قصر فاخر في قطار.. لماذا تُكلِّف هذه التحفة 350 مليون دولار؟
السفر مسافات طويلة عبر القطارات الفاخرة يأخذ طريقهُ بقوة في السنوات الأخيرة، ولكن العديد من المتغيرات تحدث في الوقت الراهن وتجعل هذا السوق مُقبلاً على انتفاضة حقيقية على مستوى المشروعات والكماليات والرفاهيات حول العالم من خلال القطارات بالغة الفخامة التي تستعد لدخول الخدمة في أكثر من بلد، وتحرص دوماً على توفير أعلى مستوى من الخدمات للركاب.
السفر عبر القطارات بشكل عام ينظر إليه من أكثر من منظور بالنسبة لمن يفضله. فبداية هو أرخص تكلفة في المسافات الطويلة من السفر بالطائرة على سبيل المثال.
وباتت تتوفر أنماط من القطارات الكهربائية التي تُعد صديقة للبيئة وهو أمر بات يوضع في الحسبان لدى شركات السفر وصانعي القطارات وكذلك بالنسبة لكثير من العملاء.
العامل الأهم أن القطارات الفارهة الجديدة تكتسب مزايا جديدة تتعلق بكماليات الفخامة، وهو ما يشكل عنصراً جديداً.
العديد من القطارات الفارهة يُنتظَر أن تدخل الخدمة، بدءاً من قطار "دولتشي فيتا" الإيطالي، الذي سيجوب إيطاليا ومناظرها الطبيعية في 10 خطوط. وكذلك قطار "ميدنايت تراينس" الذي سيخدم باريس وينقل الركاب منها إلى 12 وجهة أوروبية بمنتهى السلاسة وبأعلى درجات الرفاهية. بالإضافة إلى التنسيق الذي أعلنته السكك الحديدية النمساوية "أو بي بي" مع شركة "دوتشي باهن" الألمانية وشركة "إس إن سي إف" الفرنسية، والسكك الحديدية الفيدرالية السويسرية لإطلاق قطارات "نايت جيت" الجديدة، جنباً إلى جنب مع قطار نوم فخم بين زيورخ وبرشلونة خلال 5 سنوات، إلى غير ذلك من القطارات التي يُنتظَر أن تكون واقعاً ملموساً خلال السنوات المقبلة.
وفي خضمّ ذلك، يعتزم المُصمم الفرنسي تييري جاوجاين أن يأخذ تجربة السفر عبر القطارات إلى مناحٍ ومستويات أخرى تماما وفقا لأحدث المعايير، من خلال هذا القطار الخاص الفخم للغاية والذي يُصمم لمالك واحد، لابد أن يكون ثرياً للغاية كي يستطيع دفع تكلفته!
جاوجاين، الذي عمل مع المصمم الشهير فيليب ستارك خلال العديد من المشروعات، معروف بتصميماته لليخوت الفاخرة، ولعل أشهر اليخوت التي صممها يخت "فينوس" الشهير الذي يملكه ستيف جوبز، لكنه يقتحم المحاولة الأخيرة لتصميم القطارات عبر هذه التحفة المنتظرة.
ويوصف هذا المشروع الجديد بأنه "قصر يسير على قضبان" ويأتي بطول 400 متر، وسوف يتكوّن من 14 عربة، وبزجاج متطور تقنياً والعديد من التكنولوجيات الحديثة التي ستجعل التجربة مختلفة وغير مسبوقة على متنه.
قصر على القضبان
وقال جاوجاين في تصريحات لشبكة "سي إن إن": "هذا القطار معد لمالك واحد مميز، إنه ليس قطارا للعامة أو قطار ركاب اعتياديا، مالكه الذي نستهدفه هو شخص لابد أن يكون على دراية بكم التفرد الموجود في هذا القطار، وأن يفهم أننا لا نتحدث فقط عن وسيلة نقل، بل عن وسيلة سفر بمعنى خاص، وليس مجرد مركبة تنقلك من نقطة أ إلى نقطة ب".
وأضاف جاوجاين: "السفر لا يتعلق فقط بالسرعة، بل باستغلال الوقت بأفضل شكل ممكن، فالوقت هو الكنز الوحيد الذي نملكه".
جاوجاين يؤمن أن السفر بات متعلقا بمفهومه حاليّاً بالوقت وليس بالرحلة الحقيقية وما يمكن أن يحدث فيها، وهو يؤكد أن قطاره الجديد "جي تراين" سوف ينقل هذا المفهوم إلى مستوى آخر هو إشعار الركاب بالاستمتاع الكامل وهم ينتقلون من نقطة إلى نقطة بينما هم في طريقهم إلى أسفارهم.
يمكن للركاب على متن اليخت أن يتحكموا في الرؤية الخارجية من خلال نظام النوافذ الزجاجية التكنولوجي الذكي، فإذا كانوا يريدون أن يروا المحيط الخارجي أثناء الرحلة، يمكنهم أن يشغلوا "النمط الشفاف" في النوافذ، وإذا كانوا يريدون أن يحددوا بأنفسهم ما يرون، فيمكنهم أن يختاروا من بين مناظر مدرجة تقنياً داخل نظام النوافذ بحيث لا ينقصهم شيء، من يفضل المياه سوف يراها، ومن يفضل الخضرة سوف يراها.. إلخ.
