نصير شمة لـ «الرجل»: يخيفني توقف الحلم.. والعود شرفة أطل منها على العالم
شغفه بالموسيقى وآلة العود كانا وراء حمل لقب "زرياب الصغير" وهو فتى لم يتجاوز 15 عامًا، وبحثه وغوصه في تاريخ الموسيقى قاداه إلى إضافة الوتر الثامن (وتر الفارابي) فهو يرى أن العود جسر يعبّر من خلاله عن شخصيته وشرفة يطل منها على العالم.
أسس مشروعه "بيت العود" في عدة مدن عربية، آخرها سيرى النور في مدينة الدرعية السعودية، وما ينتظره من "بيوته" وموسيقاه أن تكون قادرة على نشر الحب والوئام بين الناس، وقادرة على مواجهة التعصب والأنانية، وطرد التخلف والنظرة السوداوية للحياة.
مجلة الرجل ذهبت إلى العلا لتحاور الفنان الموسيقار العراقي نصير شمة في عبق المكان الذي فتن بسحره وألهمه تأليف أكثر من مقطوعة موسيقية، وتستعيد معه ذكريات الطفولة وتطالع الأحلام والتاريخ والمشاريع والتحديات، في حوار يتصدر صفحات العدد الجديد، ويشرع الأبواب على الموسيقى والبحث عن جماليات أن تكون موسيقيًّا.
- البحث والتعلم شعلة تجعلني أشعر بوجودي
- لم أصل إلى القمة وأرى فيها نهايتي
- قادتني أحلام اليقظة القوية إلى مستقبلي
- العلم والدراسة تضع الموهبة في مسارها الصحيح
- كنت أرى الأشياء قبل أوانها بثلاثين عامًا
- لا يخيفني الموت بحد ذاته بل يخيفني توقف الحلم
- وزعت أحلامي على طلابي حتى يصبح للحلم مسارات مضيئة
- أحب الغناء ولكن لا يشغلني أن أمارسه
- لا أملّ من سماع أعمال زكريا أحمد
- الثقافة إما تحمي وإما تعصف بالفنان
- العمل الإنساني أعطى قيمة لحياتي ووجودي
- نعم توجد موسيقى من أجل الموسيقى
- فترة كورونا جعلتني أعيد حساباتي في كل شيء
- الموسيقى هي السلام مع أنفسنا والكون والطبيعة
- كل مواقع العلا لها مسميات على قطع موسيقية ألفتها
- المملكة سوق كبيرة من المواهب تسعى لتحقيق نفسها
- اطلعت على مواهب فنية رائعة جدًّا في الرياض ومدن المملكة
النشأة والتكوين
نشأ نصير شمة وسط أسر وعوائل اجتمعت على قيم الاحترام والتكاتف فيما بينها، يقول "مجرد معرفة أنك ابن فلان تصبح في أمان مثل (صك أمان) لا يمكن أن يُنتهك سواء في حقوقه أو سلوكه أو أي شكل من الأشكال".
هذه البيئة صنعت ما هو عليه نصير الآن، ويضيف "ولا أعرف تغييرها، وأتحمل فيها خسائر وصدمات مع تغير البشر، ولم أستطع تغيير قيمي، احترام للأكبر، للأب، للأخ الأكبر والأصغر… لكل شيء، وهو ما نقش في ذاكرتي وما عكسته في تجربتي في بيوت العود وفي كل مكان".
ويردف قائلاً "على مر السنوات تساقط الكثير من الأشياء، وبقيت تلك القيم، والأخلاق والذوق والثقافة هي الثوابت والركائز التي نقف عليها".
صندوق الاحلام
كان ترتيب نصير قبل الأخير بين إخوته، اتجه اهتمامه للثقافة والفن، يكشف لمجلة الرجل "كنت أستمع يوميًّا وأنا طفل عمري 6 سنوات للشيخين عبد الباسط عبد الصمد ومصطفى إسماعيل، والفنانة أم كلثوم على إذاعة صوت العرب، التي مثّلت في حينها صندوق الأحلام الذي يمنحني الأجنحة لأحلق في أجواء الفن التي حُفرت في ذاكرتي".
ويردف موضحًا "كنت أرى كيف تُحول الموسيقى البشر، فتجد سيدة في الصباح ربة منزل تسعى وراء التزاماتها، وفي المساء على أنغام الموسيقى تراها وكأنها صارت (ملكة جمال)، وهو ما يعكس ما يمكن أن تظهره الموسيقى والفنون من جمال داخلي".
اقرأ أيضًا:الفنان حسين فهمي: سأعيد للسينما رونقها.. وأبحث في المرأة عن أمي
أحلام اليقظة قادتني
يروي أن أحلامه كلها مع الموسيقى، ويضيف "قادتني أحلام اليقظة القوية إلى مستقبلي، كنت أرى الأشياء قبل أوانها بثلاثين عامًا، وهو ما أعطاني الصلابة والأفق الذي أمشي من خلاله دون التوقف أمام الصعوبات، وما زلت من حينها حتى الآن أفكر في الجديد دائمًا دون توقف، وكيف أطور من نفسي".
كان عليه أن يعتمد على نفسه، حيث لم يعرف جيل نصير شمة التشجيع وتبني المواهب كما في عالم اليوم يقول "كان الطفل يبحث عن حلمه بنفسه وأنا أحد هؤلاء الأطفال، فمن سن 5 سنوات وأنا أطالب بأن أتعلم العزف على العود، وهذا كان أمرًا صعب المنال، لم يتحقق إلا في سن 11 عامًا، حين بدأت علاقتي مع العود والتعلم على يد الأستاذ رحمان جاسم".
وعن المفاضلة بين العلم والموهبة يرى أنه "لا يمكن فصل العلم عن الموهبة مهما كانت حجم الموهبة وقدرة الشخص، فإذا نظرنا إلى كبار الموسيقين مثل (موزارت) كان له معلم صارم يعاقب ويضرب منذ كان سنه 5 سنوات".
ويضيف "الدراسة شيء لا بُدَّ منه فهي التي تضع الموهبة في مسارها الصحيح، أما الموهبة الفطرية فتبقى تتخبط حتى تتلاشى وتصبح مجرد ذكرى، ولا يمكن تطويرها وتحديد مسارها الصحيح، من دون العلم".
الموسيقى والشباب
وعن رؤيته لعلاقة الموسيقى بالشباب ودورها في حياتهم، يكشف أن "رواد بيوت العود هم الشباب الصغار فيما فوق 14 عامًا ودون العشرين".
ويضيف "الشباب في كل زمان هم من يهتم بالموسيقى وتعلمها، والشباب إذا ما توفر لهم بيئة مناسبة يبدعون".
ويشير الفنان شمة إلى أن "فطرة الإنسان حب الموسيقى والفن، فنجد في إفريقيا والدول الفقيرة بها رغم ما يعانونه يصنعون أدوات موسيقية بمجموعة من الخامات البسيطة مثل الزجاجات الفارغة، هذا يعني أن الموسيقى حاجة وليست شيئًا نلهو به".
لم أصل إلى القمة
وعمّا فعله للوصول إلى القمة يقول "بصراحة ودون تواضع مني، لم أر نفسي في القمة قط، وما دمت أقوم بأشياء جديدة لم أعرفها طوال عمري الموسيقي، فهذا يعني أنه ما زال هناك الكثير الذي يجب عمله، وأعتقد أن السعي والصبر والتمرين المتواصل والقراءة وتنوع مصادر الإبداع تجعل التعلم مستمرًّا، وإذا شعرت أنني في القمة فستكون تلك نهايتي".
ويضيف "لا يوجد فنان في القمة على الإطلاق، وكثير من الفنانين تطلق عليهم الصحافة ألقابًا لا تصح، يجب اختيار الصفات المناسبة لإطلاقها، وتجدهم يشبهون البعض بالجبال وغيرها، وهي أمور لا يمكن أن نطلقها، فالقمة متعددة الرؤوس، فمن يظن أنه في القمة تأكد أنه سيسقط".
