الفشل العضلي.. هل يكون البداية لبنائها؟
للوهلة الأولى قد تظن أن مصطلح الفشل العضلي "Muscular Failure" يعنى بإضرار العضلات وإتلافها، ولكن صدِّق أو لا تصدق، توجد الحقيقة على الجانب المُعاكس تمامًا؛ إذ يُعد الفشل العضلي طريقك الوحيد لبناء العضلات. فماذا يُقصَد بهذا المصطلح؟ وكيف يمكن أن يؤدي "فشل العضلات" إلى بنائها؟ كل هذا وأكثر سنعرفه الآن.
ماذا يُقصَد بـ "الفشل العضلي Muscular Failure"؟
يرتبط هذا المصطلح بتمارين المقاومة "Resistance training"، وهي نوعٌ من التمارين التي تُوضع العضلة فيها تحت مقاومة أو ضغط حتى تتطور. قد يكون هذا التطور في صورة ضخامة عضلية Muscle hypertrophy أو قوة عضلية Muscular Strength أو زيادة قوة التحمل Endurance.
وبعيدًا عن الهدف المنشود من تمارين المقاومة الذي يختلف من شخصٍ لآخر، فإن هذا النوع من التمارين مرتبط بشكل وثيق بالفشل العضلي، والذي يُعرَف باللحظة التي يكون فيها الجهاز العصبي العضلي غير قادر على تحريك الوزن فوق نقطة معينة من المفصل. وللتبسيط، دعونا نضرب مثالاً يعيشه الكثيرون من لاعبي كمال الأجسام يوميًا:
لنفترض أنك تقوم بتمرين الـ Biceps Curl الشهير لعضلة "البايسبس" بوزن ما، وليكن 10 كغم، وبعددِ تكرارات معين، وليكن 12 تكرارًا، ها أنت ذا تقوم بعدّاتك/ تكراراتك؛ 1، 2، إلى العدَّة الثانية عشرة، بكفاءة عالية وعلى أكمل وجه، ولكن عندما تحاول أن تبذل قصارى جهدك لتُنجز عدَّة إضافية "العدة الثالثة عشرة" وتفشل في رفع الوزن بالطريقة الصحيحة وتكون غير قادرٍ على تجاوز نقطة معينة من مفصل الكوع، هذا يُسمى فشلاً عضليًّا.
هل الفشل العضلي هو الإجهاد العضلي؟
يسعى لاعبو كمال الأجسام دائمًا إلى الوصول إلى الفشل العضلي أو الاقتراب منه "وسنتحدث عن هذا بالتفصيل لاحقًا"، بغض النظر عن هدفهم من التمرين كما أشرنا، وذلك لأنهم يعلمون جيدًا أنه وسيلتهم الوحيدة لبناء العضلات، كما يعلمون أيضًا أنهم بعد الوصول للفشل العضلي، سيستطيعون أن يستكملوا جلستهم التدريبية بعدما يعود مخزون الطاقة لديهم ATP بالتكون مرة أخرى، وذلك بعد حوالي 1-3 دقائق من الراحة، وهذه المدة تختلف من تمرين لآخر حسب شدته.
على الجانب الآخر، يحدث الإجهاد العضلي نتيجةً لعوامل كثيرة منها تراكم النفايات الأيضية Metabolic waste، وإنهاك العضلات لفترة طويلة من الوقت، فضلاً عن نفاد مخزون الطاقة والضعف الشديد في الوظائف العصبية العضلية.
في حالة حدوث الإجهاد، تكون العضلة قد وصلت إلى منتهاها ولا يكفي البتة أن ترييحها من 1-3 دقائق مثلما نفعل في حالة الفشل العضلي، بل يجب -على أقل تقدير- أن تستريح لما لا يقل عن 24 ساعة، وأن تشتمل وسائل الراحة على الحصول على نومٍ كافٍ وتغذية جيدة.
الجدير بالذكر أن الفشل العضلي يُمكنه أن يؤدي إلى الإجهاد العضلي إن لم تأخذ العضلة قسطها الكافي من الراحة، وهذا أمر لا جدال فيه، ومما لا جدال فيه أيضًا أن الفشل العضلي هو طريقك لبناء العضلات، وإليك التفاصيل.
اقرأ أيضًا:تمارين الانفصال العضلي.. أول الطريق نحو بناء القوة والجسد السليم
كيف تُبنى العضلات؟
جسدك ذكيّ كفاية ليتكيف مع المواقف اليومية التي تُعرضه لها؛ فإن كنت دائم التراخي، وغير معتادٍ على الأنشطة الحركية، فإن جسدك لن يحتاج إلى زيادة قوته أو حجمه العضلي لأنه لا يحتاجهما أساسًا، والعكس صحيح.
هذا هو المبدأ العام، والبديهي، الذي يمكنك أن تستنبط منه الجواب على سؤال "كيف تُبنى العضلات؟" ولكن كما عودناكم دائمًا، دعونا نُسلط الضوء على الطريقتين العلمية والعملية لمعرفة كيف تُبنى العضلات.
عندما تتأهب لتحدٍ ما تحتاج فيه إلى استخدام عضلاتك، وليكن رفع الأثقال، فإن دماغك يرسل إشارة للخلايا العصبية الحركية الموجودة بالعضلات ليجعلها تستجيب لهذا التحدي عن طريق الانقباض والانبساط. وكلما كان التحدي كبيرًا، زادت إشارات الدماغ وزاد احتشاد الخلايا الحركية لإعانتك على التحدي.
لتقريب الصورة، دعنا نضرب مثالاً حيًا آخر بوزن الـ 10 كغم الذي استعنّا به في الشرح أعلاه. إن كنت قادرًا على حمل هذا الوزن في تمرين الـ Biceps curl بسهولة شديدة ولعدد يصل إلى 12 تكرارًا، فإن لسان حال العضلة سيقول: "ممتاز، أنا أعمل بكفاءة شديدة ولا أحتاج إلى زيادة قوتي لحمل هذا الوزن، ومن ثم لن أنمو".
وهنا يأتي دور الفشل العضلي، حيث إنك عندما تزيد من الوزن، وليكن إلى 15 كغم على سبيل المثال، ستجد العضلة نفسَها أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الحد من عدد التكرارات "وهذا لن يزيد من الحجم العضلي بالضرورة" أو زيادة قوتها عندما توصّلها إلى الفشل العضلي، وبالتالي تتمكن من رفع هذا الوزن الجديد بكفاءة عالية وهذا ما نحتاج إليه.
إذ عندما تصل إلى الفشل العضلي، أو حتى تقترب منه، ستحدث تمزقات ميكروسكوبية الحجم في أنسجة العضلات، ولكي تلتئم مرةً أخرى، ستُفرِز الأنسجة الممزقة جزيئات التهابية تُعرَف بالسينوكينات Cytokines، والتي ستحث الجهاز المناعي بدورها لإصلاح الضرر، وهنا تأتي اللحظة الفارقة؛ حيث إنه كلما زاد حجم التمزق، زاد حجم البناء ومن ثم تكبر العضلة.
ولكن عليك أن تعرف شيئًا مهمًا للغاية؛ وهو أن التمزق الحادث في أنسجة العضلات لا يكفي وحده لزيادة حجمها بشكل ملحوظ، إذ تحتاج إلى العناصر الغذائية المهمة، وعلى رأسها البروتين، فضلاً عن الراحة والنوم وزيادة الحِمل التدريبي "استعن بمدرب الصالة الرياضية ليفيدك في هذا الشأن"، والتركيز على تمارين المقاومة للاستفادة القصوى.
وعلى ذكر تمارين المقاومة، يؤسفني أن أخبرك بأنك تحتاج إلى تحدي عضلاتك بشكل مستمر، لئلا تتقلص! نعم، مثلما تزيد العضلات من حجمها فيما يُعرف بعملية الـ Muscle hypertrophy استجابةً للتحديات التي تواجهها، فإنها تتقلص في الحجم كذلك إن تعودت على الراحة فيما يُعرف بالـ Muscle atrophy، وذلك لأنها تستهلك طاقةً في نهاية المطاف، وأجسادنا تحب الراحة!.
اقرأ أيضًا:جدول تمارين الكتف.. يمنحك عضلات قوية وشكلاً متناسقاً
هل أصل إلى الفشل العضلي أم أقترب منه؟
والآن بعدما عرفنا ما هو الفشل العضلي وأهميته في بناء العضلات، دعونا نطبقه في تمارين المقاومة، ونتحدى العضلة بالشكل الذي يؤدي إلى زيادة حجمها، وذلك بإيصالها إلى الفشل العضلي، أو بتقريبها منه.
نعم، يُمكنك الاقتراب من الفشل العضلي "بمقدار تكرار أو تكرارين" بأن تبني عضلات أكبر شريطةً أن تلتزم ببقية العوامل من تغذية وراحة وما إلى ذلك.
وعلى الرغم من الاختلافات الواضحة في هذه الجزئية، لكنّ الكثير من الأبحاث العلمية قد أثبتت أن الاقتراب من الفشل العضلي كافٍ، وأنك لا تحتاج إلى إجهاد العضلة بإيصالها لمرحلة الفشل، لا سيّما وإن كنت مبتدئًا في مجال كمال الأجسام.
ولأن حالة وأهداف متابعينا الأعزاء من التمرين تختلف من شخصٍ لآخر، فننصحكم أن تستشيروا المدرب الخاص بكم، أو أي مدرب عمومًا عن كيفية الوصول إلى الهدف العضلي حتى يختار لكم الوزن المناسب، ويخبركم بعدد التكرارات اللازمة والمناسبة لكم، ولكن بشكل عام، يجب أن تعرفوا أن طريقة اللعب الصحيحة، واتخاذ الاحتياطات اللازمة قبل وأثناء وبعد التمرين هي أهم شيء يجب أن تركزوا عليه.