ويعتقد جاوجاين أن الفكرة (تصميم قطار فاخر) خطرت في ذهنه لأول مرة عندما كان طفلاً، موضحا أن القطارات لطالما فتنته، شارحًا: "هناك شيء رائع في القطارات، هناك الكثير من الأفكار الحالمة التي يمكن أن ترتبط بها".
المالك المحتمل لقطار "جي تراين"
لم يتحدد المالك المرتقب لتلك التحفة بعد، ولكن جاوجاين يرى شخصا محددا كمالك لـ"جي تراين" يتمثل في المليارديرة لاورين بويل جوبز، أرملة الراحل ستيف جوبز والذي كان بينه وبين جاوجاين عديد التنسيقات خاصة في اليخوت.
وقال جاوجاين: "حينما خطرت الفكرة إلى رأسي، فكرت بها (لاورين بويل جوبز) كمستخدم محتمل".
ولكن جاوجاين يؤكد أن عليه البحث عن شخص "بنفس جنونه" لشراء القطار، الذي سيكلف مالكه نحو 350 مليون دولار أمريكي في مشروع سيستغرق على الأقل عامين ونصف العام لإتمامه بشكل كامل.
ويقول جاوجاين: "من المحتمل أن يكون الشخص الذي سيشتري القطار على موعد مع بدء فصل جديد في حياته".
وأضاف: "نحتاج إلى ترسيخ فكرة الإبطاء قليلاً في السفر الداخلي، وأن نفهم رغباتنا من السفر، ألسنا نريد الاستمتاع؟ فلم نبحث عن الوصول السريع فقط؟".
ويستهدف قطار "جي تراين" في تصميمه أن يستوعب 18 نزيلاً، وهو مضبوط بحيث يسير بسرعة 160 كيلومترا في الساعة، وسيلائم متطلبات المسير على القضبان الحديدية في أمريكا وأوروبا وفقا لمعايير تلك المناطق.
جاوجاين ليس وحيداً في هذا المشروع، فهو يستند إلى تنسيق مع شركة بناء القطارات السويسرية "ستادلير" وشركة تصنيع الزجاج "سانت جوباين" وشركة الهندسة البريطانية "إكيرسلي أوكالاجان" وشركة "مارين جراند" الأمنية، ولذلك فالأمر ممكن للغاية أن يتم تصنيع قطار بهذه المواصفات، فقط يبدأ التمويل والتنفيذ.
ويؤكد جاوجاين: "هذا القطار معقد للغاية، لأنه لا يوجد قطار يعمل على كافة أنواع القضبان في جميع أنحاء العالم ويتوافق مع معاييرها جميعاً، وهذا ما أستهدفه فيه".
التصميم الداخلي لقطار "جي تراين"
يمكن تقسيم القطار إلى قاعة ترحيب أساسية في وسط القطار، والتي تؤدي إلى منطقة الغرف الرئيسة التي تضم مكان إقامة المالك ومساحة ترفيهية، بالإضافة إلى منطقة للضيوف المميزين، وغرفة اجتماعية، وكذلك صالون ضخم مصمم خصيصا لحفلات الاستقبال.
كما سيتمكن الضيوف من الاستمتاع بتلك الحديقة الرائعة داخل القطار، الذي يمكن طي جناحين مزود بهما لعمل ما يشبه بتراسات الجلوس في العواء الطلق، وهناك يمكن أيضا أن تقام الحفلات بمنتهى الحرية دون اشتراط الإقامة داخل القطار.
لماذا بات السفر عبر القطارات أمراً مفضلاً؟
الاهتمام المتجدد بالسفر بالقطار مرتبط ارتباطا وثيقا بالمخاوف المتعلقة بالبيئة، حيث أصبح المسافرون أكثر وعياً بمخاطر الكربون وما إلى ذلك. ويقول جاوجاين إنه لم يتفاجأ من سير الأمور في اتجاه تنامي السفر عبر القطارات، بل إنه يتوقع أن يكون السفر عبر القطارات أكثر شعبية في السنوات القادمة.
ويقول عن ذلك: "القطار ليس شيئاً من الماضي، القطارات باتت أمراً حاضراً الآن، الاستدامة سبب رئيس في ذلك، فلا توجد وسيلة أكثر استدامة وعملية من القطارات، أن تحجز طائرة وتنطلق بها أمر يتطلب الوقت، كما أن الوسائل الأخرى تستهلك الكثير من الطاقة، ستصبح القطارات أكثر وسيلة تنقل في المستقبل، وما نفكر فيه من خلال هذا القطار هو صنع ما يشبه سيارة متنقلة ولكن طويلة بعض الشيء، وتستطيع أن تمنح ذلك المزيج المهم بين الفخامة القصوى وأفضل التقنيات".