كيف تستفيد من أنواع الذكاء المختلفة في حياتك؟
اعتدنا قديمًا الاعتقاد أنّ للذكاء جانبًا واحدًا فقط، ولكن في الوقت الحالي تغيرت قناعاتنا في هذا الأمر كثيرًا، وظهر كثير من النظريات التي تؤسس لوجود أنواع مختلفة من الذكاء لدى الإنسان. يحتاج الشخص إلى هذه الأنواع من الذكاء لاستخدامها في المواقف المختلفة التي يقابلها في حياته. إذًا ما أنواع الذكاء المختلفة؟ وكيف تستفيد منها في حياتك؟
ما أنواع الذكاء المختلفة؟
ظهرت نظرية الذكاءات المتعددة على يد العالم هوارد غاردنر، إذ أشار في نظريته إلى وجود ثمانية أنواع من الذكاء لدى الإنسان. بالطبع يختلف مستوى الذكاء من شخص لآخر، فربما يملك أحدهم قدرًا من الذكاء في نوع معين أكثر من البقية. شملت نظرية غاردنر أنواع الذكاء الثمانية الآتية:
1- الذكاء اللغوي (اللفظي)
يتميز الأشخاص الذين يتمتعون بالذكاء اللغوي بالقدرة على التعامل مع الكلمات بطريقة جيدة، سواء فيما يتعلق بالحديث أم الكتابة. يقدر أصحاب الذكاء اللغوي على توظيف الكلمات في سياقات مختلفة، إلى جانب قدرة إنتاج المحتوى المكتوب. من أهم خصائص الأشخاص الذين يملكون الذكاء اللغوي:
- حب قراءة أنواع مختلفة من الكتب.
- إجادة الدخول في مناقشات مع الآخرين.
- إلقاء خطبة مؤثرة ومقنعة.
- إمكانية شرح الأمور بطريقة سهلة متوافقة مع الطرف الآخر.
- الاستمتاع بالكتابة والتدوين.
- سهولة تذكر المعلومات، سواء أكانت معلومات مستمدة من كتب، أم معلومات قيلت في أحاديث مختلفة.
توجد مجموعة مختلفة من الوظائف المحتملة لأولئك الذين يملكون الذكاء اللغوي: الصحافة، كتابة الروايات، التحرير والتدقيق اللغوي، المحاماة، تدريس اللغات، الشعر، "المتحدثون الرسميون".
2- الذكاء المنطقي (الرياضي)
يتميز الأشخاص الذين يتمتعون بالذكاء المنطقي بالقدرة على استخدام مهارات التفكير المختلفة، من خلال التعرف على الأنماط المختلفة بين الأشياء، وكذلك حل المشكلات بطريقة منطقية. يفضل أصحاب الذكاء المنطقي البحث عن العلاقات بين المواضيع المختلفة، ويجيدون التعامل مع الأرقام. من أهم خصائص الأشخاص الذين يملكون الذكاء المنطقي:
- القدرة على حل المشكلات المعقدة.
- التفكير في الأمور بطريقة منطقية ومترابطة، وإنشاء علاقات بين الأشياء.
- القدرة على التعامل مع الأرقام، وحل الحسابات المعقدة.
- فهم طريقة عمل التجارب العلمية وتنفيذها بسهولة.
توجد مجموعة مختلفة من الوظائف المحتملة لأولئك الذين يملكون الذكاء المنطقي: البرمجة، تدريس الرياضيات، المحاسبة، إدارة الحسابات، الهندسة، الاقتصاد.
3- الذكاء الجسدي (الحركي)
يتميز الأشخاص الذين يتمتعون بالذكاء الجسدي بالقدرة على استخدام الجسد بطريقة متميزة، فهم يعرفون كيفية الاستفادة من أجسادهم وطريقة التحكم بها، حتى يقدروا على تقديم أفضل أداء جسدي من خلال هذا الأمر. من أهم خصائص الأشخاص الذين يملكون الذكاء الجسدي:
- المهارة في تحريك الجسد مثل ممارسة الرياضة.
- القدرة على تنسيق حركة الجسم بطريقة متميزة.
- يميلون إلى تذكر الأشياء من خلال العمل والممارسة، بدلاً من الاعتماد على الطرق الأخرى كالقراءة أو المشاهدة أو الاستماع.
- يحبون صنع الأشياء بأنفسهم.
توجد مجموعة مختلفة من الوظائف المحتملة لأولئك الذين يملكون الذكاء الجسدي: الرياضة، الميكانيكا، البناء، الفن، التمثيل.
4- الذكاء الشخصي
يتميز الأشخاص الذين يتمتعون بالذكاء الشخصي بالقدرة على فهم الآخرين من حولهم، والتفاعل معهم بطريقة صحيحة. يجيد هؤلاء الأشخاص التعرف على مشاعر الآخرين ودوافعهم ورغباتهم ونياتهم، ومن ثَمّ التعامل معهم بطريقة صحيحة وفقًا لذلك. من أهم خصائص الأشخاص الذين يملكون الذكاء الشخصي:
- إنشاء علاقات جيدة وصحية مع الآخرين.
- إجادة التواصل الشفهي مع الأشخاص.
- القدرة على التواصل غير اللفظي القائم على لغة الجسد.
- حل النزاعات والمشكلات التي تطرأ بين الأفراد في المجموعات التي يوجدون بها.
- إمكانية تقييم الأمور وتفسيرها من وجهات نظر متعددة بدلاً من التمسك بزاوية واحدة من الموضوع.
توجد مجموعة مختلفة من الوظائف المحتملة لأولئك الذين يملكون الذكاء الشخصي: إدارة الفرق والمجموعات، المبيعات، السياسة، التسويق، الدعاية، الطب النفسي، الاستشارات.
5- الذكاء الداخلي
يتميز الأشخاص الذين يتمتعون بالذكاء الداخلي بالقدرة على فهم ذاتهم بطريقة جيدة، من خلال إدراك الحالات العاطفية التي يمرون بها، وكذلك فهم المشاعر والدوافع الداخلية. يجيدون ممارسة التأمل وتحليل الذات، ويقدرون على التعرف على نقاط القوة والضعف الخاصة بهم. من أهم خصائص الأشخاص الذين يملكون الذكاء الداخلي:
- امتلاك الوعي الذاتي بالنفس وكل ما يتعلق بها.
- ممارسة التحليل بأنواعه المختلفة، سواء أكان تحليل النظريات أم الأفكار المختلفة.
- فهم الذات ودوافعها ومشاعرها، ومن ثمّ القدرة على التحكم بها بكفاءة.
- تحليل نقاط القوة والضعف لتحسين الذات باستمرار.
توجد مجموعة مختلفة من الوظائف المحتملة لأولئك الذين يملكون الذكاء الداخلي: ريادة الأعمال، الطب النفسي، الاستشارات، الفلسفة، العلوم، الكتابة والتأليف.
6- الذكاء البصري (المكاني)
يتميز الأشخاص الذين يتمتعون بالذكاء البصري، بقدرتهم على تصور الأشياء بطريقة سهلة، إذ يكون لديهم القابلية للتعامل مع المحتوى البصري وتمييزه بسهولة، سواء أكان ذلك متعلقًا بمعرفة الاتجاهات أم الخرائط، أم الفيديوهات والصور. من أهم خصائص الأشخاص الذين يملكون الذكاء البصري:
- القدرة على فحص الصور والرسوم البيانية وتفسيرها بسهولة، وإيجاد الروابط بينها.
- الاستمتاع بالمحتوى البصري بصفة عامة، والقدرة على إنتاج مختلف الفنون البصرية.
- معرفة الأنماط المختلفة داخل المحتوى البصري بسهولة، مثل العلاقات بين الألوان، أو تحديد جوانب الخطأ في المحتوى.
- تذكر الأماكن بسهولة من خلال امتلاك ذاكرة بصرية قوية.
توجد مجموعة مختلفة من الوظائف المحتملة لأولئك الذين يملكون الذكاء البصري، مثل: الطيران، الفن والتمثيل، الهندسة المعمارية، تصميم الأزياء، طب الجراحة، التصوير، التصميم.
7- الذكاء الموسيقي
يتميز الأشخاص الذين يتمتعون بالذكاء الموسيقي بالقدرة على التعامل مع الأصوات والإيقاعات، فيمكنهم بسهولة التعرف على الأصوات المختلفة، كما تكون لديهم القدرة أكثر على التأليف والأداء الموسيقي، فهم يقدرون على تمييز الآلات المختلفة ويعرفون كيفية استخدامها. من أهم خصائص الأشخاص الذين يملكون الذكاء الموسيقي:
- الاستمتاع باستخدام الآلات الموسيقية المختلفة والعزف عليها.
- تذكر الأغاني والألحان بسهولة.
- التعرف على الأصوات المختلفة، وكذلك مختلف الأنماط والنغمات الموسيقية.
- فهم لكل ما يتعلق ببناء الموسيقى وكيفية إنتاجها.
توجد مجموعة مختلفة من الوظائف المحتملة لأولئك الذين يملكون الذكاء الموسيقي: الغناء، كتابة الأغاني، تأليف الموسيقى، تعليم الموسيقى.
8- الذكاء الطبيعي
يتميز الأشخاص الذين يتمتعون بالذكاء الطبيعي بالقدرة على الانسجام مع الطبيعة، وغالبًا تكون لديهم الرغبة في استكشاف البيئة والتعرف على متغيراتها، فهم يلاحظون ما يحدث بها من تغيرات أكثر من غيرهم من الأفراد. من أهم خصائص الأشخاص الذين يملكون الذكاء الطبيعي:
- الاهتمام الدائم بموضوعات البيئة والعلوم المرتبطة بها مثل علوم النبات، الأحياء، الحيوان.
- يحبون استكشاف البيئة والخروج في الهواء الطلق.
- يستمتعون بالمشي لمسافات طويلة في البيئة والتخييم.
توجد مجموعة مختلفة من الوظائف المحتملة لأولئك الذين يملكون الذكاء الطبيعي: الجيولوجيا، علم النبات، علم الأحياء، تنسيق الزهور وبيعها، الزراعة.
كيف تستفيد من أنواع الذكاء المختلفة في حياتك؟
ليس ضروريًا وجود جميع أنواع الذكاء المختلفة لديك في الوقت نفسه، لكن يمكنك العمل على تطوير هذه الأنواع مع الوقت، حتى تقدر على الاستفادة منها في حياتك. يمكنك فعل ذلك عبر الخطوات الآتية:
الخطوة الأولى: فكّر في أنواع الذكاء التي تملكها حاليًا
قبل أي شيء أنت بحاجة إلى معرفة أنواع الذكاء التي تملكها الآن. من المهم الحرص على تنفيذ هذه الخطوة بالجودة المطلوبة، لا سيّما إذا كنت لم تفكر قبل ذلك في مسألة أنواع الذكاء. توجد كثير من الأساليب التي تساعدك على التعرف على أنواع الذكاء:
1- التفكير في هواياتك: على الأغلب تدل هواياتك على ما تملكه من أنواع الذكاء المختلفة. مثلاً إذا كنت تحب الكتابة، فهذا قد يدل على وجود الذكاء اللغوي لديك. لذا، خذ وقتك لتحديد الهوايات التي تحبها، ومن خلالها ستقدر على التعرف على أنواع الذكاء.
2- تحليل الخبرات التي تملكها: لا شك أن الخبرات السابقة تظهر لنا الكثير عما نملكه من مهارات، سواء أكانت هذه الخبرات من العمل أم التطوع أم غيرها من الجوانب. من خلال تحليل الخبرات والمهام التي اعتدت القيام بها قبل ذلك، ستقدر على معرفة ما تبرع في تنفيذه، وما يدل عليه من أنواع الذكاء.
3- الاستعانة بالآخرين: في بعض الأحيان قد لا تكون لدينا القدرة على تقييم الذات بالكفاءة المطلوبة، لذا، في هذه الحالة يمكنك الاستعانة بالآخرين ممن تثق بآرائهم، مثل أصدقائك أو أهلك، يمكن أيضًا الاستعانة بمديرك أو زملائك في العمل. كلّما استعنت بمجموعة مختلفة من الأشخاص، ستضمن لنفسك الحصول على آراء متعددة.
