هل تعلم أيّ آية أعظم في القرآن الكريم؟ إنها آية الكرسي، هي أعظم آية في كتاب الله بنص الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي آية طويلة جاءت في سورة البقرة، واشتملت على معانٍ عظيمة من جهة توحيد الله وإثبات أسمائه وصفاته، وعموم علمه وقدرته جل وعلا، ولها فضائل عظيمة، وتسمى آية الكرسي لذكر الكرسي فيها.
وكثرت أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في الترغيب في قراءة آية الكرسي وجعلها وردا للإنسان في أوقاته صباحا ومساء، وعند نومه، وأدبار الصلوات المكتوبة.
تعرف في هذه المقالة إلى تفسير آية الكرسي تفسيراً مفصلاً، ولماذا هي أعظم آية في القرآن الكريم؟ وذلك لتحرص عليها وتعلمها زوجتك وأبناءك وأهلك جميعاً.
آية الكرسي
قال تعالى: «اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ».
- (آية 255) من سورة البقرة.
مكانة آية الكرسي
في صحيح مسلم عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتدري أيَّ آيةٍ في كتابِ اللَّهِ معكَ أعظَمَ؟ قال: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ فضرب بيدِهِ في صدرِهِ وقال: لِيَهنِكَ العِلمَ أبا المِنذِرِ)1.
وكانت أعظم آية لما اشتملت عليه من الأسماء الحسنى والصفات العلى لله تعالى، ونفي النقائص عنه سبحانه، قال النووي في شرح مسلم: قال العلماء: إنما تميزت آية الكرسي بكونها أعظم الآيات، لما جمعت من أصول الأسماء والصفات من الإلهية والوحدانية والحياة والعلم والملك والقدرة والإرادة، وهذه السبعة أصول الأسماء والصفات.
وكذلك لأن كرسيه سبحانه وتعالى قد وسع السماوات والأرض، وأنه لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه لكمال قدرته وكمال عظمته، وأنه العلي العلو المطلق، وهو العظيم الذي لا أعظم منه سبحانه، عظيم في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله.
وهذا بعض ما توصل إليه العلماء، وقد يكون هناك أسباب أخرى في عظمة آية الكرسي لا يعلمها إلا الله.
• فضل آية الكرسي: ورد في شرف آية الكرسي وفضلها أحاديث كثيرة ومنها، قال صلى الله عليه وسلم: (مَن قرأَ آيةَ الكرسيِّ دبُرَ كلِّ صلاةٍ مَكْتوبةٍ، لم يمنَعهُ مِن دخولِ الجنَّةِ، إلَّا الموتُ)2.
فضل قراءة آية الكرسي
• من قرأ آية الكرسي إذا أوى إلى فراشه، لا يزال عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطـان حتى يصبح.
• مَن قرأَ آيةَ الكرسي دبُرَ كلِّ صلاةٍ مَكْتوبةٍ، لم يمنَعهُ مِن دخولِ الجنَّةِ، إلَّا الموتُ.
• أن تعلم أن الله تعالى لا يثقله ولا يكترثه حفظ السماوات والأرض، بل ذلك سهل يسير عليه، فتدعوه وتطلب منه ما تريد.
• أنها آية من سورة البقرة، وكما نعلم أن لسورة البقرة فضائل عظيمة مثل، قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة".
• وقوله صلى الله عليه وسلم: "اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين: البقرة وآل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما. اقرؤوا البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة السحرة". رواه مسلم.
• وفي صحيح ابن حبان والحاكم وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن لكل شيء سناما وإن سنام القرآن سورة البقرة، من قرأها في بيته ليلاً لم يدخل الشيطان بيته ثلاث ليالٍ. صححه الحاكم وحسنه الألباني.
تفسير آية الكرسي
بعد أن تعرفت إلى فضائل آية الكرسي وفضائلها وفوائدها، إليك تفسيرها:
في قوله سبحانه تعالى: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾: إخبار بأنه المتفرد بالإلهية لجميع الخلائق، وهو الحي في نفسه، الذي لا يموت أبداً، القيّم بغيره، ومن تمام حياته وقيوميته أنه لا تأخذه سنة ولا نوم، والسِّنَة هي النعاس.
وفي قوله سبحانه تعالى: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾: إخبار بأن الجميع عبيده، وفي ملكه، وتحت قهره وسلطانه، كقوله: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾ [سورة مريم: 93 - 95].
وفي قوله سبحانه تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾: هذا من عظمته وجلاله، وكبريائه - عز وجل - أنه لا يتجاسر أحد على أن يشفع عنده إلا بإذنه، كما قال تعالى: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾ [سورة الأنبياء: 28]. وقوله تعالى: ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى﴾ [سورة النجم: 26].
وفي قوله سبحانه تعالى: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾: دليل على إحاطة علمه بجميع الكائنات، ماضيها وحاضرها ومستقبلها، كقوله تعالى إخبارا عن الملائكة: ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ [سورة مريم: 64].
وفي قوله سبحانه تعالى: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾: قال ابن كثير: أي لا يطلع أحد من علم الله على شيء إلا بما أعلمه الله - عز وجل -، وأطلعه عليه، ويحتمل أن يكون المراد: لا يطلعون على شيء من علم ذاته وصفاته إلا بما أطلعهم الله عليه، كقوله: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾ [سورة طه: 110].
وفي قوله سبحانه تعالى: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾: روى الحاكم في المستدرك من حديث ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: "الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر أحد قدره"، وهذا يدل على كمال عظمة الله وسعة سلطانه، فإذا كان هذا حال الكرسي، أنه يسع السماوات والأرض على عظمتهما وعظمة من فيهما، فكيف بالعرش الذي هو أعظم من الكرسي؟!
وفي قوله سبحانه تعالى: ﴿وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾: أي لا يثقله ولا يكترثه حفظ السماوات والأرض ومن فيهما، ومن بينهما، بل ذلك سهل عليه يسير، وهو القائم على كل نفس بما كسبت، وهو العلي بذاته، فوق عرشه، العلي بقهره لجميع المخلوقات، العلي بقدره لكمال صفاته، العظيم الذي يتضاءل عند عظمته جبروت الجبابرة، وتصغر في جانب جلاله أنوف الملوك القاهرة.
ختاما، بعد أن تعرفت إلى فضل آية الكرسي وفوائدها وتفسيرها، نوصيك أن تحرص عليها في أذكارك صباحا ومساء، وبعد الصلاة وعند الذهاب إلى النوم وتعلمها أبناءك، وبالأخص عندما يأوون إلى فراشهم.
المصادر: