"جواهرجي" الأفكار.. كيف تقتنص أفضل فرص الاستثمار في ريادة الأعمال؟
رواد الأعمال لديهم هواية أساسية وهي الصيد، يصطادون رجال الأعمال والمديرين التنفيذيين عبر أفكارهم الابتكارية البديعة، ويطلبون منهم تمويلاً مع وعود كبيرة بأرباح مليونية ومليارية أحيانًا.
يقع بعض رجال الأعمال في فخ الأفكار البرّاقة والشركات الصغيرة اللامعة. قد يدهشك رائد الأعمال، وربما تغريك فكرته للاستثمار بها ودفع الكثير من الأموال، وخسارتها في بعض الأحيان، لا لشيء إلا أن الفكرة جذبتك، لكن اختيار الأفكار والمشروعات الصالحة للتمويل، التي تملك حاضرًا ومستقبلاً كبيرين عملية كبرى محفوفة بالمخاطر، فبقرار بسيط قد تجلب مليارات إلى محفظتك الاستثمارية، وبكلمة أخرى قد تخسر ملايين.
فلا تتعجّل، وإذا كنت على وشك دفع الأموال في جولة استثمارية جديدة، فخذ نفسًا عميقًا، واتّبع الحيل التالية حتى تصبح صاحب القرار الذي يحقق الأرباح دائمًا، وليس الفريسة التي استسلمت لصيادها.
الفكرة "العاجلة" التي لا يتوقعها السوق
لا يبحث رجل الأعمال الذي يستثمر في الأفكار الريادية عن أفضل فكرة، وأكثرها إدهاشًا أو إبداعًا، إنما يضع يديه على الفكرة التي يريدها سوق العمل ويحتاج إليها المجتمع والزبائن، سواء كانت فكرة أو منتجًا يحل مشكلة ملحة لدى الزبائن أو لدى مجموعة من الناس – أو الشركات - تملك القدرة الشرائية التي تحقق الربح.
الفكرة الريادية التي تتوافر بها تلك الصفات، تحصدُ أكبر قدر من الدعم والتمويل من جانب الممولين ورجال الأعمال، وربما تكون هي الأفضل في مجتمع، والأسوأ في مجتمع أو بلدٍ آخر.
وحين تجلس على مقعد صائد الأفكار الريادية، يجب أن تتأكّد أن المنتجات والخدمات البديلة للفكرة التي تنوي الاستثمار بها تحقق عمليات شراء متكررة، فضلاً على أن تكون فكرتك تضفي بعدًا آخر لاحتياجات المستهلكين، أو تمنحهم ميزة تنافسية تجعلُ الفكرة قابلةً للفوز في معركة المبيعات، كما أنها تجبر المستهلكين على الاستمرار في شرائها أو الاستفادة منها، فأن تستثمر في شركة صغيرة لتنظيف أحواض السباحة، أفضل كثيرًا من الاستثمار في شركة لبنائها.
هل يكفي أن تقدم الفكرة حلاًّ لمشكلة للاستثمار بها؟
بالطبع لا، لن يدفع الناس مقابل الحل الذي تقدمه، إنما للحل الذي ينهي مشكلات يومية مُلحّة، وقد منح مايكل سكوك، خبير تطوير المنتجات بجامعة هارفارد، الأفكار عدة تصنيفات وهي "غير عملي، لا مفر منه، عاجل".
الأفكار التي تستحقُ الاستثمار فيها هي العاجلة، التي لا يقدر السوق على الاستغناء عنها أو العيش دون حلها، ومن ثم سيعدّها "أولوية قصوى".
العامل الثاني هو أن تكون المنتجات أو الخدمات المنافسة أقلّ كفاءة بفارق واضح، حتى تتمكّن السلعة التي تستثمرُ بها من الظهور والانتشار وتحقيق مبيعات، أما الثالث فهو "نمو السوق". يجب أن يتّسم السوق بالنمو المنتظم على مدار السنوات الماضية، كما أنه في الوقت الراهن مثير للاهتمام ومستقر وقابل للنمو.
اقرأ أيضًا: ما هي النظرية الكلاسيكية في الإدارة ؟
"المدير الجيد" أفضل من الفكرة اللامعة
الشباب الذين يتّجهون إلى ريادة الأعمال، ودراسة الأسواق، وابتكار الأفكار الريادية وحلول مشكلات المجتمع مدهشون، وبعضهم لديه قدر كبير من النرجسية، فلا يدفعك الإعجاب بأحدهم إلى الاستثمار في فكرته.
هناك صفات أخرى تدفعك إلى الاستثمار في الفكرة بناءً على تألُّق صاحبها، وأبرزها أن يكون لاعبًا جماعيًّا، وليس متمحورًا حول ذاته، وذا خبرة كبيرة في المجال الذي يريد أن يؤسس ويدير عملًا به، فمن لم يكن "صبيًّا" في مهنته عمل بقطاع مماثل طويلًا فلن يكون قائدًا ناجحًا.
قد يكون هذا القائد الصغير عبقريًّا، لكن ولعه بذاته وشغفه بنجاحه وأفكاره ومسيرته المهنية، أكثر من شغفه بمشروعه ورغبته في إنجاحه، وهذه "شارات حمراء" لا يوصى بالاقتراب منها، كما لا يوصى بتبنّي مشروع يقع في أسر صاحبه، بينما لا يمنح معاونيه صلاحيات واضحة ويؤمن بهم.
الفكرة الواعدة والمبتكرة غير كافية، وحين يطلب منك أحدهم تمويلاً، لا تتردّد عن سؤاله: من هم فريقك؟ ومن هم مستشاروك؟.. ومن خلالهم، يمكن أن تقرر.
من الأفضل أن يتكوّن المشروع، الذي تستثمر به، من فريق واضح، يضم أفرادًا على قدرٍ ملائم من الخبرة والموهبة والمهارة، ويعرف كل منهم دوره ويؤديه تمامًا، دون احتكار لكل الأدوار من جانب صاحب الفكرة الأصلي ومدير المشروع. إذا كان الأمرُ كذلك، فلا يشير ذلك إلى عيب بالفكرة، إنما إلى خطأ في تنفيذها وخطة عملها، وشكوك حول نجاحها واستمراريتها في المستقبل.
اقرأ أيضًا: 4 كتب لإدارة المشاريع بكفاءة
المشروع "العالمي" كلمة السر
حين يقع اختيارك على فكرة ريادية للاستثمار، ابدأ بالنهاية. هل تتخيّلها فكرة عالمية تنافس في بورصة "نازداك" أم يتوقف خيالك تجاهها عند النجاح محليًّا؟
الفكرة يجب أن تكون عالمية في مرحلة ما، أو قابلة للتطور إلى مشروع دولي، ينطلق من عدة عواصم بعدما تثبت نجاحها على المستوى المحلي، فقابلية المشروع للتوسع والتطور والاستدامة أحد المعايير الأساسية لاختياره وتمويله، ولتحديد ذلك يمكن طرح عدة أسئلة: هل تنبع من الفكرة منتجات أو خدمات جديدة؟ هل تسعى شركات أخرى للشراكة معه للتوسع والنمو؟.. إذا كانت الإجابة بـ"نعم"، فالرهان لا غنى عنه في هذه الحالة.
إذا كنت خبيرًا في مجال ما، تملك شركة كبرى لتطوير الهواتف على سبيل المثال، يمكن أن تستثمر في مشروع ناشئ يعمل بالمجال نفسه، لتخوضَ مغامرات بحرية أكبر من خلالها، ربما لا تربح مثل تلك الشركات، لكن قدرتها على الإبداع والابتكار والعمل خارج السياق الروتيني لشركتك الأولى، ستصبّ في صالحك كمستثمر في النهاية. هكذا فعلت "أبل" و"ميكروسوفت" كي تطوّر منتجاتها؛ أنشأت شركات صغرى تحت ذراعها، وأتت بمجموعات من المحترفين الصغار المتحمّسين، لتحافظ على مجدها بأفكار ومنتجات طازجة لن تأتي من فريقِها الأساسي.
رجل الأعمال المتخصص بمجال محدّد، يجدرُ به أن يتبنّى فكرة ابتكارية في مجاله ويموّلها، فذلك يحافظ له على حيويته، كما يساعد الفكرة، إذا كانت مبشّرة حقًّا، على أن تتقدم نحو العالمية، فعامل الخبرة حين يجتمع بالحماس والابتكار في مشروعٍ ناشئ واحد، قد يحدث الكثير. والأثرياء التقليديون في مجال الأعمال بحاجة لتلك المشروعات "الصغيرة" التي ربما تحملهم إلى المستقبل، أو ترفع أسماءهم إلى آفاق لم يتوقعوها يومًا.
قدرة الفكرة على تحقيق استثمار على المدى الطويل يمنحها أفضلية وميزة تنافسية أيضًا، فإذا كانت الصناعة، بشكل عام، تنمو بانتظام وتحقق أرباحًا مستدامة في مشروعات أخرى وتتطوّر ولديها القابلية المستمرة للتطور بسبب تطور احتياجات ورغبات الزبائن، يمكن أن تضخّ بها بعض أموالك، لأن تلك الأمور تستحق. المشروعات "ذات الربح طويل المدى" من المهم أن يضمّها رجل الأعمال لمحفظته، وإن لم تحقق جدواها سريعًا.