ظاهرة الاحتراق الذاتي بين الخيال والحقيقة
صنّفت ظاهرة الاحتراق الذاتي Self-combustion كنوعٍ من أنواع الاحتراق والاشتعال، وتنشأ هذه الظاهرة نتيجة حدوث تسخين تلقائي أو ذاتي في الجسم نفسه، إذ ترتفع درجة الحرارة وتزداد إثر حدوث تفاعلٍ كيميائيّ داخليّ يؤدّي إلى انتشار الحرارة، ونتيجةً لذلك يبدأ الجسم بالتسخين الذاتي لنفسه بشكلٍ سريع، وينجم عن ذلك حدوث اشتعال.
وتُعرف هذه الظاهرة بأنها حريق ينشب بشكلٍ تلقائي في جسم الإنسان دون تدخل أي عامل خارجي، ومن الممكن أن ينجم عن هذا الاحتراق بعض الآثار للحروق البسيطة أو الدخان الذي يلحق الضرر بالجسم كاملاً، ومن الممكن أن ترتفع درجة حرارة الاحتراق إلى درجات عالية جدا.
قد تؤدّي هذه الظاهرة إلى الوفاة، وأحياناً إلى إصابة بعض المناطق من جسم الإنسان بالحروق، إلا أنّ الجسم لا يصل إلى درجة التفحّم إلا ببلوغ درجة الحرارة أكثر من ثلاثة آلاف درجة مئوية.
على الرغم من أن مصطلح "الاحتراق الذاتي البشري" حديث العهد إلى حد ما، فإنه كان مصدر قلق حقيقيا للكثير في القرن التاسع عشر، كان يظنه البعض من الخيال، إلا أنه أثبت واقعيته في ما يقرب من اثنتي عشرة حالة اشتعلت فيها النيران في روايات ما قبل عام 1900.
ما هي ظاهرة الاحتراق الذاتي؟ ومتى ظهرت؟ وما نظريات العلماء التي تبرر حدوثه؟
أول حالة توثق للاحتراق الذاتي
• كانت أول حالة ظهور للاحتراق الذاتي لجسم الإنسان أثبتت عام 1637، عندما نشر العالم الفرنسي يوناس دوبونت في كتابه الذي يحوي مجموعة من التقارير والدراسات عن الاحتراق الذاتي، بعد قراءته لسجلات قضية أول ضحية لهذه الظاهرة، والتي كان زوجها متهما بقتلها وحرق جثتها، ولم يكن لديه مبرر لقتلها، ولكن في النهاية اقتنعت المحكمة أن ما أصاب الزوجة هو حالة الاحتراق الذاتي.
• شخصت حالة الاحتراق الذاتي بشكل رسمي في بداية القرن السابع عشر، وصل عدد الضحايا لهذه الظاهرة مع نهاية القرن العشرين لـــ 250 حالة مؤكدة، لذلك تيقن الناس بواقعية حدوثها.
نظريات العلماء حول الاحتراق الذاتي
علل العلماء حدوث ظاهرة الاحتراق الذاتي بعدة نظريات تحمل الخطأ والصواب، لكن حتى الآن لم يعرف السبب المباشر لذلك، ومن هذه النظريات ما يلي:
• الإفراط في شرب الكحول: كانت هذه أكثر فكرة شائعة عن الاحتراق الذاتي، إذ يعتبر الكحول من أكثر المواد قابليّة للاشتعال، حتى ثبت عدم صحة هذه النظرية بعد إجراء عدد من التجارب على الحيوانات، ولم يحدث إصابة واحدة بحالة الاحتراق الذاتي.
• زيادة نسبة الدهون لدى الإنسان: كان يظن العلماء أن هناك علاقة بين نسبة الدهون وأسباب الاحتراق الذاتي، لكن أثبت عدم صحة هذه النظرية لوجود حالات احتراق ذاتي لأشخاص يعانون من الضعف والنحافة.
• ارتفاع نسبة الكهرباء الساكنة في الجسم: ارتفاع نسبة الكهرباء أمر قد يؤدّي إلى توليد طاقة داخلية بشكل مفرط إثر وجود خلل ما.
• حدوث بعض التفاعلات الكيميائية في الجسم: قد يعود الأمر وراء تفاعلات كيميائية تؤدي إلى الانفجار في الجهاز الهضمي، ويحدث ذلك نتيجة اتباع الإنسان لنظامٍ صحيٍّ سيئ، أو حدوث تماس كهربائي داخل الجسم الإنساني بشكل مجهول، فيقوده ذلك إلى تولّد طاقة حرارية ضخمة.
• التفاعلات النووية: يعتقد عدد قليل من العلماء أن مصدر الطاقة في الجسم هي سلسلة من التفاعلات النووية داخل الخلايا، ومن الممكن لهذه التفاعلات الخروج عن السيطرة حتى يؤدي إلى الاحتراق الذاتي للجسم.
• نظرية كرات الطاقة العالية: ظاهرة فيزيائية، يظن العلماء أن هناك مصدر كبير من الطاقة المغناطيسية ذات الطاقة العالية جدًا على شكل كرات، وأن هذه الكرات تتحدى الجاذبية، ولها القدرة على اختراق الجدران والنوافذ، مع أن أطول فترة ممكن أن تعيشها لا تتجاوز دقيقة واحدة، وتختفي هذه الكرات كما تختفي فقاقيع الصابون، وعندما تصطدم بجسم الإنسان تجعله يفقد وعيه من أثر هذه الصدمات.
• نظرية الجسيمة الصغيرة (البايروترون): هي جسيمات أصغر من حجم الذرة تدعى (بايروترون)، تنطلق دون أن ترى لصغر حجمها، وتأثيرها على جسم الإنسان في أنها تجفف الجسد تماما من الماء حتى يصل إلى الجفاف والضعف، يظن العلماء أن الاحتراق الذاتي يحدث بسبب هذه الجسيمات الصغيرة (البايروترون)، مع أن أغلب جسم الإنسان من الماء، فكيف سيحترق مع كل هذه الكمية من الماء؟ لذلك ما زالت تحتاج هذه النظرية إلى إعادة تفسير من العلماء.
• نظرية الفتيل: في الآونة الأخيرة وصل العلماء إلى نظرية تعتبر هي الأقرب في المنطق وراء الاحتراق الذاتي، سبب هذه الظاهرة الغريبة هي مفعول الفتيل، وأجري عدة اختبارات لهذه النظرية باستخدام أجزاء من جسم حيوان الخنزير لوجود تشابه بين دهن الإنسان ودهن الخنزير، إذ وصف العالم (مارك باناك) أن جسم الإنسان يرتدي الثياب وكأنه شمعة، فالثياب هي الفتيل والدهون البشرية هي الشمع، وإذا كانت الظروف مناسبة ستحترق الدهون وقطعة القماش التي يرتديها، ومن ثم الجسم كاملًا، وهذا ما حدث فعلًا عندما قام الدكتور (جون ديهان) بإعادة تمثيل مشهد حريق لوفاة أحد الضحايا، وكانت النتيجة احتراق الغرفة التي أجرى بها الاختبار بالكامل، ويتضح أن نظرية مفعول الفتيل هو السبب المقنع تقريبًا لهذه الظاهرة حتى الآن، هذه النظرية تعني لنا أن الجسم البشري يتمتع بمصدر طاقة خاصه به، وفي الظروف الخاصة ممكن أن يدمر نفسه بنفسه.
ختاما: على الرغم من تلك الظواهر التي طرحت سابقا، إلا أنه لا يزال الباب مفتوحًا أمام العلماء ليتعمقوا ويبحثوا بدأب عن تفسير ظاهرة الاحتراق الذاتي الغريبة، والتي تبدو كأنها نسج من الخيال، لولا إثبات وجود ضحايا في الواقع دون التوصل لأسباب مقنعة ومبنية على براهين ساطعة.
المصادر: