كيف تستخدم عجلة توازن الحياة في تحديد أهدافك؟
بداية عام جديد، شهر آخر في حياتك، أو أي فترة تعدها بمثابة نقطة انطلاق لك. تمسك قلمك وأوراقك، وتبدأ في تسجيل مجموعة من الأهداف التي ترغب في تحقيقها، كثيرًا ما يكون الأمر مبالغًا به، مدفوعًا بالرغبة في التخطيط فقط، وبالتالي تجد نفسك تضع أهدافًا صعبة، قد تكتشف في النهاية أنّها لا تتفق مع شخصيتك في الأساس.
لذا، بدلًا من هذا الأمر، أنت بحاجة إلى استخدام طريقة أخرى، تساعدك على تطوير مجموعة متكاملة من الأهداف، التي ترتبط مع جميع جوانب حياتك. وهذا هو ميزة هذه الأداة، قدرتها على الربط بين الأهداف وبين نموك في الحياة، فإذا كان الهدف لا يُحقق لك النمو، فما قيمته؟ هذه الأداة هي عجلة توازن الحياة.
ما هي عجلة توازن الحياة (Life Balance Wheel)؟
تعد عجلة توازن الحياة، أو كما تعرف في بعض الأحيان بعجلة الحياة، بمثابة أداة تستخدم في عملية التقييم الذاتي، يعتمد عليها العاملون في مجال التدريب والاستشارات. تعد الميزة في الأداة، هي أنّها تعرض لك جوانب الحياة الأكثر أهمية في حياتك، وتساعدك على تحديد مدى التوازن بين هذه الأشياء.
إذ يمكنك من خلالها التعرّف على مدى جودة أدائك في 8 مجالات مختلفة في حياتك، ثم التعرّف على درجة الرضا لديك عن كل مجال من هذه المجالات. من خلال هذه المعلومات، سيكون بإمكانك تحديد أهداف في المجالات التي لا تشعر بالرضا عنها بعد، حتى تصل إلى المزيد من التوازن في حياتك.
الخطوة الأولى: إعداد العجلة الخاصة بك
الخطوة الأولى هي التعرّف على مجالات الحياة التي تهمك، إذ يختلف الأمر من شخص لآخر، وفقًا لاهتماماته في الحياة بشكلٍ عام، وكذلك اهتماماته في الفترة الحالية. فالعجلة متغيرة، واختيار الأهداف يتفق مع هذا التغير، لا معنى لتسليط الضوء على شيء لا تحتاج إليه في الوقت الحالي.
لكن من ناحية أخرى، هناك بعض المجالات التي من المهم تضمينها دائمًا، وذلك لأنّها مطلوبة باستمرار، ولا يمكن إهمالها، ولعل هذا أحد الأخطاء التي يرتكبها الناس أحيانًا، عدم التفكير في هذه المجالات. على سبيل المثال، لا بد من الاهتمام بالصحة الجسدية دائمًا، هذا يجب ألا يكون هدفًا لفترة مؤقتة من الحياة، بل مستمرًا طوال الوقت.
لذا، أول شيء عليك فعله هو إحضار ورقة، وتقسيمها بذات الشكل الموجود في الصورة بالأعلى، من خلال رسم دائرة، وتقسيمها إلى ثمانية أجزاء متساوية، وأعطِ اسما لكل قسم، وفقًا للمجالات التي حددتها لحياتك. مثلًا المجالات الموجودة في الورقة بالأعلى هي: الصحة الجسدية – الروحانيات – العلاقات – الإبداع – تطوير الذات – الأمور المهنية والمالية – الرؤية الشاملة للحياة – الحالة العاطفية الجيدة.
في بعض الأحيان يبدأ الناس بتحديد 6 مجالات فقط، وذلك لصعوبة تحديد المجالات بسهولة في البداية، إلى جانب رغبتهم في التركيز على هذه الجوانب فقط. في النهاية يعود الأمر إلى اختيارك، لكن الأساس هو ثمانية، لمنحك تركيزا على أكبر قدر من الجوانب الأكثر أهمية في حياتك، لا مجرد فقط الاختيار لكتابة العجلة الخاصة بك.
بالطبع تحدد المجالات الخاصة بك كما ذكرنا وفقًا للوضع الحالي. مثلًا إذا كنت ما زلت في مرحلة الدراسة، أيًا يكن مستوى الدراسة، ثانوية أو جامعة أو دراسات عليا، ستحتاج إلى تخصيص جزء للتعليم. إذا كنت متزوجًا فسيكون لديك جزء خاص بالعائلة، وهكذا. ومع الوقت يمكنك تغيير هذه الأشياء وفقًا للوضع الحالي.
الخطوة الثانية: الربط بين نقاط العجلة
الآن بعد تحديد مجالات الحياة الأكثر أهمية، أنت بحاجة إلى تحديد درجة رضاك في كل مجال منها. أنت لديك دائرة، وفي نهاية كل حافة خارجية هناك اسم مجال في الحياة. مركز العجلة يعني درجة رضاك هي 0%، والحافة الخارجية هي 100%.
خذ وقتك للتفكير جيدًا، وحدّد بعد ذلك درجة رضاك الحقيقية. تذكّر هذه العجلة الخاصة بك، فلن يراها أحد، وبالتالي ليس المطلوب هو إقناع ذاتك أنّ كل شيء يسير على ما يرام، لكن حاول الوصول إلى الوضع الأقرب حقًا للواقع.
بعد الانتهاء من تسجيل النقاط، كل نقطة في موضعها وفقًا لدرجة رضاك، يمكنك التوصيل بينهم جميعًا في دائرة. الشكل النهائي الذي يظهر لك يمثل العجلة الخاصة بك، بالطبع ربما تشعر أنّه شكل عشوائي، لكنّه يعبّر عن واقع حياتك أنت بالفعل، وعلى الأغلب لن تتشابه عجلتك مع أحد، وهذه ميزتها، أنّها تساعد كل فرد في تحديد أهداف ذات مغزى لحياته.
من المحتمل وجود صعوبة بالنسبة لك في تحديد درجة الرضا عن كل مجال، فمن المتوقع إمّا مبالغة في تقدير المجالات بالإيجاب وإما بالسوء. لذا، أفضل شيء تفعله في هذه الحالة، هو أن تبدأ في وضع أسئلة ترتبط بالمجالات التي حددتها، للإجابة عنها حتى تساعدك في تكوين الصورة النهائية. مثلًا فيما يتعلّق بالأجزاء الثمانية التي سجلناها في الخطوة الأولى، يمكن أن تكون الأسئلة كالتالي:
1- الصحة الجسدية: ما هو النظام الغذائي الذي تتبعه بشكلٍ عام؟ هل لديك أي رغبة في تعديل طريقة تناولك للطعام؟ كيف تصف شعورك خلال اليوم؟ هل تحصل على قدر جيد من النوم؟ هل تمارس أي تمرينات؟
2- الروحانيات: ما مدى تناغمك مع معتقداتك؟ هل تمارس واجباتك الدينية باستمرار؟ هل تشعر بوجود أي مشكلة روحية لديك؟
3- العلاقات: هل لديك أسرة أو أصدقاء مقربون؟ هل تخصص جزءًا من يومك لهم؟ هل تقضي وقتًا ممتعًا عندما يأتي هذا الجزء في اليوم؟ هل يسهل عليك التواصل مع الآخرين؟ هل تشعر بالرضا عن العلاقات التي تملكها في حياتك؟
4- الإبداع: هل لديك طريقة تعبّر بها عن الإبداع؟ هل تستخدم هذه الطريقة بقدرٍ جيد في حياتك؟ هل لديك رضا عن قدراتك الإبداعية؟
5- تطوير الذات: هل تعرف الأشياء التي ترغب في تطويرها لديك؟ هل تمارس أنشطة تساعدك على التطور الشخصي بالفعل؟ هل تشعر بالرضا عن التطور الشخصي في الفترة الأخيرة؟
6- الأمور المهنية والمالية: هل تشعر بالرضا عن وضعك المهني الآن؟ هل هذه هي الوظيفة التي تحلم بها أم ترغب في تبديل مسارك؟ هل تملك وضعًا ماليًا جيدًا يشعرك بالأمان المالي؟
7- الرؤية الشاملة للحياة: ما هو مقدار سعادتك بالاتجاه الذي تسير به في حياتك الآن؟ هل تملك رؤية واضحة لمستقبلك؟ هل تشعر بالرضا عن الخطوات التي تقوم بها للوصول لهذه الرؤية؟
8- الحالة العاطفية الجيدة: هل تشعر بالتوازن العاطفي في حياتك؟ كيف يمكنك التعامل مع مشاعرك؟ وكيف تفهم الأشياء التي تمر بها المتعلقة بعواطفك؟
بالطبع هناك المزيد من الأسئلة. في النهاية تدور الأسئلة في إطار واضح ومحدد، وهو محاولة الوصول إلى تحديد للوضع الحالي، وفقًا للمواقف التي تمر بها في حياتك، وتقييم الأمور من داخلك، بالتالي يؤدي هذا إلى تعريف أقرب صورة ممكنة للواقع.
يمكنك أيضًا الاستعانة بأدوات موجودة على الإنترنت، تمكنك من ممارسة تقييم عجلة توازن الحياة، وتعطي لك الرسم الأخير، بدلًا من فعل ذلك بنفسك. هذه الأداة مثلًا تفعل ذلك، لكنّها تحدد لك جوانب معينة، إذا كان هناك أي جزء لا يتفق معك يمكنك تجاوزه. في النهاية الأهم هو الخروج من هذه الخطوة بامتلاك تصورًا واضحًا عن عجلة توازن الحياة الخاصة بك.
الخطوة الثالثة: التفكير وتحديد الأهداف
الآن، أنت لديك تصور مكتمل لعجلة حياتك. انظر إليها وفكّر: كيف يمكنك إنشاء عجلة أكثر توازنًا؟ ما هي مجالات الحياة المهمة بالنسبة لك وتشعر أنّها تتطلب المزيد من تركيزك الآن؟ ربما تكون هي النقاط ذات أقل درجة رضا لديك، أو الأهم بالنسبة لك في الوضع الحالي. بعد الانتهاء من هذه الملاحظات، يمكنك البدء في تحديد أهداف لكل مجال من هذه المجالات.
حتى إذا كان المجال يحقق لك درجة عالية من الرضا، لا بد من وجود مجموعة أهداف له، إذ هذا يمنحك الفرصة للنمو، والأهم أنّ بعض هذه المجالات تحتاج إلى الاستمرارية طوال الوقت، فإذا توقفت عنها لفترة، ستخسر الكثير مما أنجزته، وستضطر إلى العودة لنقطة الصفر مستقبلًا. إليك بعض الأهداف على ذات المجالات بالأعلى، لمساعدتك في تحديد أهدافك.
1- الصحة الجسدية
- التمرين لمدة 10 دقائق يوميًا، مع زيادة عدد الدقائق في نهاية كل شهر.
- الالتزام بجدول ثابت للعمل، والحصول على فترات راحة مناسبة، وكذلك أيام للإجازة.
- تناول طعام صحي.
- الحرص على شرب 5 أكواب من المياه يوميًا على الأقل.
2- الروحانيات
- الالتزام بالصلاة في أوقاتها المحددة.
- تضمين المزيد من الممارسة الروحية وفقًا لإتاحتها (صوم – عمرة - ...إلخ).
3- العلاقات
- تحديد الأشخاص المقرّبين، والحرص على الحديث معهم من حين لآخر.
- الخروج مع الأصدقاء المقربين أسبوعيًا مرة واحدة على الأقل.
- الاجتماع مع العائلة، وقضاء وقت ممتع، بعيدًا عن الحياة التقليدية، مرة واحدة أسبوعيًا على الأقل.
4- الإبداع
- البحث عن طرق مختلفة للإبداع.
- التدرب باستمرار على الطريقة المفضلة لك للتعبير عن الإبداع، وتخصيص وقت ثابت في الأسبوع لفعل ذلك عدة مرات.
- البحث عن أشخاص مبدعين في مجالك أو في المجالات الأخرى، وتكوين علاقات معهم، والمشاركة في مجتمعاتهم لتنمية مهاراتك.
5- تطوير الذات
- قراءة كتاب واحد في تطوير الذات شهريًا.
- الاستماع إلى بودكاست وفقًا لاهتماماتك مرة واحدة أسبوعيًا على الأقل.
- المشاركة في دورة تدريبية على الإنترنت مرة واحدة شهريًا على الأقل.
- ممارسة الاختبارات التي تساعدك على تعريف نوع الشخصية، ثم بعد ذلك تطوير شخصيتك بناءً على النتائج.
6- الأمور المهنية والمالية
- الحصول على ترقية في العمل.
- توفير جزء من الراتب الشهري للمستقبل.
- الحصول على درجة تعليمية أعلى مثل الماجستير.
7- الرؤية الشاملة للحياة
- وضع رؤية لما ترغب بتحقيقه في الحياة حقًا.
- مراجعة تقدمك شهريًا، لمعرفة مقدار التغيرات التي تحدث معك.
- الخروج من منطقة الراحة، واكتشاف المزيد من الفرص المناسبة لحياتك.
8- الحالة العاطفية الجيدة
- ممارسة الرعاية الذاتية 10 دقائق يوميًا على الأقل.
- محاوطة ذاتك بأشخاص إيجابيين في طريقة تفكيرهم.
بالطبع هذه الأهداف ليست محددة جميعها، لكن الهدف منها هو توضيح أمثلة حقيقية على الأهداف ذات المعنى، التي يمكنك صياغتها بما يتوافق مع مجالات حياتك. لذا، فكّر جيدًا في تحديد الأهداف الأكثر ملاءمة لك، التي تجعلك تشعر بالتقدم في حياتك.
يمكنك العودة إلى العجلة الخاصة بك شهريًا، لمعرفة مقدار التقدم الذي يحدث في حياتك، مع توضيح الاختلاف من شهر لآخر. عندما تشعر بتغير في مجالات الحياة، فافعل ذلك مع تضمين الأهداف التي تتفق مع هذا المجال الجديد.
في النهاية الهدف الأساسي من العجلة، هو مساعدتك على الوصول إلى تصور متوازن عن حياتك، والأهداف التي ترغب في تحقيقها. لا مجرد مجموعة من الأهداف المكتوبة للحاق بماراثون التخطيط السنوي أو الشهري، لكن لمساعدتك في تحسين حياتك وقيادتك للأفضل.
يمكنك أن تبدأ من الآن، أحضر ورقة وسجّل مجالات الحياة المهمة لك، ثم اربط النقاط معًا، وضع الأهداف ذات المغزى بالنسبة لك. لا تبالغ في وضع الأهداف، لكن تأكد من اختيارك أهدافًا يمكنك تنفيذها بالفعل في حياتك، والالتزام بها خلال الفترة القادمة، حتى تصل إلى وجهتك النهائية؛ التوازن في الحياة.
المصادر: