"يسرق انتباهنا لساعات".. ماذا تعرف عن تطبيق "تيك توك" المروّع على أدمغتنا؟
على الرغم من أن الفيديوهات القصيرة يُمكنها أن تختصر الكثير من المعلومات في وقت وجيز، فضلاً عن توفير وقت المتفرجين عليها بشكل واضح، فإنّ تأثيرها السلبي سيئ للغاية، بل يؤثر على الوظائف الدماغية لكل مُدمنٍ لها.
وحينما تُذكَر الفيديوهات القصيرة "الشورتس- Shorts"، فلا صوت يعلو فوق تطبيق أو برنامج "تيك توك- TikTok"، أو "ميوزكلي- music.ly" سابقًا؛ ذلك التطبيق الذي بدأ موجةً غيّرت صناعة المحتوى للأسوأ باتفاقِ العديد من خبراء المجال الرقمي. فمن بعد "تيك توك" وسيطرته على المشهد، قلّده فيسبوك، يوتيوب، إنستغرام، وكل المنصات تقريبًا أصبحت تعتمد بشكل كبير على المحتوى القصير.
ونظرًا لتداعيات هذا النوع من المحتوى -المحتوى القصير- التي يغفلها الكثيرون، قررنا أن نسلط الضوء على ما قد يفعله من أضرارٍ صحية، بالأخص في أدمغتنا، كما عزمنا على اتخاذ منصة "تيك توك" بالتحديد كعبرةٍ نستشهد بأثرها السلبي الذي يُقره العلم.
التصميم الإدماني هو رأس الفساد
لا شك أن جميع منصات وتطبيقات التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك ويوتيوب، بل مُعظَم التطبيقات عمومًا، مُصممة بشكل يهدف إلى جذب مستخدميها لأطول فترة ممكنة، ومع ذلك فكل التطبيقات في كفة، وتطبيق تيك توك في كفة أخرى تمامًا.
فتطبيق تيك توك قد أخذ مفهوم الإدمان إلى المالانهاية وما بعدها، حرفيًا؛ فمهما حاولت أن تصل إلى نهاية الفيديوهات التي يعرضها عن طريق التمرير scrolling، فلن تصل إلى نتيجة. خوارزميات هذه المنصة شيطانية، ومطوروه يلعبون على حيل ومناطق المكافأة في الدماغ عن طريق ما يُسمّى في علم النفس بـ "العزيز العشوائي- random reinforcement".
يخدع هذا المصطلح دماغ المتفرج المُدمِن، الذي شاهد تقريبًا كل أنواع الفيديوهات على تيك توك، ويوهمه بأنه سيرى شيئًا جديدًا هذه المرة -وهذا يحدث كثيرًا- إن استمر بالتمرير، فيفرز الدماغ جُرعات دوبامين عالية -تقل مع التعود- فيصبح متحفزًا ولا يتوقف حتى يرى ذلك الفيديو المضحك أو المثير للجدل الذي كان ينتظره.
يرى الباحثون أن هذه الظاهرة تؤثر على الدماغ، لا سيّما وإن كان لا يزال في مرحلة التكون، ما يعني أنك تخاطر بدماغ طفلك أو طفلتك إذا كانوا يستخدمون هذا التطبيق.
وعلى سيرة الأطفال، فإن بعض الدراسات تؤكد حدوث ضمور بدماغ الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 9-10 أعوام، والذين يستخدمون الهواتف المحمولة لمدة تزيد على السبع ساعات يوميًا. وإن كنت تعتقد أن السبع ساعات هذه رقمٌ مبالغ فيه وتحسب أن الأطفال لا يمكنهم قضاء كل هذا الوقت أمام شاشاتهم، فدعني أصدمك بأن المتوسط الآن أصبح من 4-6 ساعات للأطفال ما بين 8-12، بينما يصل عدد الساعات إلى 8 ساعات يوميًا للمراهقين، وذلك منذ بداية جائحة كورونا.
وأختتم حديثي في هذا الجزء قائلاً إن تصميم تيك توك الإدماني ينزع لدى مستخدميه الشعور بالرضا، بل يجعلهم ملهوفين للحصول على المتعة الفورية بدلاً من المنفعة المتأخرة، وهذا ما يُعرَف بـ "الإشباع المتأخر- delay gratification".
اقرأ أيضًا:آيفون 15 برو ماكس.. استعد لاكتشاف كاميرات احترافية منافسة بقوة
اِنتباهنا ينحدر بشكل غير مسبوق!
من شأن العدد اللانهائي من الفيديوهات التي تُوضَع أمامنا بواجهة "تيك توك" أن تسرق انتباهنا لساعات وساعات دون حتى أن ننتبه نحن لذلك، فكم من مرة قلنا لأنفسنا إننا سنقضي 10 دقائق فقط أمام هذه النوعية من التطبيقات، وفوجئنا بعد فوات الأوان أن ساعات قد مرت؟ يحدث هذا بشكلٍ رئيس ليس بسبب عدد الفيديوهات التي لا تنتهي، وإنما بسبب مُدة الفيديوهات نفسها.
