محمد النغيمش يكتب: رُبّ ضارّة نافعة
يقول أغنى أغنياء الصين جاك ما، مالك ومؤسس شركة "علي بابا" أكبر موقع للبيع الالكتروني في العالم، إنه كان في ريعان شبابه يقود دراجته الهوائية يومياً لنحو 45 دقيقة ذهاباً، ومثلها إياباً، حيث كان يقصد فندقاً في قرية صينية يؤمّه السائحون الأجانب. فحاول عبره، العمل مرشداً سياحياً هناك مع النزلاء، ومن دون مقابل مادي، لتحقيق حلمه بتطوير لغته الإنجليزية.
ورغم فشله في اختبارات القبول، فإنه نجح بعد عناء بإتقان الإنجليزية، ونيل البكالوريوس فيها، ثم درّسها لاحقاً في جامعة صينية. وسعى جاهداً للبحث عن عمل في نحو 30 شركة، إحداها "كنتاكي". وكلها رفضته. غير أن المفارقة كانت في أنه لو عُيّن في" KFC"، لصار موظفاً مغموراً في شركة بيع دجاج، ولربما لم يتمكن من بناء إمبراطوريته التي كانت في الأصل شركة متواضعة على "الإنترنت" عام 1995، استلف رأس مالها الهزيل.
وبعد رحلة حافلة بالتحديات والتخبطات والشراكة، بما فيها من عثرات، تعلم جاك من أخطائه، وقرر أن يتقاعد بحلوله سنّ الخمسين، عن الأعمال التنفيذية، ويُبقي ملكياته المالية، ليتفرغ للعمل المجتمعي وردّ الجميل للناس؛ وقد فعل.
ولو أن جاك استسلم في بداية السباق، لما كتب له هذا النجاح الشخصي والتجاري والتعليمي الباهر. ولذا تقول العرب "إنما النصر صبر ساعة".
وفي كل أمة تجد مئات بل آلاف الأمثلة لأناس ضاقت بهم الأرض بما رحبت، ثم سرعان ما تحولت هذه الضائقة إلى انفراجة سارّة.
والملياردير الخلوق سليمان الراجحي، مالك ومؤسس أكبر مصرف في العالم يعمل وفق أحكام الشريعة، هو مثال آخر لقصة كفاح لم يستسلم صاحبها لمنغّصات رحلة الكفاح.
حيث "عمل حمالاً وحارساً لبضائع البائعين في السوق. وفي وقت الفراغ كان يتتبع الإبل لتجميع ما يسقط منها من أحطاب. كما عمل في البناء وغيرها من المهن؛ بحسب موسوعة "ويكيبيديا".
ويُروى أن مالك شركة تصنيع السيارات الهندية، رتان تاتا، قرر عام 1998 تصنيع أول سيارات ركاب هندية عصرية (إندبيكا)، بعد نجاح شاحناته. ثم صُدم بتراجع المبيعات بصورة كبيرة، فقرر بيعها. أبدت "فورد" الأميركية رغبتها في الشراء. سافر تاتا وفريقه إلى أميركا، وفي خضمّ الاجتماع الذي استمر لنحو ثلاث ساعات، قال رئيس الشركة بيل فورد، للهندي تاتا، "أنت لا تعلم أي شيء! لماذا أنشأت أصلاً قسماً لسيارات الركاب؟ نحن نقدم لك معروفاً بشرائنا لمصنع سياراتك"! فعدّها المالك الهندي إهانة بالغة له أمام فريقه، ما دفعه لمغادرة الاجتماع. وقرر في الليلة نفسها، وهو عائد إلى مومباي، أنه لن يبيع حلمه (شركته).
ثم عكف على تطوير هذه العلامة التجارية الهندية حتى صارت عام 2008 أفضل السيارات مبيعاً في السوق، وذلك بعد عشرة أعوام على الاجتماع "المهين". وفي الوقت نفسه كانت "فورد" تعاني خسائر كبيرة بسبب سياراتي "جاكوار" "ورينج روفر" اللتين تمتلكهما أيضاً "فورد".
فقدم تاتا عرضاً لشراء السيارتين الفارهتين. هذه المرة سافر بيل فورد نفسه إلى مومباي، وقال في أثناء الاجتماع لتاتا: "أنت تقدم لنا معروفاً بشراء هاتين السيارتين! شكراً لك". كان أمام تاتا خيار أن "يردّ الصاع صاعين" بإهانة فورد، لكنه اختار أن يتسامى.
المواقف المؤلمة والمخيّبة للآمال ليست مقتصرة على النجوم، ففي كل أروقة الأعمال والأسواق والطرقات، هناك قصة كفاح لم تستسلم لنوائب الدهر أو شماتة الآخرين بل حول صاحبها تلك التحديات إلى وقود لطاقته. وذلك ليثبتوا للناس بأن أفضل طريقة لهزيمة الآخرين، هي مزيد من النجاح. ومهما كانت سوداوية الموقف يتذكر هؤلاء المكافحون المثل العربي الشهير: "رُبّ ضارّة نافعة".