لماذا تغير منصات التواصل شكلها بالرغم من اعتراض مستخدميها؟ فيسبوك نموذجا
قرر فيسبوك تغيير واجهة المستخدم الخاصة بموقعه على أجهزة الكومبيوتر، الأمر الذي بدأ تنفيذه فعليًا خلال هذا العام وأصبح أمرًا واقعًا بنهاية شهر سبتمبر الماضي، فلم يعد بالإمكان العودة إلى الشكل القديم من الموقع مرة أخرى.
برغم ذلك، لم يتقبل الكثير من المستخدمين هذا التغيير، ووصفه الكثير بأنّه كارثي بالنسبة لهم، بسبب شعورهم بأنّه جعل استخدام الموقع معقدًا عن ذي قبل، وكأنّه يتطلب استخدام منهج للتعامل معه. بالطبع قد يكون السبب الرئيس هو الاعتياد على الشكل القديم، لكن عندما تكون الاعتراضات كثيرة فإنّ هذا لا بد أن يعني شيئًا، لا سيّما أنّ التغيير يوجّه في النهاية لصالح المستخدمين، وبالتالي لا بد من أخذ آرائهم في الحسبان.
إذًا، وعلى مدار شهور من تأكيد الناس على حبهم للشكل القديم، إلّا أنّ فيسبوك لم يستجب لتلك الدعوات وانتهى الأمر بالتغيير، ويبقى السؤال الأهم: لماذا أقدم فيسبوك على هذه الخطوة برغم الاعتراضات؟ ولماذا تلجأ منصات التواصل لإحداث تغييرات معينة في شكلها رغم عدم تقبل المستخدمين لها في بعض الأحيان؟
لماذا أحدث فيسبوك التغيير؟
انطلق موقع فيسبوك في عام 2004، وطوال الوقت سعى المسؤولون عن تصميم الموقع إلى إضافة الميزات التي تساهم في التفاعل مع استخدامه، لكن هذه الميزات أدت إلى إبطاء في الموقع بشكل تدريجي، وجعلت صيانته ليست بالمهمة السهلة، وبالتالي صعّب هذا تقديم تجارب جديدة للمستخدمين، على سبيل المثال إضافة خاصية الوضع المظلم للتصفح، والتي تلقى رواجًا لدى العديد من المستخدمين، وبالتالي رأى فريق الهندسة المسؤول عن الموقع أنّ هذا هو وقت التغيير.
يعد قرار إعادة التصميم من القرارات التي يصعب على الكثير الإتيان بها في الوضع المعتاد، وبالطبع يصبح الموضوع أكثر صعوبة عندما يتعلّق الأمر بفيسبوك، لكن ولأنّ عقلية هذه الفترة تتطلب دائمًا الاستجابة للتغيرات، فكان القرار الأنسب هو التعديل، لأنّها الطريقة التي يمكن من خلالها تحقيق الأهداف في المستقبل والنمو المطلوب.
سعى فريق هندسة الموقع إلى بناء تجربته الجديدة حول تجربة أفضل للمستخدم، تجربة تسهّل عليه استخدام الموقع دون أي تأخير أو بطء في التحميل، وتمكنه من الاستفادة من جميع الخصائص التي يوفرها فيسبوك، فبعض التفاصيل كانت متاحة فقط عبر الهاتف، والذي يعتبر هو مصدر الزيارات الأكثر للموقع، لكن في النهاية وجب الاهتمام أيضًا بالمستخدم الذي يعتمد على أجهزة الكمبيوتر كذلك.
بنى فريق الهندسة في موقع فيسبوك تجربته في تغيير تصميم الموقع على عاملين رئيسين:
1- أقل قدر ممكن، في أقرب وقت ممكن: التركيز دائمًا على سرعة التحميل للبيانات المطلوبة، دون الحاجة لإحضار أي بيانات أخرى في عملية التحميل لا تؤثر مع المستخدم، حتى يسهّل عليه ذلك التعامل مع الموقع في أيٍ من أجزائه التي يتصفحها.
2- خبرة هندسية في خدمة تجربة المستخدم: الهدف النهائي من عملية التطوير هم مستخدمو الموقع، وبالتالي التفكير في التحديات التي تواجههم وبناء واجهة الموقع طبقًا لذلك الأمر، مما يجعل تجربة التصفح أكثر فاعلية لهم.
ما الفائدة التي تعود على فيسبوك من ذلك الأمر؟
بالطبع لا تسعى أي منصة لإحداث التغييرات لمجرد رغبتها المجرّدة في ذلك، في النهاية كل شيء يدور حول المستخدم ومساعدته في الاستمتاع بأفضل تجربة على الموقع، لكن إلى جانب ذلك، فإنّ أي منصة تسعى من ناحية أخرى لاستثمار جميع إمكانياتها التي تقدمها للمستخدمين.
يمكنك بالمقارنة بين النسخة القديمة والجديدة لفيسبوك معرفة هذا الأمر، حيث أولى الموقع اهتمامًا بالواجهة الرئيسية له ليجعلها تحتوي على مجموعة من أبرز خصائصه، فنجد الجزء العلوي من الصفحة أطول قليلًا من قبل، ويحتوي على خمسة رموز تمثّل: الصفحة الرئيسية، الصفحات، المشاهدة، السوق، المجموعات. مع ترحيل شريط البحث إلى اليسار وتكثيف حجمه قليلًا بأيقونة فيسبوك الجديدة باللون الأزرق، ومع وضع خاصية القصص لتصبح أسفل الشريط العلوي مباشرةً.
إضافة إلى تشغيل خاصية "الوضع المظلم" التي أصبح المستخدمون يبحثون عنها في كل المواقع، فبالنسبة لفيسبوك هذه ليست مجرد اختيارات عشوائية، ولكنّها مؤخرًا أكثر الخصائص التي يروّج لها الفيسبوك على موقعه، على سبيل المثال:
1- المجموعات: يحسّن فيسبوك من خيارات إنشاء المجموعات، ويضيف لها الكثير من الخصائص في الفترة الماضية، مما يزيد من قابلية استخدامها لأصحاب الأعمال في بناء المجتمعات الخاصة بهم، لأنّها تزيد من الترابط مع عملائهم، وتحسّن من العلاقات بينهم.
2- المشاهدة: منذ بداية عام 2015 أعطى فيسبوك الأولوية للفيديو كمكوّن رئيس في موقعه، يسعى إلى جذب وزيادة الجمهور من خلال هذا الخيار، ومع تخصيص صفحة لتصفح هذه الفيديوهات، فهو يسهّل على المستخدمين الحفاظ على صفحاتهم الرئيسة للتواصل مع الأصدقاء والعائلة، ومن ناحية أخرى يمكنه الترويج لصفحة الفيديوهات ذاتها.
3- السوق: هو الخيار الذي يتيحه الفيسبوك للمستخدمين لإتمام عمليات شراء وبيع السلع المستعملة. حسب مدير الهندسة في موقع فيسبوك توم أوتشينو فإنّ غالبية حركة التجارة الإلكترونية على الموقع تتم من خلال الهاتف المحمول، لكن رغم ذلك لا تمثل المشتريات من الهواتف سوى ثلث القيمة الإجمالية من الإنفاق.
وهذا يعني أنّ البائعين يفضلون إتمام المراسلات السريعة من الهاتف، لكن عندما يتعلّق الأمر بالشراء والرد فإنّهم يفضلون خيار الكومبيوتر، لأنّه يسهّل عليهم إدارة القوائم الخاصة بهم، والتواصل مع المشترين لاستكمال الإجراءات في الوقت ذاته، وهذا مستحيل على الهاتف.
إذًا من هذه الأمثلة يمكننا فهم السبب في التغيير، الرغبة في استثمار الخصائص التي يقدمها الموقع بالشكل الأمثل، وفي الوقت ذاته تسهيل هذه الإجراءات برمجيًا من خلال إعادة العمل على المكونات الخاصة بصفحاته. فمع النسخة القديمة للموقع، ربما يعني ذلك الكثير من الوقت الضائع لدى المستخدم في التحميل، بجانب عدم تحفيز الشكل الموجود له للتفاعل مع الخصائص المستهدفة.
ماذا عن الاعتراضات.. كيف يمكن لها التأثير على التغيير؟
يصر فيسبوك في النهاية على أنّ كل ما يقوم به هو من أجل تحسين تجربة المستخدم، لكن يمكن التأكد من ذلك في ظل وجود الكثير من الاعتراضات للعديد من الأفراد، وهل يمكن لهذا الأمر التأثير على عملية التغيير؟ لا يمكن لأحد الجزم بوجود إجابة أكيدة، لكن هذا النوع من ردود الأفعال يبدو شائعًا عندما تعيد شركة بحجم فيسبوك تصميم أحد منتجاتها، ربما يتطلب الأمر الوقت لتغيير الرأي والتغلّب على عامل الصدمة الأولى لعدم الاعتياد على الشكل الجديد.
بالنسبة لفيسبوك ومن خلال التجارب التي قام بها حتى اعتماد التغيير النهائي، فقد لاقى الأمر قبول واستحسان الكثير من الأفراد أيضًا، ولكن لأنّ موقعا بحجم فيسبوك يرغب في التأكد من نتائجه فهو يهتم باتّخاذ القرارات طبقًا للبيانات التي يملكها، وهذا ما صرّح به أوتشينو قائلًا: "نعلم من الكثير من البيانات والأبحاث أنّه في كل مرة نجعل فيها منتجاتنا أسرع أو أبسط، يؤدي هذا إلى مزيد من الاستخدام لها بواسطة الأفراد، يشاركونها أكثر وتحقق لهم تجربة أكثر فائدة".
لهذا الأمر أولى الموقع اهتمامًا كبيرًا بعملية إعادة البناء، والتركيز على جميع التفاصيل الخاصة بها مهما بدت بسيطة في عين المستخدم، بحيث ينتج عن هذا سرعة في تحميل البيانات، وسهولة في الحركة داخل الموقع دون أي مشاكل، مما يمكن أن ينتج عنه زيادة نسبة الاستخدام للموقع من الكمبيوتر، وفي النهاية يضمن للشركة مستقبلًا آمنًا من النمو والتطور.
يتطلب الحكم على التغييرات الكبيرة بعضًا من الوقت للتأكد من فاعلية هذه التغييرات، ولكن تشرح لنا كل النقاط الماضية السبب من هذه التغييرات في نهاية الأمر، وتخبرنا لماذا يمكن لبعض المنصات اللجوء إلى التغيير في شكلها حتى مع وجود اعتراضات حالية من المستخدمين، فمع وجود البيانات التي تؤكد صحة التوجّه والرغبة في البناء لما هو أبعد من اللحظة الحالية، يمكن للشركة تحمّل القليل من انزعاج المستخدمين الآن، في مقابل الحصول على مستقبل أفضل.
المصادر: