"شيخوخة الأثر الرجعي".. لماذا يظهر مراهقو الأجيال السابقة كما لو كانوا عجائز؟
منذ فترة، انتشرت صورة الممثل والمصارع الشهير دوين جونسون "الروك" وهو بعمر الـ 16 عامًا على الإنترنت. أكاد أجزم أنني إن أريتك هذه الصورة وطلبت منك أن تُخمّن عمر صاحبها -بشرط ألا تعرفه-، فمن رابع المستحيلات أن تعرف.
رُغم أنني أتابع "الروك" منذ سنوات بعيدة كوني متابعًا سابقًا للمصارعة الحرة، فإنني عندما رأيت صورته تلك، أصبت الذهول.. الرجل كان يبدو كأنه عميل استخباراتيّ مزروعٍ في مدرسة حتى يُحبط عملية تفجيرية خطيرة، أو يمسك ببعض الطلّاب الذين يقومون بممارسات غير مسموحٍ بها في الحرم الدراسي مثلما نرى في الأعمال السينمائية من قبيل الفيلم المصري الشهير "الباشا تلميذ".
ما يبعث على مزيدٍ من الحيرة أنك عندما تقارن تلك الصورة بصورةٍ حديثة لنفس الممثل، وهو في الأربعينيات من عمره مثلاً، ستعتقد أن الآية قد عُكِسَت، أو أننا دخلنا في ثقب كوني بمعايير زمنية مختلفة عن التي نعرفها، ولكن.. ببحثٍ متواضع ستعرف أن مختلف الأشخاص كانوا يظهرون بعمرٍ أكبر في الماضي، والأمر لا يتعلق بالشخص نفسه بقدر ما يتعلق بعوامل أخرى كثيرة.
الفوارق الصحية
كما نعرف جميعًا، فإن الشخص كلما تمتع بصحة جيدة -وآمل أن تكون كذلك عزيزي القارئ-، تمتع بمظهرٍ وهيئة جيدين. ومرة أخرى، وربما أخيرة، صورة "دوين جونسون" هي أكبر دليلٍ على ذلك؛ فبعمر الـ 16 عامًا كان بدينًا بوجنتين منتفختين، أما في صوره الحديثة التي نراها الآن، فيبدو وكأنه أصح الأصحاء بالعالم، فاسم "الروك" هذا لم يأتِ من فراغ، ووسامته تلك لم نكن لنراها لو لم يبذل مجهودًا تجاه تحسين صحته.
بحسب كل الدراسات العلمية تقريبًا، فإن التمتع بصحة جيدة يمكن أن يُظهرك بشكلٍ أنيق وعُمرٍ صغير، حيث يُحسّن نمط الحياة الصحي من شكل البشرة، إذ يُحفّز من إنتاج الكولاجين، ويحد من آثار الشيخوخة، وهاتان الفائدتان، إضافة إلى فوائد أخرى كثيرة، كافية لجعلك تتوهج وتبرز بعمرٍ أصغر.
ومن باب التدليل على تطور مستويات الصحة مقارنة بالماضي، تخيل أن متوسط عمر الأشخاص في القرن التاسع عشر، وبالتحديد في الولايات المتحدة الأمريكية، كان نحو 40 سنة، في حين أنه قد قفز الآن إلى ضعف هذا الرقم تقريبًا بسبب تطور النُظم الصحية.
الصورة النمطية
يلعب الجانب النفسي دورًا مهمًا للغاية في الإجابة على سؤال: "لماذا كانت تبدو الأجيال السابقة أكبر عمرًا"؟ فثقافتنا الحالية، والعصرية بالطبع، تشكّل طريقة تفكيرنا في الأشخاص والثقافات المختلفة. أدمغتنا أصبحت مهيئة على تصنيف أي شخصٍ ذي "ستايل"، أو نمط حياة عفا عليه الزمن على أنه شخص عتيق كبير في السن.
لكي تتضح الصورة دعنا نضرب مثالاً بقصات الشعر. إذا طلبت منك أن تذكر لي شخصًا واحدًا فقط من جيل الستينيات، أو حتى التسعينيات ممن يمتلكون قصة شعرٍ عصرية مثل الـ Buzz Cut، هل ستستطيع؟ وبالمثل، هل ترى الآن أشخاصًا يقصّون شعرهم، أو يطلبون من الحلّاق أن يقص شعرهم بطريقة "خلية النحل" أو الـ Beehive المنتشرة في الستينيات؟ بالتأكيد يوجد، ولكن عددهم قليلٌ جدًا مقارنة بالأجيال السابقة.
