يمر الوقت وتتغير الظروف، لكن تظل القصص هي المؤثر الثابت في عالم الإنسان. نحب جميعًا قراءة القصص والاستماع إليها، تؤثر بنا مثلما لا يفعل أي شيء آخر. لذا، يمكن توظيف القصص دائمًا في كل شيء نقوم به، حتى في التسويق. بل إنّ استخدام القصص في التسويق له فاعلية كبيرة. إذًا، كيف يمكنك استخدام القصص في التسويق لمشروعك؟
لماذا نهتم بالقصص في التسويق؟
في الحقيقة لا نستخدم القصص لمجرد أننا نراها شيئًا جميلًا وممتعًا. لكن لأنّها تقدم العديد من الفوائد التسويقية، وتسهّل علينا التسويق لجميع الأفراد الذين نستهدفهم، فرواية القصة هي لغة عالمية. ومن أهم الأسباب للاهتمام بالقصص في التسويق:
1- ترسيخ وتبسيط المفاهيم
هل جربت من قبل شرح فكرة جديدة لشخصٍ آخر؟ في الأغلب لا يكون هذا سهلًا أبدًا، لا سيّما إذا كان المفهوم ذاته معقدًا، ولا يمكن استيعابه بسهولة. فكيف سيمكنك توصيل رسالة تسويقية لفكرة صعبة، وترغب في الوقت ذاته أن تعلق في أذهان الجمهور؟
هنا يأتي دور الحكي، إذ يمكننا من خلال القصص تبسيط الأفكار، وتوضيح ما نريده دون أي تعقيد. على سبيل المثال، عندما أرادت شركة Apple التسويق لمنتجاتها من أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية، استخدمت القصص من الحياة الواقعية، لتوضيح كيف ستكون منتجاتهم مفيدة للجمهور، بدلًا من الاعتماد على شرح مصطلحات تقنية، لن يفهمها الجميع.
2- القصص تجمع الناس معًا
القصص هي لغة عالمية يستخدمها الجميع، ولكل ثقافة مجموعة من القصص والحكايات الخاصة بها. تساعد القصص في جمع الأشخاص معًا، فنحن بإمكاننا فهم المشاعر مهما اختلفت لغتنا، جميعنا نعرف الأمل واليأس، السعادة والحزن، الهدوء والتعصب.
بالتالي، يمكن لاستخدام القصص جمع الناس معًا، حتى مع اختلافاتهم الدينية أو الجنسية أو السياسية أو غيرها. سيكون بالإمكان من خلال القصص التركيز على جوانب محددة فقط، يفهمهما الكل ويقبلها دون أي مشكلة، ويسهّل على العلامات التجارية إنشاء المجتمعات الخاصة بها.
3- القصص ملهمة ومحفزة
استكمالًا على النقطة الماضية، فإنّ القصص تلهم وتحفز الأفراد، وتمكّن العلامات التجارية من الاستفادة من مشاعر الأفراد الإيجابية ناحيتها، لخلق حالة من الولاء لها. عندما يتحفز العميل، فإنّه يشعر بالامتنان لمن قاده إلى هذا الشعور.
بالتالي، يمكن للعلامة التجارية تسويق عملها من خلال القصص، والتركيز على الاستفادة منها في إلهام وتحفيز الجمهور، وهو ما سيؤدي مع الوقت إلى حصولها على عملاء لديهم حالة من الانتماء لها.
كيف يمكنك صياغة قصة جيدة؟
عليك إدراك أنّ استخدام القصص في التسويق، لا يقتصر فقط على استهداف صياغة قصة جيدة من ناحية المكونات الأدبية، لكن كذلك يجب أن تتوافق مع مشروعك. لذا، عليك الربط باستمرار ما بين المكونات والمشروع. يمكنك صياغة قصة جيدة عبر الخطوات التالية:
1- الشخصيات: لا بد للقصة من امتلاك مجموعة من الشخصيات، على الأقل شخصية واحدة تدور حولها الأحداث في القصة. الأفضل هو الربط ما بين جمهورك وبين الشخصيات، فإذا أمكنك استلهام الشخصية من عملائك، والأحداث اليومية الخاصة بهم، سيزداد أثر القصة، وستزيد من اتّخاذهم للإجراء بعد الانتهاء من القصة.
2- الصراع: تتمثل القصة من مجموعة من الأحداث، يكون الصراع هو محورها الأساسي، وما هي المشكلة التي تعاني منها الشخصية، حتى نصل في النهاية إلى قمة الصراع، وهي العقدة. إذا أمكنك اختيار الصراع من أبرز التحديات التي يعاني منها جمهورك، سيزيد هذا من قوة القصة.
3- الحل: يعني الحل في القصة هو انفراط العقدة وانتهاؤها. بالتالي في نهاية قصتك، ما هو الحل الذي ستعرضه في القصة؟ ومن خلاله تمكنت الشخصيات من التعامل مع العقدة. عندما يكون الحل مرتبطًا مع منتجك، ويعالج تحديات العملاء، فهذا يزيد من قناعتهم بما تقدم، ويجعلهم يتّخذون الإجراء المطلوب.
4 خطوات لصناعة قصتك
في النهاية الهدف ليس فقط سرد قصة مميزة من الناحية الأدبية، لكن أيضًا من الناحية التسويقية. لذا توجد مجموعة من الخطوات الواجب اتّباعها من أجل صناعة القصة، واستخدامها في التسويق بشكل مناسب. تتكون عملية صناعة القصة من الخطوات الأربعة التالية:
1- حدّد من هو جمهورك
ترى من هو الجمهور الذي ينتظر ليستمع إلى قصتك؟ تمثل هذه الخطوة ركنًا أساسيًا في تصميم عملية صناعة القصة. إذ ستعتمد الصياغة على هذه الخطوة، فإذا قمت بها بأي خطأ، سيؤدي ذلك إلى مشكلة في بقية الخطوات، حتى مع تنفيذها بالشكل المناسب.
عندما تنجح في تعريف جمهور قصتك، سيساعدك ذلك على معرفة طبيعة العملاء، وسيمكنك استلهام شخصياتك من خلالهم. مثلًا نقاط الألم الخاصة بهم، هي التحديات التي ستبني الصراع حولها، وهكذا. كما سيساعدك ذلك في معرفة اللغة المناسبة لاستخدامها مع الجمهور.
2- حدّد هدفك ورسالتك الأساسية في القصة
يمكن أن تكون قصتك صفحة واحدة، أو عشراً. يمكن أن تكون دقيقة واحدة، أو عشر دقائق. أيًا يكن حجم المحتوى في القصة، لا بد من امتلاك هدف محدد ورسالة أساسية، ترغب في وصولها إلى الجمهور عند الانتهاء من القصة. بدون هذه الرسالة، ستقدم قصة ناجحة لكنّها لا تصنع التأثير المطلوب.
هل ترغب من القصة في بيع منتجاتك؟ أم ترغب فقط في شرح آلية عملها نتيجة لعدم فهم الجمهور لها؟ أم أنّ القصة تستهدف فقط نشر الوعي بعلامتك التجارية؟ قم بكتابة هدفك ورسالتك في كلمات بسيطة، وضعها أمامك أثناء صياغة القصة.
3- اختر الشكل المناسب لعرض قصتك
يمكن عرض القصص بالعديد من الطرق، من خلال فهمك لجمهورك، وبناءً على هدفك ورسالتك التسويقية، سيكون بإمكانك اختيار الشكل المناسب لعرض القصة.
كذلك سيتحكم في الأمر الموارد التي تملكها، سواءً الوقت المتاح لك لإنتاج القصة، أو الميزانية المخصصة لها. من المفيد الدمج بين الأشكال المختلفة في القصص في الخطة التسويقية. من أهم أشكال عرض القصص:
- القصة المكتوبة: يمكن عرض القصة المكتوبة بطرق مختلفة، سواءً في مقال على المدونة، أو منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، أو في كتاب. تتكون القصة من نص إلى جانب إمكانية تضمين بعض الصور. يعد هذا النوع هو الأفضل من ناحية التكلفة، لذا يمكن تضمينه باستمرار، إلى جانب أي أنواع أخرى.
- القصة المنطوقة: تُسرد القصص المنطوقة شخصيًا بواسطة الأفراد، مثل العروض التقديمية في الفاعليات المختلفة، فهذه القصص تُبث مباشرةً بدون تعديل، تعد المشاركات في منصة TED قصصًا منطوقة. تحتاج هذه القصة إلى مهارات في العرض والتأثير، فهي تُلقى مباشرةً ولا يمكن تعديل أو تحرير محتواها.
- القصة الصوتية: هي قصص منطوقة لكنّها مسجلة مسبقًا. على الأغلب فالشكل الأمثل للقصة الصوتية هو البودكاست. يحتاج البودكاست إلى إمكانيات في الصوت، مع وجود العديد من خدمات استضافة البودكاست مثل جوجل بودكاست وآبل بودكاست، وهو ما يجعلها طريقة قابلة للتطبيق أيضًا.
- القصة المرئية: تأخذ القصة المرئية شكل العرض في الفيديوهات، ويمكن تسميتها أيضًا بالقصة الرقمية. يمكن عرضها من خلال فيديو اعتيادي أو فيديوهات الرسوم المتحركة. تعطي القصة المرئية الأثر الأكبر على الجمهور غالبًا، لاكتمال جميع العناصر بها، ما بين الاستماع والرؤية، لكنّها أيضًا الأكثر تكلفة.
4- تجهيز ونشر القصة
بعد الانتهاء من تحديد أنواع القصص، ومعرفة معدل تكرار نشرها المطلوب، يمكنك البدء في تجهيز القصة بالشكل النهائي. يبدأ الأمر بتجهيز مخطط القصة (Storyboard)، ثم بعد ذلك تحويل المخطط إلى الشكل الأخير وفقًا لنوع القصة.
من المهم تضمين دعوة لاتّخاذ إجراء تتفق مع النوع المحتوى، والهدف الذي تريده. مثلًا بعد الانتهاء من القراءة، هل ترغب أن يقوم بشراء المنتج؟ من الأشياء المهمة عند اختيار الدعوة، أن تربطها مع نوع القصة التي تقدمها، وتسجّل هذا بالشكل الصحيح في مخطط القصة.
إذ عندما تكون القصة منطوقة، وتقول للجمهور اكتب تعليقك، فهذا إجراء لا يتفق مع ما تقدمه. قد ترى الأمر بسيطاً، لكنّه يؤثر في جمهورك عند لحظة الحسم، ولا ترغب في خسارة مجهودك، نتيجة لخطأ بسيط في الصياغة. عند الانتهاء من القصة، يمكنك مراجعتها والتأكد من المحتوى للمرة الأخيرة، ثم بعد ذلك نشرها على المنصات المحددة، وترويجها بالشكل المناسب وفقًا للميزانية المحددة.
ستظل القصة من أهم الأدوات التي يمكن استثمارها في التسويق بالشكل المناسب، وتتوافق مع جميع أنواع العلامات التجارية. يحتاج الأمر فقط إلى التخطيط الجيد، واختيار قصة تتوافق مع جمهورك، فهل أنت مستعد لتحكي قصة مشروعك الآن؟
المصادر: