بورشه.. رواية الأحلام الميكانيكية من استشارات السيارات للطرازات الفاخرة
خلال عام 1931 وبالتعاون مع أدولف روزبرغر وأنطون بيش، أسس فرديناند بورشه شركة هندسية حملت تسمية "بورشه جي أم بي أتش".
في البداية، عملت الشركة التي اتخذت لنفسها مكاتب في وسط مدينة شتوتغارت الألمانية في مجال تطوير السيارات، وتقديم الاستشارات لشركات سيارات أخرى، دون إنتاج أي مركبة تحمل اسمها.
ولعل أحد أول وأهم المشاريع التي عملت عليها الشركة -آنذاك- كان بتكليف من الحكومة الألمانية، بهدف تصميم وإنتاج سيارة بتكلفة اقتصادية، لتناسب عامة الشعب، هذه السيارة هي طبعًا "فولكس فاغن بيتل" التي تعني تسميتها الأولى (فولكس فاغن) بالعربية حرفيًّا عبارة "سيارة الشعب".
وهنا لا داعي لذكر أنّ هذه السيارة أصبحت أنجح سيارة في التاريخ بفضل عدد مبيعاتها.
ومن أبرز عوامل نجاح "فولكس فاغن بيتل"، إضافة إلى هندستها البسيطة وتكلفتها المنخفضة سواء بالسعر أو تكلفة تشغيلها، هو أنها كانت تتمتع باعتمادية عالية وأعطال قليلة جدًّا، الأمر الذي شجع بورشه لاستخدام العديد من مكوناتها المتواضعة في سيارة رياضية غير متواضعة، هي "بورشه 64"، التي تُعتبر في نظر الكثيرين، أول الغيث في تاريخ بورشه العريق، بفضل قدراتها العالية وتصميمها الذكي، الذي أتى كنتيجة لاختبارات النفق الهوائي، الأمر الذي يفسر خطوطها الانسيابية الجامعة بين الأناقة والإثارة.
وبسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية، لم تبصر "بورشه 64" النور بالشكل الصحيح، إذ أُنتجت ثلاث نسخ منها فقط، دُمّرت الأولى مع بداية الحرب، واحتفظت العائلة بالنسختين الأخريين.
أول سيارة تحمل تسمية بورشه
ومع نهاية الحرب، وفيما كان فرديناند منشغلاً بترتيب وضعه مع السلطات الألمانية، قرر الابن فيري بورشه إنتاج سيارة خاصة تحمل اسم العائلة، كونه لم يجد سيارة أخرى تنال إعجابه بين السيارات المتوفرة آنذاك.
هكذا خرجت "بورشه 356" إلى النور، التي تُعتبر الوالدة الروحية للأسطورة "911"، خصوصًا أنها أتت بما يمكن اعتباره الصيغة الرياضية لهندسة فولكس فاغن بيتل، أي محرك مثبّت في الخلف يدفع العجلات الخلفية، وخطوط خارجية تحاكي شكل الضفدعة لكن بصيغة رياضية مثيرة، تتناقد مع المفهوم السلبي السائد عند وصف أي شيء بأنه يشبه الضفدعة.
استمرت الابتكارات الهندسية والتحسينات على السيارة خلال سنوات إنتاجها، ما أسهم في نجاحها وشعبيتها في عالم صناعة السيارات الرياضية.
استمر الإنتاج حتى عام 1965، أي بعد ظهور الطراز البديل 911 في سبتمبر من عام 1964.
911 أسطورة الأساطير في عالم السيارات الرياضية
تمامًا، كما تتمتع فولكس فاغن بيتل التي صمّمها فرديناند بورشه بمكانة مميزة في عالم السيارات الاقتصادية، حظيت "بورشه 911" بنفس المكانة ولكن في عالم السيارات الرياضية عالية الأداء.
لا بل أكثر من ذلك، فإنّ 911 تشكل بنفسها وكطراز واحد لا مثيل له، فئة خاصة بها لا تتشابه مع أي فئة من فئات السيارات الأخرى.
هذه السيارة وُلدت عام 1964، إلا أنّ جذورها تعود إلى رسومات فرديناند بورشه عام 1959، مع تطوير السيارة لتكون بديلا أكثر قوة، أكبر وأكثر راحة من طراز 356.
وإضافة إلى شكلها المميز، الذي اعتمد على نفس نمط التصميم المميز للشقيقة 356 ولكن مع المزيد من الروح والأبعاد الرياضية، تميّزت بورشه 911 منذ إطلاقها وحتى عام 1998 بمحركها ذو الأسطوانات الست المنبطحة مع تبريد بالهواء لا بالماء، الأمر الذي سمح لها بتوليد صوت مميز.
صوت قد لا يكون بنفس مستوى الطرب الميكانيكي الذي توفره السيارات الرياضية الأخرى، خاصةً القادمة من إيطاليا، ولكنه صوت خاص يمكن للمرء تمييزه بكل سهولة على الطريق.
اقرأ أيضًا: بورشه تقدم «ماكان T» أول سيارة رياضية بأربعة أبواب
تحف ميكانيكية حصرية
نجاح طراز 911 وهالته الأسطورية، لم يمنعا بورشه من تطوير سيارات حصرية تُنتج بأعداد قليلة.
وكانت البداية مع طراز 959 الذي بدأ تطويره عام 1981.
وجدت بورشه نفسها مع سيارة بالغة التطور دون أي فئة يمكنها أن تشارك ضمنها في عالم السباقات، وذلك بعد فترة وجيزة من تولي "بيتر شوتز" منصب المدير الإداري للشركة، بهدف المشاركة في سباقات المجموعة "بي"، وحظر الاتحاد الدولي لرياضة السيارات هذا النوع من السباق نظرًا لخطورته.
تمامًا كما حصل مع "فيراري 288 جي تي أو" و"فيراري أف 40"، ما دفع "بورشه" لاتخاذ القرار بصناعة "337"، التي يصل سعر النسخة منها إلى حوالي 1.5 مليون دولار أمريكي.
وفي أواخر تسعينيات القرن الماضي، وبعد نجاح طراز "911 جي تي 1" في سباقات السيارات الرياضية، قررت بورشه تطوير طراز حصري آخر، هو "كاريرا جي تي"، مع محرك مثبّت بوضعية وسطية لا خلفية، كما هو الحال مع طراز 911، الذي اشتهرت به بورشه وكذلك "959".
هذا المحرك كان يتألف من عشر أسطوانات مثبّتة على شكل الحرف "في" باللاتينية، سعة 5.7 لتر بقوة 603 أحصنة.
وفي مقابل ذلك، ومع نهاية العقد الأول من القرن الحالي، قررت بورشه توفير طراز 918 سبايدر، ليلعب دور السيارة الحصرية من الشركة، ولكن هذه المرة مع تقنية هجينة قوامها محرك احتراق داخلي يتألف من ثماني أسطوانات سعة 4.6 لتر، ومحركين كهربائيين ليكون إجمالي القوة التي تتوفر للسيارة عند عمل جميع المحركات 875 حصانًا.
الطراز الذي أنقذ بورشه
وفّرت بورشه منذ عام 2003 سيارة رباعية الأبواب، لكنها ليست سيدان بل على شكل مركبة دفع رباعي متعددة الاستخدام.
جاء هذا الطراز بعد الكثير من الأخذ والرد، وبعدما توقع العديد من المراقبين توفير بورشه لطراز رباعي الأبواب، يقوم على أساسات الأسطورة "911"، نظرًا لعدد من الطرازات الاختبارية التي كُشف عنها، أو تلك التي لم يُكشف عنها من قبل الشركة.
في البداية، قسمت "بورشه كايين"، عشاق العلامة التجارية الألمانية بين من استقبلها بشيء من الفتور، كونه اعتبرها بمثابة السيارة العائلية التي لا يجب أن تنتجها بورشه، وأنها تؤثر على الصورة النمطية لمالك بورشه، التي تفيد بأنه شاب رياضي أنيق لا رب عائلة.
ومنهم من استقبلها بحرارة، كونها تتمتع بمواصفات عملية، أُضيفت إلى روحها الرياضية العالية.
لكن في نهاية الأمر، أجمع الغالبية العظمى من عشاق بورشه، على أنها سيارة ناجحة للغاية، خصوصًا وأنها تمكّنت بفضل مبيعاتها المرتفعة وأرباحها الكبيرة، من إبعاد شبح الإفلاس عن الشركة.
اقرأ أيضًا: أساطير الغد.. «لامبورغيني هوراكان ستيراتو» و«بورشه 911 داكار»
العصر الكهربائي والوقود الصناعي
عندما نجلس لنتحدث عن تاريخ بورشه، قد يصعب علينا أن نعرف من أين نبدأ، أو على ماذا نركز أكثر.
لكن إذا أردنا الحديث عن المستقبل، فسنجد أنّ بورشه تساهم في صياغة مستقبل السيارات الرياضية من خلال طراز "تايكان"، الذي ستنضم إليه قريبًا الطرازات متعددة الاستخدام، وطرازي "بوكستر" و"كايمن".
تجدر الإشارة إلى أنّ بورشه تعمل أيضًا على تطوير الوقود الصناعي، بالتعاون مع شركة سيمنز، وهذا الوقود يُعتبر في غاية الأهمية كونه نظيفًا لا يلوث البيئة، ويمكن استخدامه في جميع المحركات.