تطبيق تيك توك مُكدَّسٌ بفيديوهات لا تتجاوز مدتها النصف دقيقة ثانية، بل حتى الـ 10 ثوانٍ وأحيانًا أقل، وهذا ما يجعلنا نُخدَع قائلين لأنفسها إننا في الوقت الذي كنا سنشاهد فيه مقطع فيديو "طويل" مدته 10 دقائق -وهذه المدة لم تكن طويلة قبل ظهور فيديوهات تيك توك-، يمكننا أن نشاهد عشرات الفيديوهات القصيرة فنحصل على متعة أكبر، وهنا نقع في الفخ!
هناك مُصطَلح يُسمى "مدى الانتباه- attention span"، وكما يتضح من مُسمّاه، فإنه يُعنَى بطول المُدة التي نستطيع فيها أن نحافظ على انتباهنا وتركيزنا أثناء تأديتنا لمهمة معينة. بحسب الدراسات والإحصائيات، فإن تطبيق "تيك توك" يؤثر على انتباهنا بشكل واضح فيجعلنا مشتتين وغير قادرين على إعطاء المهام المختلفة التركيز الذي تستحقه.
في فبراير 2022، نشرت شبكة "WIRED" تقريرًا ذكرت فيه أن 50% تقريبًا من مستخدمي "تيك توك" أقروا بأنهم أصبحوا غير قادرين على التركيز، وحتى أنهم قالوا إن مقاطع الفيديو الطويلة مُجهدة! ولاحظ أن ذلك كان منذ أكثر من عام ونصف العام، فما بالك بالوضع الراهن؟
التأثير على العلاقات الاجتماعية وزيادة معدلات القلق والتوتر
أثبتت جائحة كورونا بما لا يدع مجالاً للشك أن تطبيقات وسائل التواصل عمومًا، وتطبيق "تيك توك" على وجه التحديد، تؤثر على علاقاتنا الاجتماعية في العالم الحقيقي، وهذا نوع من أنواع التأثير على الدماغ بالمناسبة.
وكانت صحيفة "الجارديان" قد خصصت تقريرًا عن هذا الأمر ، وتحدثت فيه عن كيف أن الجائحة دفعت مختلف الأشخاص إلى مشاركة ما يمرون به من أزمات عبر هذه المنصة، وعلى الرغم من أن ذلك ليس شيئًا سيئًا، فإنه يدل على أن هذه النوعية من التطبيقات توفّر ملاذًا آمنًا يستطيع الأشخاص أن يلجأوا إليه بدلاً من اللجوء إلى الأشخاص الحقيقيين مما يؤثر على علاقاتنا الاجتماعية ويجعل المرء منا يلجأ إلى "تيك توك" بدلاً من صديقه أو أحد أفراد عائلته.
إضافة إلى التأثير على العلاقات الاجتماعية، بشكلٍ أو بآخر، ووفقًا لدراسة أُجريت على طلبة صينيين بالمرحلة الثانوية، فإن الباحثين وجدوا علاقة بين الاستخدام العادي لتطبيق "تيك توك" وبين زيادة معدلات القلق، التوتر، والاكتئاب.
ما الحل إذن؟
الحل بسيط، وجميعنا نعرفه، وهو التوقف الفوري عن مشاهدة هذا النوع من المحتوى القصير، وأقول التوقف الفوري لأن معظم المحاولات التي تهدف إلى مجرد الحد من مشاهدة هذا النوع من المحتوى عادةً ما تبوء بالفشل؛ ببساطة لأن الوقوع في فخِ مقطع واحد قصير يجر وراءه عشرات المقاطع المشابهة كما وضّحنا.
بالطبع هناك بعض الاستثناءات التي قد تكون مبررًا لمشاهدة الفيديوهات القصيرة، مثل أن يكون صاحب الفيديو هو شخصٌ مؤثر تثق بمحتواه، أو أن يكون موضوع المقطع مهمٌ، بل فارق حقًا بالنسبة لك. وبعيدًا عن فكرة الفيديوهات القصيرة بحد ذاتها، فإن فكرة أن يكون التطبيق بأكمله مُكرّسًا لهذا النوع من الفيديوهات فقط، فهذا أمر كارثي.
وإن كنت لن تستطيع أن تحذف أو أن تمتنع عن استخدام تطبيق "تيك توك" بشكلٍ مباشرٍ وفوري، فأضعف الإيمان أن تُقلل الاستخدام بشكل تدريجي، عُد إلى مشاهدة المقاطع الطويلة المفيدة، وعوّد نفسك ألّا تتنقل بين مقاطع الفيديو القصيرة حتى تحافظ على تركيزك مُتقدًا.