بناءً على نتيجة هذه الخطوة، ستمتلك قائمة بأنواع الذكاء المختلفة التي توجد لديك. يمكن أيضًا تحديد المستوى في كل نوع ذكاء، من خلال وضع قائمة بالدرجات من 1 إلى 5، حيث كل درجة تشير إلى قيمة معينة، من ثَم يكون لديك التصور الكامل عن أنواع الذكاء الموجودة لديك، ومستواك بالتحديد.
الخطوة الثانية: فكّر في أنواع الذكاء التي قد تحتاج إليها في المستقبل
ليس ضروريًا السعي لامتلاك جميع أنواع الذكاء. أو بمعنى أدق، ليس ضروريًا السعي لامتلاك جميع أنواع الذكاء بدرجات عالية، إذ يعتمد الأمر على رؤيتك للمستقبل، وما نوع الذكاء الذي تبحث عنه. على سبيل المثال، إذا كنت تنوي العمل في وظيفة لا تعتمد على الأصوات، فقد لا يكون الذكاء الموسيقي مهمًا بالنسبة لك. لذا، لا بد من التفكير في المستقبل من خلال الإجابة عن الأسئلة الآتية:
- إذا كنت لا تعمل، ما الوظيفة التي تبحث عنها؟
- إذا كنت تعمل، هل تنوي الاستمرار في هذه الوظيفة مستقبلاً؟
- ما السلم الوظيفي لعملك؟ وما متطلباته في المستقبل؟
- هل تفكر في تبديل مجال عملك بالكامل في المستقبل؟
من خلال الإجابة عن هذه الأسئلة ستمتلك صورة عن المستقبل المتوقع لك، وبالتبعية ستعرف ما أنواع الذكاء التي ستحتاج إليها في حياتك.
الخطوة الثالثة: حدد ملامح المزيج المثالي من أنواع الذكاء
بعد الانتهاء من الخطوتين السابقتين، ستكون لديك رؤية حول أنواع الذكاء التي تملكها، وأنواع الذكاء التي ستحب امتلاكها من أجل المستقبل. حتى لا تتشتت، فأنت في هذه الحالة يمكنك تطوير المزيج المثالي من أنواع الذكاء.
يمكن إعداد هذا المزيج من خلال كتابة أنواع الذكاء وفقًا لما ترغب في وجوده لديك، لا وفقًا للموجود حاليًا فقط. مثلاً ضع جدولاً بالأنواع الثمانية للذكاء، وحدد لنفسك ما تريده في كل نوع بالضبط، وما الدرجة التي ترغب في امتلاكها بالتحديد، وما الدرجة التي تملكها الآن.
الخطوة الرابعة: ضع خطة التطوير
من خلال تحديد المزيج المثالي، ومقارنة الموجود حاليًا والمرغوب للمستقبل، ستقدر على وضع خطة التطوير اللازمة لمساعدتك على الاستفادة من أنواع الذكاء في حياتك. ستضمن لك الخطة امتلاك خطوات عملية، يمكن من خلالها تطوير الأنواع المطلوبة بطريقة صحيحة.
من المهم التأكد من وضع أنشطة فعلية تقدر على تنفيذها في حياتك. بعد ذلك لا بد من وضع جدول زمني لتنفيذ هذه الأنشطة، حتى تقدر على دمجها مع جدولك اليومي للعمل، ومن خلال ذلك تضمن التزامك بخطة التطوير، والاستمرارية في السعي لتحقيق ما تريده حقًا.
ختامًا، يمكنك الاستفادة من أنواع الذكاء المختلفة لحياتك، من خلال تعلم هذه الأنواع وتطويرها. قد يحدث الأمر من خلال أنشطة بسيطة في يومك، لكن الأهم هو إدراكك لهذا الأمر، ومحاولتك لاكتساب أنواع الذكاء وتطويرها، لتقدر على توظيفها في حياتك اليومية باستمرار.
المصادر: