محمد النغيمش يكتب: اتخاذ القرار بارتداء القبعات الست
اتَّبعَت الفضاء الأمريكية (ناسا) منهجيةً بسيطة في اتخاذ القرارات، وذلك باتّباع ما يُسمّى بـ"القبعات الستّ" التي قدَّمها المحاضر الشهير الدكتور دي بونو في كتابه "قبعات التفكير الستّ". وقد تبع ناسا شركة IBM وفديرال إكسبرس والشركتان النفطيتان Shell وBP، فضلاً عن شركة النفط الماليزية بتروناس. كما تُدرَّس هذه الطريقة في عدد من الجامعات والمدارس العالمية.
الفكرة باختصار تتمثّل في أنّها تُنظّم أسلوب تفكيرنا قبل اتخاذنا القرار، بحيث لا نخلط بين آرائنا المنطقية والعاطفية أثناء اتخاذنا القرار. فكم من قرارٍ مهم في حياتنا رفضناه لسبب لا علاقة له بالمنطق، أو لسبب منطقي بعيد عن العاطفة.
فعندما نقرر التبرع لدولة أو أسرة منكوبة أو إعطاء إجازة لزملاء أصيبوا في العمل، لا بُدّ أن نفكر بطريقة فيها شيء من التعاطف، ولا نجعل المنطق يمنعنا عن تقديم النجدة لهؤلاء المنكوبين بحجة أنّ هناك جهات مقتدرة ومتخصصة ستعينهم. عمليّاً، يجلس المشاركون في اتخاذ قرار معين لمناقشته على ست مراحل، لكلٍّ منها شروطها الخاصة في المناقشة، ويجب عدم الخروج عنها لضمان نقاش منطقيّ ومتسلسل للقرار. ويُفضَّل أن يكتب أحد المشاركين ما تنتج عنه كل مرحلة.
القبعة البيضاء
وتعني أنه قبل اتخاذنا للقرارات، لنتخيل ارتداءنا قبعة بيضاء يدخلنا في مرحلة تجميع المعلومات والحقائق عن القرار محل النقاش، من دون إبداء آراء أو ملاحظات تقييمية، مجرد سرد معلوماتي. وجاء اختياره للون الأبيض ليوحي للمشاركين في القرار بأنهم يملؤون صفحة بيضاء بمعلومات أولية، ولا شيء غير ذلك. لضمان تجميع معلومات نوعية مفيدة يُفضَّل طرح أسئلة محددة وليست مفتوحة، على سبيل المثال لا الحصر: كم عدد الذين سيتأثرون من قرارنا؟ كم سيكلفنا هذا القرار؟ أين سيُطبَّق ومن سينفّذه؟
القبعة الحمراء
في هذه المرحلة يتم التطرق لـ«الجانب العاطفي فقط» من دون تقييم هذه المشاعر، حتى ولو رآها البعض مبالغاً فيها، فالمقصود إعطاء فرصة للمشاركين في البوح بما يكنّونه من إحساس داخلي تجاه القرار، كقبولهم أو رفضهم أو تخوفهم أو حدسهم تجاهه. وتكمن أهمية هذه المرحلة في فصلها بين عواطفنا وانفعالاتنا وبين أفكارنا المنطقية تجاه القرار.
القبعة السوداء
حينما يرتدي المجتمعون القبعة السوداء فإنهم في مرحلة الحذر. هذه المرحلة يُتناول فيها جانب المخاطر في القرار وسلبياته والعوائق المتوقعة بشكل عام. كثيراً ما يُساء فهم هذه المرحلة، حيث يعتقد البعض أن نتائجها تفضي إلى استبعاد المشاركين لقرار ما، ولكن ليس بالضرورة حدوث ذلك، فقد نخرج من هذه المرحلة بنتائج مشجعة على اتخاذ قرارنا.
فالعائلة التي ترتدي القبعات السوداء، لتقرر موعد شراء بيت جديد، ربما تكتشف (بعد البحث عن المخاطر والعوائق) عدم وجود مخاطر أو عوائق أصلاً، تعيق شراء البيت في الموعد المحدد سلفاً. لا داعي للقلق أو التهرّب من هذه المرحلة فقد تكون هي المشجعة على اتخاذ القرار المنتظر. أثناء ارتداء القبعة السوداء يتطلب منا الحذر قبل الإدلاء بأي رأي لكي لا نضعف قرارنا برأيٍ مُجحف أو متساهل. القبعة السوداء تُخبرنا بما قد يحدث من مساوئ أثناء أو بعد تطبيق القرار المقترح.
ويجب أن نعي جميعاً مدى تناسب هذا القرار مع النظم والقوانين في بيئة القرار من عدمه، أو هل يتناسب مع أخلاقياتنا وقيمنا، وهل يتناسب مع خبرات منفذيه أو المشاركين في صنعه.
القبعة الصفراء
حينما يتم ارتداء القبعة الصفراء فذلك يعني التفكير في القرار المقترح بطريقة تفاؤلية. واللون الأصفر يرمز إلى شمس الصباح التي يُنظَر إليها بعين التفاؤل والأمل، عند بدء يوم جديد. القبعة الصفراء عكس السوداء لأنها تنظر إلى الجانب المشرق في القرار المقترح. ليس لهذه المرحلة علاقة بـ«عواطفنا السعيدة» تجاه القرار لأنها أمور تقع تحت قبعة العواطف الحمراء. القبعة الصفراء تُسلّط الضوء على ما يتضمنه قرارنا من احتمالات إيجابية يتوقع حدوثها. وليس هناك أي أفكار جديدة، فذلك شأن القبعة الخضراء كما سنرى.
القبعة الخضراء
لمّا يرتدي المجتمعون قبّعاتهم الخضراء ففي ذلك إشارة إلى بدء المشاركين في التفكير الإبداعي. والبحث عن بدائل أفضل هي سمة هذه المرحلة، وفيها كذلك يجد المشاركون أنفسهم مستغرقين في تفكير عميق للبحث عن أفكار جديدة. لذا يُفضَّل استخدام كل الأساليب المساعدة على تحفيز طرق التفكير الإيجابي.
القبعة الزرقاء
روعة هذه القبعة أن من خلالها تتضح الرؤية! حيث يبدأ المشاركون بتدبر ما نوقش والبحث عن أفكار جديدة لم تُناقَش بعد، وذلك للاقتراب من القرار السليم. هذه المرحلة الزرقاء كما يصفها الدكتور دي بونو كمن ينظر إلى «السماء الزرقاء في لحظات التأمل والتدبر العميق». في النهاية يجري اختيار القرار المناسب.
كما لاحظنا فإنّ هذه القبعات الست تساعدنا على تنظيم طريقة تفكيرنا للوصول إلى القرار الرشيد بدلاً من خلط الأوراق ووأد الأفكار في مراحل مبكرة.
علِّق «القبعات الست» على جدار مكتبك
القبعة البيضاء: تجميع المعلومات والحقائق من دون إبداء أي آراء أو ملاحظات تقييمية.
القبعة الحمراء: تفريغ العواطف والانفعالات تجاه القرار المقترح، من دون تقييمها.
القبعة السوداء: ذكر مساوئ القرار وعقباته لتجنبها.
القبعة الصفراء: النظر إلى الجانب المشرق في القرار بطريقة تفاؤلية.
القبعة الخضراء: البحث عن بدائل إبداعية للقرار المقترح.
القبعة الزرقاء: تدبّر ما سبق مناقشته وإكمال النواقص إن وجدت، ثم اتخاذ القرار المناسب.