضي، ويعتمد على تسعير صادرات النفط الخام بالعملة الأمريكية.
وأضافت الوكالة أنه مع استمرار حفاظ المملكة على ربط العملة بالدولار، فهي تسعى الآن أيضًا إلى تعزيز علاقاتها مع الشركاء التجاريين المهمين، بما في ذلك الصين، وذلك كجزء من الجهود الرامية لتنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط.
وفي الوقت نفسه يواصل فيه المسؤولون السعوديون التخفيف من وتيرة الأقاويل التي تتحدث عن احتمال بدء المملكة في بيع نفطها إلى الصين، أو غيرها من المستوردين الرئيسين بعملات أخرى غير الدولار.
ونقلت الوكالة في هذا الإطار عن شريف عيد، مدير مالي مقيم في دبي لدى "فرانكلين تمبلتون"، قوله "لسبب وجيه، لا يزال هناك اعتمادًا كبيرًا للغاية على الدولار كأساس للتجارة والسياسة النقدية، ولا أعتقد أن ذلك سيتغير خلال وقت قريب".
اقرأ أيضًا:أفضل صناديق الاستثمار في السعودية.. أرباح دون مخاطر
التجارة غير النفطية
وواصلت "بلومبيرغ" قولها إنه بعيدًا عن المملكة العربية السعودية، فإن الدول المنتجة للنفط، بما في ذلك الإمارات والعراق، تستكشف في الوقت الراهن بعض الطرق لممارسة التجارة غير النفطية دون استخدام الدولار.
وتابعت "بلومبيرغ" بتأكيدها أن من ضمن الدوافع الأخرى التي ربما شجّعت المملكة على إبرام تلك الاتفاقية الثنائية مع الصين لتبادل العملات أن هناك ربما ما هو أشبه بالتوجه لدى المزيد من الدول نحو تقليل اعتمادها على العملة الأمريكية، ومن هنا بدأ يتزايد الاهتمام بالمقايضة مع الصين.
إلى ذلك، أفرد موقع "المنتور" تحليلاً مستفيضًا حول نفس الموضوع بقوله إن النفوذ الاقتصادي المتزايد للصين وارتفاع سعر الدولار الأمريكي، الذي ارتفع وسط زيادة أسعار الفائدة لترويض التضخم، دفع بعض الاقتصادات إلى التحول لمعاملات أرخص مقومة باليوان.
وأفادت بيانات صادرة عن بنك الشعب الصيني بأن الرصيد القائم لخطوط مقايضة النقد الأجنبي في الصين وصل لمستوى مرتفع جديد بقيمة بلغت 117 مليار يوان في نهاية شهر سبتمبر الماضي.
ونوهت التقارير أيضًا إلى أن البنك المركزي الصيني يمتلك 29 اتفاقية تبادل نشطة، يبلغ إجمالي حصتها مجتمعة أكثر من 4 تريليونات يوان، طبقًا للمعلومات التي تم الإفصاح عنها الشهر الماضي.
وقالت الأرجنتين مؤخرًا إنها ستستفيد من اتفاقية تبادلية لتمويل الواردات من الصين استجابة للتحديات المالية المرتبطة بعمليات البيع في عملية "البيزو"، وهي نفس الخطوات التي بادرت البرازيل باتخاذها أيضًا، ويبدو أن هناك عدة دول أخرى ستسير على نفس النهج خلال الفترة المقبلة.
وكانت مصادر مطلعة قد أشارت في أغسطس الماضي إلى أن هناك محادثات جارية بين بورصتين، إحداهما صينية والأخرى سعودية، بهدف السماح بتبادل إدراج صناديق مؤشرات متداولة في كل منهما. يأتي هذا في إطار خطة طموح بين البلدين لتعزيز الروابط المالية في ظل التحسن في العلاقات الدبلوماسية.
وأكدت المصادر أن المحادثات في مراحلها الأولية، ويمكن أن تكون خطوة مهمة تشير إلى استعداد بكين والرياض لتوسيع نطاق التعاون إلى قطاعات أخرى بخلاف الطاقة، مثل الأمان والتكنولوجيا الحساسة.
وأوضح مصدران أن بورصة "شنتشن"، وهي إحدى البورصات الرئيسة في البر الرئيس للصين، تخوض مفاوضات مع مجموعة "تداول" السعودية، المشغل لبورصة المملكة، بشأن برنامج يُعرف بـ "إي.تي.إف كونكت"، الذي يشير إلى ربط صناديق المؤشرات المتداولة بين البورصتين.
وبحسب معلومات تم الكشف عنها في شهر يونيو الماضي، فقد ارتفعت حصة الصين في تجارة السعودية الخارجية إلى 17.7٪ خلال عام 2022، مقارنة بنسبة كانت تُقدر بنحو 13.1٪ قبل 10 أعوام.
وكذلك شهدت التجارة الثنائية بين الجانبين نموًا متواصلاً بنسبة بلغت 49٪ خلال تلك الفترة، لتصل القيمة الإجمالية لتلك الحركة التجارية النشطة بين الطرفين إلى ما يقرب من 400 مليار ريال "107 مليارات دولار".
وفي الأعوام العشرة الأخيرة، تجاوز حجم التجارة السلعية بين الصين والسعودية 2.5 تريليون ريال "667 مليار دولار"، متفوقًا على حجم التجارة بين الرياض وواشنطن بنسبة تقارب 1.5 مرة خلال الفترة نفسها.
وبلغت صادرات السعودية للصين العام الماضي قيمة قدرها 249.9 مليار ريال "66.6 مليار دولار"، أي حوالي 16٪ من إجمالي صادراتها، بينما بلغت وارداتها من الصين نحو 149.25 مليار ريال "39.8 مليار دولار"، بنسبة تقدر بحوالي 21٪ من إجمالي وارداتها. ما يعني تحقيق المملكة فائضًا تجاريًا مع بكين قيمته 100.7 مليار ريال "26.8 مليار دولار"، وهو أكبر فائض تجاري منذ 2013.
ومن الجدير ذكره بهذا الخصوص أنه سبق أن تم توقيع اتفاقيات استثمارية بقيمة قدرها 50 مليار دولار أواخر العام الماضي، وصارت الصين بمثابة الشريك التجاري الرئيس للمملكة العربية السعودية.
وتشير التقديرات والبيانات إلى أن القيمة الإجمالية للاستثمارات الصينية الراهنة في البنية التحتية بالمملكة العربية السعودية، والتي تتمثل في "مبادرة الحزام والطريق"، تقدر بما يقرب من 5.5 مليار دولار.