يحتاج المسلمون إلى من يفتح لهم نوافذ السكينة لتدلف النفوس إلى واحات الرحمة، وتذوق طعم الراحة والطمأنينة في وسط هذا الزخم المذهل من جمود الحياة و تقلص سعادتها، وإن القرآن الكريم أعظم ما تطمئن به القلوب وتسكن وتُدفع به الهموم والغموم والوساوس.
وكثير من المسلمين يتصفح المصحف ليبحث عن آيات الاطمئنان عندما يمر بظروف خوف أو هلع، أو حتى دون هذه الظروف، فنحن جميعا نحتاج إلى السكينة في حياتنا.
وذكر الله جل وعلا في 6 مواضع من القرآن الكريم مصطلح السكينة، وكلها تتضمن هذه المعاني من الجلال والوقار الذي يهبه الله تعالى موهبة لعباده المؤمنين، ولرسله عليهم السلام.
اقرأ أيضًا: ما هو السرّ وراء الحروف المقطّعة في بدايات سور القرآن الكريم
ونسلط لكم الضوء في هذه المقالة على ما هي مواضع آيات الاطمئنان في القرآن الكريم:
ما معنى السكينة
السكينة تعني الطمأنينة كالتي يلقيها الله في قلوب عباده فتبـبعثهم على السكون والوقار، وكذلك تـثـبت قلوب المؤمنين عند المخاوف، فلا تزلزله الفتن، ولا تؤثر فيه المحن، بل تزيده إيمانا ويقينا وثقة بالله.
فإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أهمية آيات الاطمئنان لتجاوز الموقف الصعبة – والموفق من وفقه الله-.
فتأملوا نزول آيات الاطمئنان في الساعات الحرجة ولحظات الاضطراب، ثم تأملوا حساسية المواقف التي نزلت فيها تلك الآيات وتنوع أشكالها.
ما هي آيات الاطمئنان في القرآن الكريم؟
يقول ابن القيم رحمه الله في شرح منزلة - السكينة - من منازل السالكين إلى الله: هذه المنزلة من منازل المواهب، لا من منازل المكاسب، وقد ذكر الله سبحانه السكينة في كتابه في ستة مواضع، وهي:
• آية قرآنية للاطمئنان
- الأولى: قول الله تعالى: (وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) سورة البقرة - آية 248.
• الثانية: قول الله تعالى: (ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ) سورة التوبة - آية 26.
• الثالثة: قول الله تعالى: (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) سورة التوبة - آية 40.
• الرابع: قول الله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) سورة الفتح - آية 4.
• الخامسة: قول الله تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) سورة الفتح - آية 18.
• السادسة: قول الله تعالى: (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) سورة الفتح - آية 26.
مدى أثر قراءة آيات للاطمئنان على اطمئنان القلب
في الواقع لم يثبت نص من نصوص الوحي في هذا الوعد المذكور من آيات الاطمئنان، وإنما يحكى عن بعض العلماء تجربة في ذلك، قال ابن القيم في المدارج:
كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذا اشتدت عليه الأمور: قرأ آيات الاطمئنان، وسمعته يقول في واقعة عظيمة جرت له في مرضه، تعجز العقول عن حملها -من محاربة أرواح شيطانية، ظهرت له إذ ذاك في حال ضعف القوة- قال: فلما اشتد علي الأمر، قلت لأقاربي ومن حولي: اقرأوا آيات السكينة، قال: ثم أقلع عني ذلك الحال، وجلست وما بي قلبة، وقد جربت أنا أيضاً قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب بما يرد عليه، فرأيت لها تأثيراً عظيماً في سكونه وطمأنينته.
ولهذا أخبر سبحانه عن إنزالها على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين في مواضع القلق والاضطراب كيوم الهجرة إذ هو وصاحبه في الغار والعدو فوق رؤوسهم، لو نظر أحدهم إلى ما تحت قدميه لرآهما، وكيوم حنين حين ولوا مدبرين من شدة بأس الكفار، لا يلوي أحد منهم على أحد. وكيوم الحديبية حين اضطربت قلوبهم من تحكم الكفار عليهم، ودخولهم تحت شروطهم التي لا تحملها النفوس، وحسبك بضعف عمر رضي الله عنه عن حملها -وهو عمر- حتى ثبته الله بالصديق رضي الله عنه.
وفي الصحيحين عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَنْقُلُ معنَا التُّرَابَ يَومَ الأحْزَابِ، ولقَدْ رَأَيْتُهُ وارَى التُّرَابُ بَيَاضَ بَطْنِهِ، يقولُ: لَوْلَا أنْتَ ما اهْتَدَيْنَا نَحْنُ، ولَا تَصَدَّقْنَا ولَا صَلَّيْنَا، فأنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا، إنَّ الأُلَى - ورُبَّما قالَ: المَلَا - قدْ بَغَوْا عَلَيْنَا، إذَا أرَادُوا فِتْنَةً أبيْنَا أبيْنَا، يَرْفَعُ بهَا صَوْتَهُ. المصدر: صحيح البخاري
وفي صفة رسول الله في الكتب المتقدمة: إني باعثٌ نبيا أميا، ليس بفظ، ولا غليظا، ولا صخابا في الأسواق، ولا متزينا بالفحش، ولا قوالا للخنا، أسدده لكل جميل، وأهب له كل خلق كريم، ثم أجعل السكينة لباسه، والبر شعاره، والتقوى ضميره، والحكمة معقوله، والصدق والوفاء طبيعته، والعفو والمعروف خلقه، والعدل سيرته، والحق شريعته، والهدى إمامه، والإسلام ملته، وأحمد اسمه - انتهى باختصار.
- "مدارج السالكين" (2/502-504)
أدعية لجلب السكينة ودفع الخوف والقلق
إن أعظم ما يجلب السكينة والطمأنينة ذكر الله سبحانه وتعالى والاعتماد عليه وحسن الظن به والتوكل عليه، والجزم الكامل بأن الأمور كلها بيد الله، وأنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، قال الله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ {الرعد 28ـ 29}.
ومن ذلك الأذكار والأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل أذكار الصباح وأذكار المساء، ومنها عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يصبح وحين يمسي:
اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي.
ختاما، من قرأ آيات الاطمئنان في مواقف وأوقات الخوف والفزع، أو في مواقف الشبهات والفتن، أو عند الهم والغم والحزن، أو عند اشتداد وساوس الشيطان، يقرؤها رجاء أن يثبت الله قلبه بما ثبت به قلوب المؤمنين فلا حرج عليه، ورجا أن يكون له ذلك، كما كان لشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، ولكن على ألا ينسب استحباب قراءة هذه الآيات ـ وبهذه الكيفية ـ إلى الشريعة، ولا يتخذها عبادة تشبه عبادة الأذكار والأدعية الشرعية الثابتة في الكتاب والسنة.
تابع كل جديد عبر منصتنا على:
المصادر: