هل تؤثر أمراض القلب على الأغنياء بشكل مختلف عن الفقراء؟
وُسمت أمراض القلب بأنَّها أمراض الأثرياء، وهذا ليس صحيحًا على إطلاقه؛ إذ في الخمسين سنة الأخيرة، تزايدت مُعدّلات الوفاة جراء أمراض القلب في البلدان النامية ذات الدخل المنخفض إلى المتوسط، ومِمَّا ساعد على ذلك النظام الغذائي غير الصحي، بالإضافة إلى قلة النشاط البدني المُمارَس، فهل يُؤثِّر الدخل الاقتصادي على أمراض القلب؟
نبذة عن أمراض القلب
تُعدّ أمراض القلب من المشكلات الناجمة عن نمط المعيشة، أو مجموع عوامل تتعلَّق بالممارسات اليومية كقلة ممارسة التمارين الرياضية، تناول طعامٍ غير صحي، والتدخين، وقد عُرفت أمراض القلب بأنَّها أمراض الثراء.
فمنذ الثورة الصناعية والتكنولوجية، تغيَّرت سبل المعيشة، والعمل، وحتى اللعب، فما عاد الناس بحاجةٍ إلى المشي كثيرًا، وزادت الوظائف المكتبية التي يصحبها جلوس لفتراتٍ طويلة، كما تغيَّرت الأنظمة الغذائية، وبرزت الوجبات السريعة على السطح، ما ساهم في زيادة تناول الأطعمة الفقيرة بالعناصر الغذائية المطلوبة.
مجموع هذه العوامل لا بُدّ أن يُسبِّب أمراض القلب والأوعية الدموية، مثل انسداد الشرايين، ارتفاع ضغط الدم، السكتات الدماغية، النوبات القلبية، وغيرها.
بينما في الدول النامية، فإنَّ الأفراد عادةً ينشطون في الأعمال اليدوية، ولا تتوفَّر لديهم النفقات اللازمة للحصول على الوجبات السريعة مثلًا.
وكان من المُفترض أن تتراجع الأضرار الصحية مع التطور التكنولوجي، لكن على صعيد البلدان النامية، زادت فرص الإصابة بالعدوى وسوء التغذية، أمَّا في الأمم الغنية، فتجابهها حرب تجاه أمراض القلب، السكري، والسمنة.
ومؤخرًا، أشارت البيانات والتقارير إلى أنَّ أمراض القلب لم تعد محصورة بين الأغنياء فقط.
أمراض القلب والدخل الاقتصادي
انخفضت مُعدّلات الوفاة بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية منذ عام 1970 بنسبةٍ تتراوح بين 40 - 80% في الأمم الثرية (لكن ظلت أمراض القلب هي السبب رقم 1 للوفاة فيها رغم ذلك)، ولكن الحال ليس كذلك لدى البلدان النامية، والتي سارت في الاتجاه العكسي.
ففي عام 2019، مات نحو 17.9 مليون إنسان حول العالم؛ نتيجة أمراض القلب والأوعية الدموية، وأكثر من ثلاثة أرباع الوفيات، كانت في الدول ذات الدخل المنخفض إلى المتوسط (أي أكثر من 13 مليون إنسان).
ولذا فمؤخرًا، لم يعد الخوف مبررًا في الدول النامية من أمراض العدوى؛ إذ أكثر من 40% من مُعدّلات الوفاة في الدول ذات الدخل المنخفض كانت مرتبطة بأمراض القلب والأوعية الدموية، أمَّا الدول الثرية أو ذات الدخل المرتفع، لم تتجاوز لديهم النسبة 30%.
وقد وجد الباحثون أيضًا أنَّ أعلى الأمم في معدلات الوفاة بأمراض القلب، هي الصين، الهند، روسيا، الولايات المتحدة الأمريكية، وإندونيسيا على الترتيب، بينما كانت المُعدّلات في أدنى مستوياتها في دولٍ كفرنسا، بيرو، واليابان.
الأكثر عرضة لأمراض القلب في الأمم ذات الدخل المنخفض
يبدو أنَّ الشباب هم الأكثر عُرضةً للإصابة بأمراض القلب في الأمم ذات الدخل المنخفض، فإنَّ نصف الوفيات المرتبطة باضطرابات القلب والأوعية الدموية في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، كانت أعمارهم بين 30 - 69 عامًا؛ أي قبل حوالي عشر سنوات من مُعدَّلات أعمار الوفيات بسبب أمراض القلب في الأمم الغنية.
كذلك، وجد باحثون آخرون أنَّ متوسط أعمار المُصابين بالنوبة القلبية في جنوب آسيا، كانت 52 عامًا، أي أقل من متوسط الأعمار في أوروبا وأمريكا الشمالية؛ إذ يتراوح هناك بين 60 - 65 عامًا.
اقرأ أيضًا: فوائد الكرز المتعددة.. يقي من فقر الدم ويعالج أمراض القلب
هل تُصِيب أمراض القلب الأغنياء فقط؟
يُوجَد تفاوت في الثروات داخل البلدان النامية، لكنَّ الفقراء أكثر عُرضةً لمضاعفات أمراض القلب والأوعية الدموية، مقارنةً بالأغنياء؛ إذ أظهر تقرير عام 2020 أنَّ مُعدّلات الوفاة لسكان المناطق الريفية في الصين، كانت أعلى باستمرار منها في المناطق الحضرية بين عامي 2006 - 2016.
ومنذ عام 2016، تجاوز معدل الوفيات بسبب النوبة القلبية في المناطق الريفية (74.72/100,000) المُعدّل في المناطق الحضرية (58.69/100,000) في الدولة نفسها.
الأثر الاقتصادي لأمراض القلب
الأثر الاقتصادي غير المباشر لأمراض القلب في البلدان النامية له آثار مدمرة؛ إذ فقدت الدول ذات الدخل المنخفض نحو 3.7 تريليون دولار بين عام 2011 - 2015، وهو ما يُمثِّل 2% من إجمالي الناتج المحلي بين كل هذه الأمم مجتمعة.
ويُقدَّر أن تفقد الهند 2.4 تريليون دولار، والصين 8.8 تريليون دولار بين عام 2012 - 2030؛ لأنَّ تكلفة علاج أمراض القلب والأوعية الدموية مرتفعة.
فقد قدَّر الباحثون التكلفة الإجمالية لعلاج مريض بأمراض القلب التاجية في الدول ذات الدخل المنخفض أو المتوسط، بما يقرب من 27.83 ضعف إجمالي الإنفاق الصحي للفرد الواحد.
لماذا تزداد مخاطر الإصابة بأمراض القلب في البلدان النامية؟
تزداد فرص الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية في البلدان ذات الدخل المنخفض إلى المتوسط؛ بسبب تقدُّم الرعاية الصحية، وزيادة مُتوسِّط العُمر المُتوقَّع.
فعندما يعيش الناس بعد بلوغهم 50 عامًا من العمر، تبدأ مُعدّلات الوفاة الناجمة عن الأمراض غير المعدية (كأمراض القلب) في تجاوز الوفيات الناجمة عن العدوى وسوء التغذية.
لكن هذا ليس كل شيء، فمثل ما نراه في الأمم الغنية فيما يتعلق بنمط المعيشة، موجود في الأمم غير الغنية، بما يُسهِم في الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية أيضًا.
أثر التغذية في أمراض القلب
ثلثي حالات الوفاة الناجمة عن أمراض القلب والأوعية الدموية، سببها الرئيس اختيارات غذائية مُعيَّنة، فالدول النامية سارت على نفس منوال الدول المُتقدِّمة؛ إذ توفَّرت الحميات الغذائية غير الصحية، والتي تمتلئ بالدهون، الأملاح، والسكريات.
لكن التغيُّرات التي حدثت في الأمم الغربية عبر 100 - 200 سنة، تحدث في غضون عقدين من الزمن مع الدول ذات الدخل المنخفض إلى المتوسط.
تُمثِّل الأطعمة الغنية بالدهون المشبعة عامل خطر رئيس في:
- شمال إفريقيا.
- الشرق الأوسط.
- جنوب شرق آسيا.
وعادةً ما يبدأ الانتقال إلى هذا الطعام غير الصحي بزيادة تناول زيوت الطهي المُهدرجة جزئيًّا قبل الانتقال إلى الدهون الحيوانية كاللحوم أو الحليب.
اقرأ أيضًا: ما هي أشهر فوائد الكرفس؟ تعرف على فوائده للضغط والقلب
لماذا قد يُسبِّب انخفاض الدخل الاقتصادي أمراض القلب؟
مع أنَّ بعض البلدان ذات دخلٍ منخفض أو متوسط، فإنَّ الأطعمة غير الصحية المُتوفِّرة بها ذات ثمنٍ أقل، وتُشعِر بالشبع فترةً أطول، ما يجعلها الخيار المُفضَّل لأهلها كون الدخل منخفضًا، وذلك يعني زيادة فرص الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
ففي بعض هذه البلدان، قد تبلغ تكلفة الأطعمة الغنية بالعناصر الغذائية (كاللبن أو البيض) 10 أضعاف السلع الأساسية، كما صارت رقائق البطاطس بخسة الثمن مقارنةً بالطعام الصحي في بلدان كالصين، الهند، وشرق آسيا.
وقد أظهرت الأبحاث أنَّ الأشخاص الذين يعيشون في فقرٍ مُدقع خلال أول سنتين من حياتهم، لكنهم انتقلوا إلى أماكنٍ أخرى لزيادة الدخل، كانوا أكثر عُرضةً لزيادة الوزن مع تقدُّمهم في السن، ومِنْ ثَمَّ فهم مُعرَّضون لأمراضٍ مزمنة على رأسها أمراض القلب.
كذلك، يُعانِي العالم النامي من انخفاض النشاط البدني، مقارنةً بالأمم الغنية، لكن ذلك قد يختلف بين المناطق اختلافًا واسعًا؛ إذ 17% مِمَّن يعيشون في جنوب شرق آسيا غير نشيطين بدنيًّا، بينما في الأمريكتين وشرق البحر المتوسط تبلغ هذه النسبة 43%.
وعمومًا مع زيادة التحضُّر، تشهد كثير من البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط اتجاهًا نحو العمل المستقر والنقل الآلي، وقد بيَّنت دراسةٌ أنَّ كثرة استخدام الأجهزة المنزلية (كالتليفزيون والحاسوب) مُرتبط بالإصابة بالسمنة في هذه البلدان، مقارنةً بذوي الدخل المرتفع ابتداءً.