مبادئ الإدارة (1).. كيف تنشئ إدارة قوية لشركتك؟
في القرن الماضي قدّم العالم الفرنسي هنري فايول نظريته عن "مبادئ الإدارة" تلك التي اختبرها أثناء عمله مديرا تنفيذيا لشركة صناعية في فرنسا، ووثقها بعد ذلك في كتابه ذائع الصيت "الإدارة العامة والصناعية"، ويعتبر هنري ذاته من أهم العلماء في تاريخ الإدارة.
اكتسب الكتاب شهرة واسعة لكونه مرجعًا هامًا لكل العاملين في هذا المجال، فحتى مع حدوث تطور لمبادئه الأربعة عشر، فإنّها ما زالت تعتبر المبادئ المؤسسة للعلم، التي لا بد لأي مدير من معرفتها جيدًا، ومعرفة كيفية توظيفها داخل عمله، سواءً كما أوجدها هنري أو بإضافة المزيد من التطوير عليها. في هذه السلسلة نقدم لكم مبادئ الإدارة مع التركيز على كيفية تطبيقها في الوقت الحالي.
تقسيم العمل: كيف تضمن أكبر قدر من التخصصية؟
يعتمد هذا المبدأ على إيجاد طريقة لتقسيم الوظائف والمهام داخل العمل بشكل تخصصي، فبدلًا من العمل بدون هيكل محدد للوظائف، تقسّم الوظائف حسب بعض التصورات التي تناسب طبيعة عمل الشركة، والنمط الأشهر لذلك هو إيجاد أقسام محددة للوظائف، مثلًا قسم للتسويق وقسم للمبيعات وغيرها.
من المهم عند تقسيم العمل بهذا الشكل الحرص على نقطتين رئيستين:
- اختيار الأقسام التي تناسب الشركة فقط، وهذا من الأشياء المهمة في طبيعة عمل الشركات الناشئة تحديدًا، لأنّها تعتمد دائمًا على هياكل مخصصة لها لا بالنقل من شركات موجودة حاليًا. فنجد بعض الشركات تجمع ما بين أكثر من وظيفة في قسم واحد، وهذا لا يحدث في شركات أخرى، وهذا يعتمد على طبيعة الشركة.
- التركيز على توزيع الموظفين الحاليين بما يتوافق مع خبراتهم ونقاط القوة والضعف الخاصة بهم، حتى يمكن السماح لهم بالتخصص طبقًا لهذه العوامل، وبالتالي تعزيز الاستفادة من مهاراتهم والحصول على درجة أعلى من الإنتاجية في العمل. وفي حالة نقص الأفراد، فهنا يمكن اللجوء إلى تعيينات خارجية، بدلًا من وضع شخص في غير مكانه المناسب.
مدخل إلى علم الإدارة (4): كيف تنتقل بالموظفين من العقلية الثابتة إلى عقلية النمو في الشركة؟
فتقسيم العمل يساعد على الوصول إلى أعلى قدر من التخصصية، ومن ناحية أخرى يضمن موظفين يعملون بأقصى طاقاتهم فيما يجيدونه، فتعود الفائدة على الطرفين، وهذا ينعكس في النهاية على وجود الشركة بشكلٍ عام وقدرتها على تحقيق التميز في بيئتها التنافسية.
السلطة: كيف توازن بينها وبين المسئوليات؟
من أهم الأشياء التي ينبغي التأسيس لها في الإدارة هي كيفية استخدام السلطة الإدارية بشكل حكيم، فوجود السلطة يسهّل القدرة على تنفيذ الأوامر الإدارية التي تُسند إلى العاملين، بدون هذه السلطة لن يكون المديرون قادرين على التحكم في سير العمل.
ولكن من الزاوية الأخرى، قد يسيء البعض استخدام هذه السلطة في العمل، وفي النهاية يُلقي باللوم على الموظفين عند حدوث أي فشل في المهام المطلوبة منهم، لذا فإنّ استخدام السلطة لا بد من حدوثه بشكل مسئول وأخلاقي، حيث يجب إحداث توازن بين السلطة (القوة التي يملكها المدير أو الموظف) والمسئوليات (الواجبات المكلّف بها)، فلا يكتسب أحد الحق في إصدار الأوامر دون أن يُبنى ذلك على مسئولياته.
فإذا كانت السلطة أكثر من المسئولية في بعض الأحيان، فقد يُساء استخدامها في العمل، وكذلك إذا كانت المسئوليات أكثر من السلطة فقد ينتج عنه إحباط وفشل، بسبب عدم القدرة على التحكم في آلية تنفيذ المهام بالشكل الصحيح داخل العمل.
مدخل إلى علم الإدارة (2): كيف تنظّم مواردك لتنفّذ خطتك بنجاح؟
الانضباط: إيجاد اللوائح والقواعد الحاكمة للعمل
من أهم المعضلات الإدارية هي شعور الأفراد بالضغط نتيجة السياسات والقواعد التي تتبعها الشركة، لكن هذه النقطة لا يمكن الاستغناء عنها أبدًا في الشركة، ولا بد للجميع من احترامها والالتزام بها، فوجود اللوائح هو ما يضمن تحقيق الانضباط المطلوب من الجميع على نفس المستوى دون تمييز، وهو الأمر الذي يدركه جميع المديرين ويسعون دائمًا إلى تطبيقه كما يجب.
المفتاح السحري للانضباط هو إدراك أنّ الأمر متبادل بين المدير وبين الموظفين، فإذا كنت قادرًا على كسب احترام موظفيك، من خلال التزامك وانضباطك أنت أيضًا داخل العمل، وتطبيقك للوائح على الكل بنفس المقدار، مع حرصك على إظهار التفهم والتقدير لهم، سيجدون أنفسهم ينضبطون ذاتيًا للوائح، وبهذا يمكن تيسير العمل بسهولة.
في حين إن رأى الموظفون أنّك لا تطبق اللوائح على ذاتك، لكنّك تفعل ذلك معهم فقط أو على بعضهم، فإنّ هذا سيولد لديهم شعورا بالإحباط من العمل ككل، وسيتأثر سلوكهم ناحية العمل، فحتى إن أبدوا احترامًا ظاهريًا للوائح، لكنّهم في داخلهم يفعلون ذلك وهم مكرهون، مما يمكن أن يؤدي إلى مشكلة في استمراريتهم لاحقًا.
لذا يجب عليك الحرص على خلق حالة الانضباط الدائم بين الجميع دون تفرقة، ومساعدة الموظفين على الالتزام باللوائح، وإدارة ذلك بشكل أخلاقي تمامًا، والتأكيد دائمًا على أنّ الانضباط هو مفتاح نجاح للشركة، فبدونه ستتولد حالة من العشوائية يمكن أن تؤدي إلى تدمير الشركة كليًا.
يمكن لهذه المبادئ الثلاثة أن تؤسس لإدارة قوية للشركة، وسنتبعها في المقالات التالية من السلسلة لاستكمال المبادئ الأخرى التي من شأنها المساهمة في شرح كيفية توحيد الأهداف داخل الشركة، وكذلك طريقة تنظيم العمل وتقوية العلاقات بينك وبين الموظفين.
تابع سلسلة المقالات:
المصادر: