متلازمة التعب المزمن.. عندما لا تكفيك الراحة أبدًا!
إجهادٌ مُستمر لشهورٍ متتابعة، ورغم النوم وإراحة الجسد، تشعر كأنَّك لم تنم، وكأنَّ التعب قد تلبَّس بك رغم فرارك منه، وإن أُضِيف إلى ذلك صعوبة التركيز، فثمّة متلازمة التعب المزمن؛ التي لم يُعرَف لها سببٌ واضحٌ بعد، والتي تتباين سبل علاجها بين علاجٍ نفسي ودوائي لتخفيف وطأة الأعراض.
ما هي متلازمة التعب المزمن؟
استدامة التعب والإجهاد أكثر من 6 أشهر، الذي لا يتحسَّن مع الراحة، ما يُصعِّب القيام بالأنشطة اليومية على الوجه المطلوب، كما تزداد وطأة التعب بعد الانخراط في نشاطٍ بدنيٍ أو ذهني.
ينفرد كل إنسانٍ بمجموعة من الأعراض الخاصّة بمتلازمة التعب المزمن؛ إذ يندر أن يُعانِي اثنان الأعراض نفسها كلها.
أعراض متلازمة التعب المزمن
في عام 2015، أثبتت الأكاديمية الوطنية للطب أنَّ التعب، التوعّك التالي للجهد، واضطرابات النوم، لا بُدّ من وجودها معًا لتشخيص متلازمة التعب المزمن.
هذا بالإضافة إلى ضبابية الدماغ "سيأتي الحديث عنها"، أو تفاقم الأعراض مع الانتصاب قائمًا، وفيما يلي تفصيل أعراض هذه المتلازمة:
1- الإرهاق وتراجع النشاط
المعاناة من تعبٍ لم يسبق الإصابة بمثله من الأعراض الرئيسة؛ إذ لا يقدر المرء على أداء أنشطته المعتادة في العمل، والمدرسة، والمنزل، أو حتى في الحياة الاجتماعية، كما أنَّ هذا التعب قد يكون شديدًا.
ومِمَّا يُميِّز الإرهاق المُصاحب لمتلازمة التعب المزمن عن غيره ما يلي:
- عدم زوال التعب رغم الراحة أو النوم.
- وجود التعب رغم عدم القيام بنشاطٍ بدني شاق.
- تراجع القدرة على أداء الأنشطة بطريقة طبيعية في أغلب الحالات.
- استمرار ذلك التعب وضعف الأداء لمدة 6 أشهر على الأقل.
2- توعّك تالٍ للجهد
التوعّك الذي يتبع النشاط البدني أو الذهني، الذي لم يكن يُتعِب المرء من قبل لهذه الدرجة من دلائل متلازمة التعب المزمن.
قد تكون نوبة التوعّك طفيفة مع إجهادٍ، وألمٍ، وضبابية الدماغ، أو قد تُصبِح شديدة مُعِيقة تمامًا للمرء عن إتيان مهامه.
ينجم هذا التوعك أحيانًا عن القيام بممارسات بدنية طفيفة غير شاقة؛ كالذهاب إلى محل الخضراوات، أو الاستحمام.
توضيح: التوعك أو الوعكة الصحية إحساس عام ينتاب المرء بعدم الراحة أو المرض والشعور بالضعف، أو إيجازًا الشعور بأنك لست على ما يُرام.
3- مشكلات النوم
النوم غير المنعش "الذي لا يُجدِّد نشاط الإنسان" من أهم علامات متلازمة التعب المزمن؛ إذ يستيقظ الإنسان شاعرًا أنَّه لم ينم، مهما طالت مدة نومه.
ليس هذا فحسب، بل قد يُعانِي بعض الناس الأرق وصعوبة الدخول في النوم، أو البقاء نائمًا فترة معقولة من الزمان.
اقرأ أيضًا:هل يُعالِج الصيام متلازمة الأيض؟
4- ضعف الإدراك "ضبابية الدماغ"
تُشاهَد مشكلات الذاكرة والتفكير جليّة في ظلّ هيمنة متلازمة التعب المزمن على حياة الإنسان، ويُعرَف ذلك بـ "ضبابية الدماغ"، ويظنّ الخبراء أنّ ثمّة بطء في معالجة المعلومات أدَّى إلى هذا العَرَض.
تتراوح أعراض ضبابية الدماغ بين الخِفَّة والشِدَّة، كما قد تتباين من يومٍ لآخر، ومن أهم أعراضها عمومًا ما يلي:
- مشكلات التركيز أو الذاكرة قصيرة الأمد، مثل نسيان ما كُنتَ تفعله، أو عدم القدرة على تذكُّر ما سمعتَه أو قرأتَه.
- مشكلات استخدام الكلمات وتذكُّرها، ومن ذلك صعوبة العثور على كلماتٍ مناسبةٍ للمقام الذي أنتَ فيه، أو تعذُّر تذكُّر أسماء الأشياء أو الناس.
- تراجع القدرة الحسابية والتعامل مع الأرقام، فقد يجد البعض صعوبةً في حساب الأرقام، أو تذكُّر تسلسل الأرقام والتواريخ.
- صعوبة القيام بمهامٍ مُتعدِّدة، والتي لم يكن يُعانِي منها المرء سابقًا.
5- عدم تحمُّل الوقوف
تزداد وطأة أعراض متلازمة التعب المزمن حال الوقوف، أو الجلوس في وضعٍ مستقيم، ومِنْ ثَمَّ يُعانِي بعض الناس دوارًا، أو ضعفًا.
6- الألم
ليس الألم عرَضًا تشخيصيًّا، لكنَّه شائعٌ بين مُصابِي متلازمة التعب المزمن؛ إذ قد يشعر بعض الناس بآلام العضلات والمفاصل، أو نشوء صداعٍ جديدٍ، أو تفاقم صداعٍ مُسبَق، وأيًّا كان نوع الألم ومصدره فهو غير ناجمٍ عن إصابة ما.
وفيما يلي قائمة بأهم أنواع الآلام والأحاسيس التي أوردها مُصابو المتلازمة:
- فرط التألم، وهو يعني أنَّ الألم أشدّ مما يُفترَض أن يكون عليه.
- صداعٌ جديد، أو تفاقم صداع قديم.
- تيبّس الجسم في الصباح.
- ألم الأذن.
- تنميل، وخز، أو الشعور بحرقة في الوجه أو الأطراف.
- آلام الصدر.
اقرأ أيضًا:ما هي متلازمة انحشار الكتف وما أهم أعراضها؟
7- أعراض شبيهة بالإنفلونزا
ينتاب البعض شعورٌ بالمرض كل الوقت، أو تتكرَّر بعض الأعراض لديهم بصفة دورية، والأعراض الشبيهة بالأنفلونزا شائعة، لكنَّها لا تقتحم حياة كل مصابي المُتلازمة، كما أنَّها ليست ضرورية للتشخيص، وقد تتضمَّن هذه الأعراض:
- احتقان الحلق.
- الشعور بألمٍ عند لمس الغدد الليمفاوية، وتورّمها.
- الحمى الخفيفة.
- السُّعال المزمن.
- الغثيان أو مشكلات الهضم.
أسباب متلازمة التعب المزمن
لم يُكتشَف بعدُ السبب المباشر لمتلازمة التعب المزمن، ولا يزال الباحثون يتقصُّون الأسباب المُرتبطة بهذه المتلازمة، والتي قد تتضمَّن ما يلي:
1- العدوى
تبرز أعراض متلازمة التعب المزمن لدى بعض الناس عقب عدوى بكتيرية أو فيروسية، لكنّ هذا ليس عامًا في كل المُصابِين بتلك المتلازمة، بل قد تحدث دون أن تسبقها عدوى كذلك.
2- اختلافات جهاز المناعة
رصد الباحثون اختلافات في قدر ووظائف بعض الخلايا المناعية لدى مُصابِي متلازمة التعب المزمن، ومِنْ ثَمَّ فقد يكون الاختلاف الطارئ على مناعة الإنسان سببًا للمتلازمة.
3- الجينات
تزداد فرص الإصابة بمتلازمة التعب المزمن مع سبق إصابة أحد الأقارب بها، فقد كشفت دراساتٌ ارتباط بعض الاختلافات الجينية بهذه المتلازمة.
4- الحرمان من النوم
دراساتٌ محدودة تلك التي ربطت بين الحرمان من النوم ومتلازمة التعب المزمن، فقد اقتُرح أنَّ مُصابِي المتلازمة ينامون زمنًا أقل، ومِنْ ثَمَّ يمرّون بمرحلة نوم حركة العين السريعة فترة قصيرة، مقارنةً بغيرهم مِمَّن لا يُعانُون اضطرابًا، لكن لا تزال هناك حاجةٌ إلى مزيدٍ من الأبحاث؛ لتأكيد ارتباط النوم بالمتلازمة.
اقرأ أيضًا:أسباب وأعراض متلازمة توريت وأبرز المشاهير المصابين بها
سبل علاج متلازمة التعب المزمن
للأسف لا يتوفَّر علاج حاسم لتلك المتلازمة، لكن يُلاحِظ جلُّ الناس تحسّنًا بارزًا مع انخراطهم في السبل العلاجية المُتاحة، والتي تسعى إلى دفع ما يُمكِن دفعه من أعراض المتلازمة، خاصةً مع التشخيص المُبكِّر لها، ومِنْ هذه السبل:
1- العلاج المعرفي السلوكي
يُؤكِّد المُعالِج دور عملية التفكير وتأثيرها في أفعال الإنسان ومشاعره، كما يرصد السلوكيات التي تُفاقِم التعب لدى المريض، ويُقلِّلها.
وأظهرت عديد التجارب نجاح العلاج المعرفي السلوكي في التغلّب على الإجهاد، التقلّبات المزاجية، وكذلك التوعّك التالي للجهد لدى البالغين والمراهقين على حدٍ سواء.
2- العلاج بالتمارين الرياضية التدريجية
يُركِّز ذلك النمط من العلاج على زيادة زمن وشِدّة النشاط البدني تدريجيًّا، وقد أظهر فعّالية في مجابهة التعب، لكن بشرط عدم الإفراط في ممارسة التمارين الرياضية أو إنهاك الجسم بشِدّة.
ويُعدّ العلاج المعرفي السلوكي وكذلك العلاج بالتمارين الرياضية المُتدرِّجة خيارات علاجية مُساعِدة غير حاسمة أو شافية.
3- إدارة النشاط
تهدف إدارة النشاط إلى تعويد الإنسان على الموازنة بين الراحة والنشاط؛ لتجنّب التعب الناجم عن المجهود الذي يعجز المرء عن احتماله.
4- النوم النظيف
ربَّما ينبغي الشروع في عادات جديدة للنوم قبل تجربة أي دواءٍ أو نمط علاجي آخر، مثل:
- النوم والاستيقاظ في موعدٍ ثابتٍ كل يوم.
- عدم القيلولة لأكثر من 30 دقيقة إجمالًا خلال اليوم.
- تجنّب الأجهزة الإلكترونية تمامًا بينما تتجهَّز للنوم في السرير.
- عدم تناول وجبات كبيرة قبل موعد النوم، وتجنُّب الكافيين كذلك.
5- الأدوية
لا يُوجَد دواءٌ لعلاج متلازمة التعب المزمن، وإنَّما غايتها تخفيف الأعراض المُصاحبة لها، ومن أهم هذه الأدوية:
- المُسكِّنات؛ لتخفيف الألم.
- مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات، مثل أميتريبتلين؛ إذ تساعد في تخفيف الإجهاد، تسكين الألم، وتحسين النوم.
- مُثبِّطات استرداد السيروتونين الانتقائية، مثل فلوكسيتين، وهي تُستخدَم أساسًا لعلاج القلق والاكتئاب؛ اللذان قد يصحبان متلازمة التعب المزمن.
- مضادات الفيروسات، حال وجود عدوى فيروسية.
- الغلوبيولينات المناعية؛ لتعزيز الجهاز المناعي، لكن لها مخاطر وليست مؤكدة في العلاج.
- الكورتيكوستيرويد، على خوفٍ من استخدامها لآثارها الجانبية العديدة.