بالمناسبة، هناك مُصطلحٌ علمي لهذه الحالة بالفعل، ويُعرَف بـ "الشيخوخة ذات الأثر الرجعي- retrospective aging"، والتي تحدث عندما نطبّق رؤيتنا للعالم حاليًا على الأجيال السابقة، فنراهم عتقاء يبدون وكأنهم على مشارف مفارقة الحياة رُغم أن عمرهم الحقيقي قد يكون 20 سنة فقط.
اقرأ أيضًا: احذر جفافها.. 7 نصائح للعناية بالبشرة أسفل اللحية
الطب التجميلي وتطوره
سبب ثالث يجعل أشخاص هذا الجيل، وحتى الجيل السابق، يبدون أصغر عُمرًا مقارنة بمن سبقوهم، هو تطور الطب التجميلي -الذي لم يكن منتشرًا على الإطلاق مقارنة بحاله الآن-، ومنتجات العناية بالبشرة Skincare products، فضلاً عن انتشار الجراحات التجميلية وسهولة الوثوق بها وبقدراتنا الطبية الآن. وعلى ذكر الجراحات التجميلية، فكانت تُعد من التابوهات قديمًا ومن كان يفكر في أمرٍ كهذا، اعتُبِر شخصٌ غريب يخالف طبيعة الكون.. بالتأكيد هناك استثناءات.
ولعل أحد الأسباب -كنت سأخصص لها فقرة لوحدِها ثم عدلت عن ذلك- التي دفعتنا إلى تطوير منتجات العناية بالبشرة هي رغبتنا الجارفة للظهور بعمرٍ أصغر، ففي ظل انغماسنا في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يريد الجميع أن يتباهى بكل شيء يملكه، وفوق كل ذلك شكله وصحته، أصبحنا نشعر وكأننا مُضطرون لفعل ذلك، وهذا انعكس على عدة أصعدة جعلتنا نحاول أن نبدو أصغر دائمًا.
الزواج ومعدلات الإنجاب
في عام 1968، كان متوسط عُمر الولادة الأولى لدى السيدات حوالي 23 عامًا، في حين أن الرقم قد قفز إلى 29 عامًا في 2011. نعيش الآن واقعًا تسعى فيه الكثير من الفتيات إلى الاهتمام بنفسها فقط. هؤلاء يرون أن الإنجاب يعرقل من تقدمهن وتطورهن في الحياة الشخصية، والأمر لا يقتصر على الإنجاب فحسب، بل على الزواج أيضًا؛ حيث ارتفعت كذلك نسب الطلاق ونسب العزوف عن الزواج بشكل ملحوظ، ومن ثم ارتفعت نسب اعتناء الفتيات بأنفسهم، وعليه أصبحوا يبدون بعمرٍ أصغر -على عكس نساء الأجيال السابقة-، وإن كانت جزئية الزواج هذه تنطبق على الرجال في بعض الأحيان أيضًا.
نحن لا نقول إن اعتناء الشخص بنفسه وبشكله ليس أمرًا ضروريًا، بل على العكس تمامًا. نحن فقط نعرض الحقائق، وما يمكن أن يكون السبب وراء الظاهرة التي نبحث في سببها الآن.
كاميرات التصوير
وأخيرًا وليس آخرًا تلعب الكاميرات هي الأخرى دورًا كبيرًا في الإجابة على سؤال اليوم. فمعظم الصور التي نراها لآبائنا وأجدادنا تُظهرهم بشكلٍ رمادي سيجبرنا على رؤيتهم كبارًا جدًا في السن، حتى وإن لم يكونوا كذلك. تلك "الحصوات" أو التشوهات التي نراها في الصور القديمة، فضلاً عن انخفاض جودة الصور، وكل هذه الأشياء تؤثر على حكمنا. ولا ننسى أن معظم الجيل الذي نتحدث عنه، والذي كان يبدو أكبر من عُمره الحقيقي، لم نرَ شخصًا منه على الحقيقية وكل معرفتنا به وصلتنا عن طريق الصور فقط.
وإن كان الطب قد تطور، فالتكنولوجيا قد غيّرت مفهومنا عن التطور؛ إذ أصبح بأيدينا الآن كاميرات وأدوات قادرة على تحويل حتى التشوهات الخلقية إلى مفاتن واضحة.