توزيع الأحلام
يرى الفنان نصير شمة أن التحديات الخارجة عن سيطرته مثل الزمن والموت والسجن هي ما يخيفه، ويضيف "لكن لا يخيفني الموت بحد ذاته، بل يخيفني توقف الحلم، لذلك نفّذت (بيت العود) لأن أحلامي كبيرة ومتعددة ومتنوعة ويستحيل أن تُنفَّذ في عمر أو اثنين، فحاولت أن أوزع الحلم على مئات الشباب، ووجهت كلاًّ منهم لاهتمامه، ووزعتهم وفق اهتماماتهم في مجالات مختلفة كصناعة الموسيقى والتأليف والبحوث الموسيقية والأنواع المختلفة من الموسيقى، كل ما لم أستطع فعله وزعته على طلابي حتى يصبح الحلم مسارات مضيئة".
الأغنية يحكمها الوعي
الفنان شمة الحاصل على جائزة الأغنية العاطفية قبل ربع قرن، يرى أن "هناك مطربين ومغنين ومؤدين لكل منهم خط خاص، فالوعي هو المتحكم في اختيارات الفنان، والثقافة في أغلب الأحيان إما تحمي وإما تعصف بالفنان وتحكم علاقته مع الجمهور".
مشيرًا إلى أن الأغنية تغيرت مساراتها وفقدت كثيرًا من قيمتها، ويضيف "حين سُئلت عن تجربة أحد زملائي الكبار في مصر قبل سنوات طويلة، وكان ردي حينها (اسألوني بعد 20 عامًا)، ذلك لم يكن هروبًا، ولكن عقدين من الزمن إذا خلد فيهما العمل يصبح صاحبه كبيرًا".
ويتابع "لذا فإن الفنانين الذين ظهروا بأغانٍ استهلكت في حفلات أو حدث ما وانتهت فلا يمكن أن تكون عظيمة، أما الأغاني التي نلجأ لها عند الحاجة النفسية والروحية فتبقى خالدة، ولكن لا بُدَّ أن تكون مصنوعة بجودة وعمق.
إذا كنت تريد أن تكون فنانًا كبيرًا فلا بُدَّ أن تؤمن بفنك وأن يكون عقلك كبيرًا حتى تختار عملاً ناتجًا عن ثقافة ووعي وإخراج موسيقيين مبدعين.
فمثلاً الفنان رياض السنباطي لم يكن مشغولاً بالأمور التافهة والصغيرة، ولم يكن يظهر بالمحافل العامة، وكان يعمل ليلاً نهارًا، فلذلك كل أعماله عظيمة وخالدة أثرت على كل الفنانين من حوله، واستطاع تقديم مشروع متكامل بالفن العربي".
تحويل الأصابع لحنجرة
عما إذا كان يفكر في الغناء أجاب "أحب الغناء ولكن لا يشغلني أن أمارسه، حاولت أن أحول الأصابع إلى حنجرة من خلال العزف وهو عمل بدأته وأنا طالب في بغداد، وكان مدرس المقامات في العراق يُجبرنا على غناء المقامات ولكني طلبت منه أن أؤدي الأوصال نفسها الخاصة بالمقام بالعود دون غنائها، وهنا نجحت في تحويل أصابعي إلى حنجرة، وجعلت من حفلات العود في العراق حينها ظاهرة جديدة".
ويضيف "أدخلت حالة جديدة من الموسيقى إلى بغداد، كنت طالبًا ويحضر حفلي ما يزيد على 1000 متابع، كانت السيدات تحضر إلى الحفلات ومعها وسائل يجلسن على الأرض ويستمعن".
السؤال يشغلني
بعد كل هذه الإنجازات في التأليف والعزف فماذا بعد؟ أين تريد أن تصل بشغفك الموسيقي؟ يجيب نصير شمة على سؤال مجلة الرجل بالقول "هذا السؤال يشغلني دائمًا وسأظل أعمل عليه، من يتمرن يوميًّا يمكنه أن يجيب على هذا السؤال، يوميًّا أكتشف الجديد، ولا أعرف أين ستنتهي المسيرة".
ويضيف "ما دام هناك قدرة على التقاط مسارات الحداثة الموجودة حولي في جميع الفنون، وإعادة تقديمها بطريقة جديدة، فهذا يعني أن عقلي وأصابعي وقدرتي على التأليف ما زالت حاضرة لأفكار جديدة بالمستقبل".
التمرين 8 ساعات يوميًّا
ونصائح الفنان شمة للجيل الجديد من السائرين إلى التعلم والإبداع الموسيقي يجملها بالقول "التقنية وفرت الوقت ولكن (الصوليست) ما زال يحكمه التمرين اليومي لساعات طويلة، وممارسة القراءة وسماع الكثير من الموسيقى، والدخول في النظريات الموسيقية والتفسيرات والنقد الموسيقي".
ويضيف "الموسيقي الحقيقي واضحة معالمه لم تتغير من زمن بابل ووادي النيل إلى اليوم، يجب أن يعمل على نفسه بشكل يومي لمدة لا تقل عن 8 ساعات".
اقرأ أيضًا:رجل الأعمال صالح لوتاه: أستعدُّ لتحدّي "الرجل الحديدي".. والغربة مدرسة علمتني
زرياب وباخ وموزارت
أطلق صحافي متخصص بالموسيقى على نصير شمة لقب "زرياب الصغير"، كان عمره 15 سنة، يقول معلقًا "اللقب دفعني إلى دراسة التاريخ، لو أننا نُعرف رموزنا بشكل صحيح لكان (زرياب) لا يقل عن (موزارت) و(باخ) الذي يعد أبا الموسيقى".
ويضيف موضحًا أن "زرياب نقل العصر الذهبي لبغداد إلى الأندلس، وعلم الإتيكيت، وفن ارتداء الملابس، وأي الألوان تناسب المساء، وبعد الظهر، وأي العطور تستخدم في الصباح وبعد الظهر، وليلًا، وأول من قدم (مينو) وأول من أنشأ معهد موسيقى في الغرب، في الأندلس، وهو الموسيقيّ الوحيد في تاريخ العرب الذي كان الخليفة يستقبله على باب المدينة".
ويكشف أنه يعمل في بيت العود بأبوظبي على إعادة قراءة كتب في الموسيقى كتبها الفارابي والكندي وابن سينا وكتاب الأغاني للأصفهاني "كل هذه الاشياء يستطيع الناس أن يستمع إليها من خلال الموسيقى، ويمكن تحويلها إلي النوتة العادية اليوم ودراستها"، لافتًا إلى أن "هذا المشروع ينطلق مع بيت العود السعودي الذي سيرى النور في عام 2023".
موسيقى لأجل الموسيقى
وعن رؤيته لوجود موسيقى خالصة لأجل الموسيقى يؤكد قائلاً "نعم توجد موسيقى من أجل الموسيقى، في فترة كورونا واجه الناس الموت بشكل لحظي، وتوقف العالم كله، وخلال هذه الفترة أعدت حساباتي في كل شيء، وكنت أتمرن كل يوم بشكل متواصل، وبعد انتهاء الحظر ذهبت وسجلت ما أسميه (أبواب) وهي كلها موسيقى صوفية روحية".
ويكشف لمجلة الرجل أنه بصدد الإعداد الآن لموقع يوتيوب سيعرض فيه كل هذه الموسيقى وهي أعمال موسيقية من أجل الموسيقى.
وردًّا على سؤال يتعلق بالموازنة بين الكلاسيكية وبين الحداثة، يشير إلى تجربة خلال شهر يناير الجاري مع موسيقي كبير لموسيقى "الجاز" في مونتريال في حفل يجمع بين العود الذي يتكلم بلغته العربية، وبين الموسيقى والغربية في أوركسترا كامل.
ويضيف "قدمنا من قبل موسيقى (شهرزاد) بالعود، والموسيقى تعني السلام، وكل الموسيقيين يؤمنون بأنَّ الموسيقى لها دور، وهو الدعوة إلى السلام في العالم، والسلام الموسيقى بيننا وبين أنفسنا ومع الكون والطبيعة".
الحفلة الأهم لم تأت
قدم الفنان نصير شمة عشرات الحفلات في مدن مختلفة حول العالم ويشير إلى أن ذاكرته ما زالت تضج بحفلات دمشق ودار الأوبرا المصرية وتونس وحفلات بغداد الأولى. وردًّا على سؤال عن الحفلة الأهم، يجيب "الحفلة الأهم لم تأتِ بعد".
ويتابع "من العروض التي لا أنساها مسرحية (البلاد طلبت أهلها) التي قدمناها عن فلسطين في الأردن، وهناك عرض في (أوسلو) لا أنساه".
مكان ساحر وبكر
ليست المرة الأولى التي يزور الفنان نصير شمة مدينة العلا السعودية، عن لقائه الأول يقول "العلا مكان بكر ساحر جدًّا لم تتدخل فيه يد الإنسان ما زال على طبيعته يحتوي على الأسرار والجمال والسحر".
وعن تجواله هناك يقول "عندما تتأمل جبال العلا تشعر أنها عوائل من أب وأم وأطفال.
وعندما ذهبت إلى العلا التقطت صورًا كثيرة هناك مع أنني عادة لا أحب التقاط صور في الأماكن التي أزورها".
وعن آخر حفلاته هناك في نوفمبر الماضي، يعلق "هي من الحفلات التي لا أنساها أبدًا وعادة عندما أتكلم عن حفلة لا تنسى يكون قد مر عليها 10 سنين على الأقل ولكن حفلة العلا لها مكانة خاصة".
ويلفت إلى أن "هناك بروفات كثيرة في بيت العود في أبوظبي كتبت عليها من (وحي العلا) لأن هذا المكان الساحر أوحى لي بالكثير".
ويضيف "كل المواقع الموجودة في العلا لها مسميات على قطع موسيقية ألفتها".
ويعبر عن سعادته بأن يكون في "مكانين يقام فيهما حفل للموسيقى لأول مرة، في (الحجر) وجبل (عكمة)، وما زال لدي الكثير الذي يمكن أن أقوله عن العلا في المستقبل".
"بيت العود" في الدرعية
الانطباعات التي تشكلت عن مستقبل الفن في السعودية لدى الفنان نصير شمة يجملها بالقول "المواهب التي ستظهر من المملكة ستجعلها سوقا كبيرًا من المواهب الفنية التي تسعى إلى تحقيق نفسها.
ولقد اطّلعت على العديد من المواهب في الرياض، ومدن المملكة المختلفة وهي تجارب فنية رائعة جدًا، وهناك مثقفون مهمون جدًّا في المملكة على مستوى الفكر والفلسفة والفن التشكيلي والموسيقى والكثير من المجالات والمهارات الفنية المختلفة".
ويكشف لمجلة الرجل عن توقيع اتفاقية مع هيئة الموسيقى لإقامة "بيت العود" في منطقة الدرعية وهي منطقة قديمة وأعيد ترميمها، ويضيف "لا يوجد خوف أبدًا من شخص يحب الفن.
والشباب والشابات في السعودية لديهم أحلام، والفرصة سانحة الآن ليحققوها بقوة".
ويشرح أن الفرق بين مشروعه "بيت العود" والمعاهد الموسيقية، هو أن فترة الدراسة في بيت العود 24 شهرًا متواصلة، العملي ثلاثة أيام في الأسبوع، وأن الجميع يعلم الجميع، الأقدم يعلم الجديد".
وعمّا ينتظره من مشروعه الذي انتشر في عدة مدن عربية يقول "الموسيقى قادرة على نشر الحب والوئام بين الناس، وقادرة على مواجهة التعصب والأنانية، وقادرة على طرد التخلف والنظرة السوداوية للحياة".
ويدعو الشباب والشابات السعوديات بالقول "احمل نفسك إلى بيت العود، سجل وجرب، لا يوجد شيء سهل وصعب، تعالَ وتعلَّم وحقق حلمك.
ومن يرد أن يحمي أولاده من كل شيء سلبي موجود حولنا فعليه أن يعلمهم شيئًا من الموسيقى والرسم".
أعطى قيمة لحياتي
الفنان نصير شمة سفير اليونسكو للسلام وأسس العديد من المبادرات والمؤسسات لدعم الأطفال واللاجئين وعلاجهم.
عن دوافعه الإنسانية تلك يقول "يتعلق هذا الأمر بسببين الأول أننا تربينا في طفولتنا أن ندخر من مصروفنا للتبرع في نهاية الأسبوع إلى قضية فلسطين، وكانت أمي تُحملني مواد غذائية مثل السكر والدقيق للتبرع، ذلك في فترة دراستنا الابتدائية والثانوية وهو ما كبرنا عليه وجعلني أشعر بفكرة التكافل الاجتماعي ومشاركة الأشياء مع الناس بطيب خاطر وفرح وسعادة وفخر".
والسبب الثاني أنه "بعد خروجي من السجن والإعدام، ذلك منحني وقتًا إضافيًّا في الحياة، فكل من كان معي قتلوا وأعدموا، وأن أظل أنا حيًّا فهذا بالتأكيد له سبب، وهو أن الله أعطاني شيئًا من الموهبة، لذا أنا أستغل هذه الموهبة بالشكل الصحيح في خدمة الناس، والله أعطاني محبة واحترامًا في كثير من دول العالم، فقررت أن أستخدم كل ذلك في خدمة القضايا التي أوْمن بها".
ولافتًا إلى أن مبادراته تلك استقبلت التبرعات من ملك البحرين، ورئيس دولة الإمارات الراحل الشيخ خليفة، والشيخ صالح كامل رحمه الله، ورجل الأعمال نجيب ساويرس، والشيخة فاطمة.
ويرى أن تنظيمه لتلك الأعمال "أعطى قيمة لحياتي ووجودي، وكان سببًا لوجودي وكياني بعد إطلاق سراحي من حكم الإعدام، وكان مثالاً لابنتي حين ترى والدها يشارك في تلك الأعمال الخيرية، ستشعر أن لديها مسؤولية".
العود شرفة
أول عود حصل عليه الفنان نصير شمة كان هدية من أستاذه حسين الناموس "عندما ذهبت للدراسة في بغداد، وكان من صناعة محمد فاضل، الأفضل في ذلك المجال" بحسب وصفه.
علاقته وإخلاصه بالعود قاداه للبحث وإضافة الوتر ثامن (وتر الفارابي)، بالمقابل ماذا أضاف إليه العود وما أهم درس تعلمه منه؟
يجيب بالقول "العود مثل الشرفة أطل من خلالها على العالم، وأقدم أبعاد شخصيتي من خلاله، لذلك العلاقة مع العود قوية، أتحدث من خلاله وتظهر بنغماته شخصيتي، وهو الفرشاة التي أرسم بها".
الوطن هو الأم
لديه مقرات لبيت العود في أكثر من عاصمة عربية ويقيم في ألمانيا، فأين الوطن العراق؟ ما مفهوم نصير شمة للوطن؟
يشير في رده إلى قول الشاعر اليوناني "كفافيس" معناه "إذا بيتك خراب فأينما تذهب تجد الخراب"، ويضيف "الوطن مسألة أكبر من كونها أرضًا ولدنا فيها، هناك رابط كبير بين الإنسان ووطنه، مهما كان بها من حروب وتخلف ومشكلات".
ويروي أنه كان يعاني آلامًا في الظهر، وذهب إلى طبيبة من فنزويلا لا تعرف عني أي شيء، ويضيف "عندما وضعت يدها فوق ظهري قالت لا يوجد بك شيء عضوي أنت تحتاج فقط إلى طاقة بلدك، سألتها كيف عرفتِ أن هذا ليس بلدي؟ لترد (جسدك يقول إن هذا ليس بلدك)".
ويرى أن الوطن "أعمق من كل ما عشته من مصاعب في وطني، حتى لو دفنت خارجه، يبقى العراق وطني ولا يوجد بلد فوق الأرض لديه هذا التنوع الحضاري، ورغم أن الجواز العراقي يعاني لكنه بالنسبة لي الأفضل في العالم".
ويضيف "ما يتمتع به العالم يأتي من حضارة بين النهرين، الوطن هو الأم بالنسبة لي".
اقرأ أيضًا:محمد حسن علوان لـ «الرجل»: المعاناة مرايا لأدبي.. ومعرض الكتاب «واسطة العقد»
المرأة تفوز دائمًا
المرأة بالنسبة للفنان شمة "هي كل شيء، الرجل في كل سعيه يكون من أجل المرأة، المرأة هي الزوجة والأخت والبنت، وبرأيي المرأة قيمتها أعلى من الرجل تملك قدرة على التحمل كبيرة، أما الرجل فأناني وخلقه صغير، ولكن المرأة تفعل الكثير هي أساس الأسرة ومسؤولة عن كل شيء، تستطيع أن تسامح وتغفر للرجل، تملك الصفات والرحمة التي لا يملكها الرجل، مهما قارنّا تفوز المرأة دائمًا".
وعن شريكة حياته يقول "أنا مرتبط بإنسانة عن حب، شاعرة مهمة تملك لغة عالية في كتابتها، هي واحدة من طليعة شعراء النثر، فهي ولدت في بيئة تملك الكثير من الجمال، ولديها مشروع شخصي مميز في الحياة، ومعًا أسسنا للوطن في الغربة".
أستحضر كبار الموسيقيين
- ردًّا على سؤال مجلة الرجل عن أكثر شخص في هذه الدنيا يحب الفنان نصير شمة أن يعزف له، ويحرص على أن يسمع جديده، يقول "نحن نعيش في مساحة ضوئية، الذي يستطيع التركيز فيها يمكنه أن يرى أشياء لا يراها العامة، أعتقد أن ما يفصلنا عن العالم الآخر والموت يصفه (العائدون من الموت) بالنفق الصغير، ويمكن أن يصل إليه الأحياء إذا امتلكوا الشفافية والقبول للعبور، لذلك أنا أستحضر كبار الموسيقيين دائما مثل (جميل بشر)، و(رياض السنباطي)، و(فريد الأطرش)، و(زكريا أحمد) وغيرهم من الكبار، أشعر بهم وأشعر برد فعلهم على أعمالي".
أما الأغنية أو الموسيقي التي لا يمل من سماعها فهي "كل أعمال زكريا أحمد، لا يمكن أن تمل منها، أحب (السنباطي) ولكن زكريا أحمد قدم أعمالاً موسيقية توصف بـ(الذهب الخالص)، أعماله كانت إلهامًا، بجانب موسيقى (القداس) لموزارت".
هواياته
يحرص الفنان شمة على بدء يومه بكوب من الماء، ويستشهد بقوله تعالى "وجعلنا من الماء كل شيء حي"، ويضيف "مجرد ما أفتح عيني أشرب الماء، والشكر لله على بداية اليوم الجديد، بعدها أمارس الرياضة وأنتقل إلى التمرين".
وعن هواياته بعيدًا عن الموسيقى، يقول إنها كثيرة، في الرسم والرواية والشعر، والقراءة والاطلاع، ويضيف "أهتم بتطور كل شيء من حولي".
ويصف تفاعله مع السوشيال ميديا بأنه "إلى حد ما ليس كثيرًا".
أما من يختار له ثيابه وينسق ألوانها فيجيب "في الغالب أنا من أختار ثيابي، ولكن عندما نخرج مع بعضنا كأسرة أستشيرهم، وابنتي (ليل) أثق برأيها لتعزيز فكرة الرأي لديها".
أمنيات للعام الجديد
أهم أمنيات نصير شمة للعام الجديد 2023 هو أن يوضع العراق على قاطرة التقدم، ويضيف "يكفي ما شهدناه، علينا أن ننظر للمستقبل بعين أخرى، العالم يتطور من حولنا، والعالم العربي يشهد قفزات تطور كبيرة".
وأمنيته للعالم كله "السلام، أن تنتهي الأزمات والحروب وفي مقدمتها الأزمة الروسية-الأوكرانية، أتمنى أن يكون العالم الجديد قائمًا على لغة الحوار والعقل والسلام، وأن يحقق الشعب الفلسطيني حقه في دولة ذات عزة وكرامة".
ويتمنى الأمان لأسرته وعائلته وبلده، ويضيف "أتمنى أن أحقق شيئًا جديدًا في الموسيقى".
والغد بالنسبة للفنان نصير شمة "أمل جديد، فكرة جديدة، عمل جديد"، ويضيف "ما دمنا على الأرض فهذا يعني أن نعمل لنجعل العالم بشكل أفضل، الغد هو الأمل لنكون أفضل".