قيام الليل في رمضان من العبادات التي لها فضائل جمة تعود على المسلم بالنَّفع في دُنياه وبالفوز في آخرته، وهي عبادة تصل القلب بالله تعالى، وتجعله قادراً على التغلب على مغريات الحياة الفانية.
وسنّ أداء قيام رمضان بالصلاة والعبادات المشروعة، وعلى الرغم أن كل ليالي رمضان أيام فضيلة ومباركة، فإن ليلة القدر اختصت بفضل وثواب عظيم في هذا الشهر، ففي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ".
ويُستحسن اختصاص العشر الأواخر من رمضان بإطالة الصلاة من قيامٍ، وركوعٍ، وسجودٍ، ودعاء، لأن فيها ليلة القدر، وسنتحدث معكم في السطور القادمة عن صلاة ليلة القدر.
فضل صلاة ليلة القدر
- أولاً: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشرة الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها بالصلاة والقراءة والدعاء، فروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: «كان إذا دخل العشرة الأواخر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر» ولأحمد ومسلم: «كان يجتهد في العشرة الأواخر ما لا يجتهد في غيرها».
- ثانياً: حث النبي صلى الله عليه وسلم على قيام ليلة القدر إيمانا واحتسابا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» (رواه الجماعة إلا ابن ماجه)، وهذا الحديث يدل على مشروعية إحيائها بالقيام.
- ثالثا: شُرع دعاء ليلة القدر في هذه الليلة المباركة لقوله والإلحاح على الله به لنيل الفضل والثواب.
كيفية صلاة ليلة القدر
تؤدى صلاة ليلة القدر بتأدية صلاة قيام الليل، وتتنوع صلاة قيام الليل في رمضان ما بين تهجد وتراويح.
وصلاة التراويح هي نافلة معروفة في رمضان بعد العشاء، وعندما سُئلت عائشة رضي الله عنها: كيفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في رَمَضَانَ؟
فقالت: ما كانَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَزِيدُ في رَمَضَانَ ولَا في غيرِهِ علَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً؛ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فلا تَسَلْ عن حُسْنِهِنَّ وطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فلا تَسَلْ عن حُسْنِهِنَّ وطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا. قالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ فَقالَ: يا عَائِشَةُ، إنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ ولَا يَنَامُ قَلْبِي) - صحيح البخاري
شرح الحديث:
كان الصحابة رضي الله عنهم والتابِعون حَريصينَ على التزام هَدْيِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في جَميعِ أقوالِه وأفعالِه، ومِن ثَمَّ كانوا يَسأَلون عمَّا خَفِيَ عنهم، ومِن ذلك هَدْيُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في قيام الليل.
وفي هذا الحَديثِ يَسأَلُ التابعيُّ أبو سَلَمةَ بنُ عبدِ الرَّحمنِ أمَّ المؤمنينَ عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها عن صَلاةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في قِيامِ اللَّيلِ في رَمَضانَ، فأخبَرَتْه أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يُصلِّي إحدى عَشْرةَ رَكْعةً، وكان لا يَزيدُ عليها في رمضانَ ولا غَيرِه مِن الشُّهورِ؛ فأحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ ما داوَمَ عليه صاحِبُه.
وقد ورَدَ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في عَدَدِ ركعاتِ القِيامِ غيرُ ذلك، ومِن ذلك رِوايةُ البخاريِّ: سُئِلَت أمُّ المؤمنينَ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها عن صَلاةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ باللَّيلِ، فقالت: «سَبْعٌ، وتِسعٌ، وإحدى عَشْرةَ، سِوى رَكعتَيِ الفَجرِ»، وهذا الاختلافُ مَحمولٌ على اختلافِ الأوقاتِ والأحوالِ.
ثُمَّ تَصِفُ أمُّ المؤمنينَ عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها صِفةَ صَلاةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في اللَّيلِ بأنَّه كان يُصلِّي أربعًا، فلا تَسأَلْ عن حُسنِهنَّ وطُولِهنَّ، ثمَّ يُصلِّي أربعًا، فلا تَسأَلْ عن حُسنِهنَّ وطُولِهنَّ.
فصَلاتُه كانت في النِّهايةِ مِن كَمالِ الحُسنِ والطُّولِ، حتَّى إنَّ صَلاتَه مُستَغْنيةٌ -لظُهورِ حُسنِها وطُولِها- عن السُّؤالِ عنهما والوَصْفِ، والمرادُ: بَيانُ ما كان عندَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن خُشوعٍ وطُمأنينةٍ، وجَودةِ القِراءةِ، وطُولِ القِيامِ والرُّكوعِ والسُّجودِ.
والأربعُ رَكعاتٍ كانتْ بتَسليمةٍ واحدةٍ، وما ورَدَ في الحديثِ المُتَّفقِ عليه مِن حَديثِ ابنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما: «أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يُصلِّي صَلاةَ اللَّيلِ مَثْنى مَثْنى»، محمولٌ على أوقاتٍ أُخرى، أو أنَّ الأربَعَ المذكورةَ هنا كان يُسلِّمُ فيهنَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيْن كلِّ رَكعتينِ، ثمَّ يَجلِسُ أو يَنامُ، ثمَّ يُصلِّي أرْبعًا أُخرى، وعلى هذا تكونُ رِوايةُ التَّسليمِ مِن رَكْعتينِ مُفسِّرةً لهذه الرِّوايةِ.
صلاة التراويح
في هذه الفقرة نستفيض في صلاة التراويح لتأدية صلاة ليلة القدر في رمضان:
سبب تسمية صلاة التراويح:
سميت التراويح بهذا الاسم لأن الناس كانوا يطيلونها جداً، فكلما صلوا أربع ركعات استراحوا قليلاً.
وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في قيام رمضان بقوله: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه". متفق عليه.
فينبغي للمسلم الاعتناء بصلاة التراويح، والحرص الشديد على أدائها.
حكم صلاة التراويح:
صلاة التراويح سنة مؤكدة، ثبتت بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي من النوافل التي تُشرع لها الجماعة في رمضان.
وقت صلاة التراويح:
تُصلى في رمضان من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، وهي سنة للرجال والنساء.
صفة صلاة التراويح:
السنة أن يصلي الإمام بالمسلمين صلاة التراويح إحدى عشرة ركعة، وهذا هو الأفضل، وأحياناً يصليها ثلاث عشرة ركعة، يصلي كل ركعتين بسلام، وهذا هو الأفضل، وأحياناً كل أربع بسلام، يفعل هذا مرة .. وهذا مرة .. إحياء للسنة.
عدد ركعات صلاة التراويح:
اختلف السلف الصالح في عدد الركعات في التروايح والوتر معها، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
والتراويح إن صلاها كمذهب أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد: عشرين ركعة أو كمذهب مالك ستا وثلاثين، أو ثلاث عشرة، أو إحدى عشرة فقد أحسن، كما نص عليه الإمام أحمد لعدم التوقيف فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره.
صلاة الشفع والوتر
في ختام صلاة ليلة القدر تُصلّى صلاة الشفع والوتر على شكل ثلاث ركعات، وتُقرأ سورة الفاتحة وسورة الأعلى في الركعة الأولى، وتُقرأ سورة الفاتحة وسورة الكافرون في الركعة الثانية، ثم يسلم، وهذه الركعتان هي التي تسمى بالشفع.
أما صلاة الوتر فهي ركعة واحدة تتبع الركعات السابقة، ويُقرأ فيها سورة الفاتحة والإخلاص ثم يركع.
ووردت طريقة الصّلاة عن الرّسول عليه السّلام في الحديث الشريف: (أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ كانَ يوتِرُ بسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وقُلْ يَا أيُّهَا الْكَافِرُونَ، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَكانَ يقولُ: سبحانَ الملِكِ القدُّوسِ ثلاثًا، ويرفعُ صوتَه بالثَّالثةِ).
ويجوز للمصلي أن يُصلي الركعاث الثلاث مُتصلة، ولكن لا يقعد فيها للتشهد الأوسط، وذلك حتى لا تتشابه بصلاة المغرب، وإنما يقعد فيها قعوداً واحداً وهو للتشهد الأخير، كما يمكن أن يوتر بخمس، أو سبع، أو تسع، أو إحدى عشرة ركعة.
ختاما، كانت هذه صلاة ليلة القدر وصفتها، ويمكنكم الرجوع إلى أدعية مستحبة في رمضان لتعلم الأدعية التي يشرع قولها في رمضان وغير رمضان، راجين المولى أن يتقبل منا ومنكم.
المصادر: