شورت السباحة الفاخر: هذه قصة صعوده وشهرته !
تاريخ موضة الرجال معقد ومتداخل. وفي معظم الأحيان لا علاقة له بالموضة بل هو نتاج مسارات تاريخية وسياسية واجتماعية واقتصادية. بعض أنماط الملابس لها جذورها الضاربة في التاريخ وبعضها حديث نسبياً.
ملابس السباحة بشكل عام لها مسارها التاريخي الطويل وقد مرت بمراحل مختلفة عديدة ، ولكننا في موضوعنا هذا سنتحدث عن شورت السباحة الفاخر وحكاية شهرته التي ما تزال تسير بخط تصاعدي. بطبيعة الحال ملابس السباحة الفاخرة لا تعني تلك الباهظة الثمن فقط، فهناك ملابس سباحة باهظة الثمن ولكنها لا تصنف ضمن الشورتات الفاخرة. شورت السباحة الفاخر هو الذي يملك تصاميم تجعله نمطاً هجيناً بين السروال وبين شورت السباحة. وبطبيعة الحال مصنوع من قماش فاخر ومن ثَمَّ سعره باهظ.
لمحة تاريخية عن ملابس السباحة
في البداية كان الإنسان يسبح عاريا وهناك العديد من اللوحات التي تظهر الرجال في العهد الروماني القديم يسبحون عراة. ومع تقدم الزمن بدأت الحضارات المختلفة تتبنى فكرة ضرورة إخفاء الأعضاء، فكانت قطع قماش الكتان هي الأكثر شهرة في مختلف الحضارات وعند مختلف الشعوب . حتى منتصف القرن التاسع عشر لم يكن هناك أي قانون أو قرار يمنع الرجال من السباحة عراة، وأول قانون صدر كان في عام ١٧٣٧ والذي منع كل من تجاوز العاشرة من عمره التواجد في الحمامات العامة أو السباحة عارياً، وفي الوقت عينه تم منع العري بشكل كلي في المملكة المتحدة.
ومنذ ذلك الحين بدأت ملابس سباحة الرجال تتخذ أشكالاً مختلفة. التصاميم الأولى جعلت السباحة صعبة، فرغم أنها كانت من الصوف الذي يملك خصائص قابلة للتمدد كي لا يمتص الكثير من الماء، فإنها كانت في نهاية المطاف تمتص الماء وتصبح ثقيلة الوزن، وكان وزن ملابس السباحة بعد تبللها يصل إلى ٤ كيلوجرامات وغالباً ما كانت تسقط عن جسم الرجل. ومع دخول النايلون والمطاط إلى سوق القماش بدأت الملابس تتحول وتصبح أقل وزناً.
بحلول ١٩١٠ كانت بدلات السباحة المعروفة بـ «تانك سوت» والتي هي باللون الأسود وتصل إلى أسفل الركبتين بكمين يصلان حتى المرفقين هي المهيمنة. ولكن كل هذا تبدل حين قررت شركة «بنتز نتينغ ميلز» إضافة ملابس السباحة إلى خط الأزياء الخاص بها، وكان الإقبال عليها هائلاً. الحشمة كانت الأساس وكان هناك قوانين تحدد نوعية الملابس التي يجب اعتمادها للسباحة. ففي أمريكا مثلاً كان على الرجال ارتداء قطعة من القماش تلتف حول الخصر بالإضافة الى سروال السباحة كما يجب ارتداء قميص أو تشيرت لإخفاء الصدر. لاحقاً بدأت تظهر بدلات السباحة التي تغطي الجسم كاملاً والتي هي أخف وزناً من سابقاتها.
نقطة التحول والسبب الإنفلونزا الإسبانية
في عام ١٩١٨ ومع تفشي الإنفلونزا الإسبانية بدأ الاهتمام بالصحة يصبح من الأولويات. وعليه التعرض للشمس والسباحة أصبحت من الممارسات المعتادة وهذا ما أدى الى تبدل كبير بملابس السباحة.
بحلول ١٩٢٠ بدأ مبدأ اكتساب السمرة يصبح رائجاً فظهرت «السبيد سوت» والتي هي عبارة عن ملابس سباحة من قطعة واحدة من دون أكمام أو بنصف كم. ثم تطورت التصاميم وباتت عبارة عن قطعتين بنفس اللون، والألوان حتى هذا الوقت كانت داكنة بشكل دائم. أما التصاميم فبدأت تصبح أجمل وتبرز الجسد بشكل جذاب. وهوليوود لعبت دورها الكبير خلال هذه المرحلة بالترويج لها.
السنوات اللاحقة ستجلب تبدلات عديدة لملابس السباحة وستتقلص في الحجم. نقطة التحول كانت مع السباح الأولمبي جوني ويسمولر الذي ساعد بتصميم والترويج لبدلة سباحة عبارة عن سروال ضيق بمقاس مريح حول الخصر مع جزء علوي من دون أكمام. ويمكن القول إن هذه كانت البداية والانطلاقة.
أزمة القماش التي عانى منها العالم في عام ١٩٤٠ جعلت ملابس السباحة أقصر. ومع تزايد الاهتمام برياضة كمال الأجسام بدأت الملابس «الجريئة» تظهر.
بحلول ١٩٦٠ ظهر التصميم الأسترالي الثوري السبيدو والذي كان ضيقاً وقصيراً من دون أي قطعة ملابس تغطي الصدر. وبطبيعة الحال السبعينيات والحركة الهيبية جلبت الألوان والتصاميم لشورت السباحة الذي بات يصبح أقصر فأقصر.
الثمانينات جلبت معها الهوس باللياقة البدنية ورياضة كمال الأجسام وعليه أصبحت ملابس السباحة تكشف أكثر مما تخفي. التسعينيات جلبت معها ملابس السباحة الواسعة والمريحة بتصاميم رياضية ومنذ الـ ٢٠٠٠ بدأت الأنماط البرازيلية لناحية الألوان تهيمن على ملابس السباحة مع تصاميم منخفضة الخصر. وحالياً هناك أنماط مختلفة جداً بتصاميم مختلفة لشورت السباحة.
مزج القماش بمسحوق الماس.. أحدث صيحات أزياء أثرياء العالم (فيديو)
الشورت الفاخر
في عام ٢٠٠٦ خرج الممثل دانيال كريغ من البحر في مشهد من فيلم جايمس بوند «كاسينو رويال» وهو يرتدي شورتا ضيقا باللون الأزرق وقلب العالم رأساً على عقب. وحالياً وبعد تقريباً ١٥ عاماً من الظهور ذلك باتت قيمة سوق ملابس سباحة الرجال تقدر بـ ٤ بليون دولار ومن المتوقع أن تصل إلى ٦،٢٩ بليون بحلول ٢٠٢٥.
حالياً لم يعد مستغرباً أن ينفق الرجل مبالغ طائلة مقابل شورت سباحة سيستخدمه لمرتين أو ٣ مرات خلال العام. فكيف وصلنا إلى هذه المرحلة؟
كما سبق وذكرنا تطور ملابس السباحة مر بمراحل مختلفة إن كانت المرحلة الأساسية بدأت في العام ١٩١٨. ولكن شورت جايمس بوند القصير الأزرق الذي ترافق مع اهتمام كبير من المدونين والمهتمين بالأزياء ووصول فيسبوك في ذلك العام إلى مليون مستخدم وإطلاق تويتر في العام نفسه كلها من العوامل التي جعلت شهرة هذه النوعية من ملابس السباحة تجتاح العالم بلمح البصر.
في العام التالي أطلق أدام براون «أرليبار براون»، الماركة التي يعتبرها عدد كبير من المتابعين للموضة الماركة التي أدت إلى صعود وشهرة ملابس السباحة الفاخرة. براون قدم تصاميم جديدة لملابس السباحة بعد تجربة عاشها خلال عطلته في الهند. خلال تلك الإجازة منع من الدخول الى فندق لتناول الغداء وذلك بسبب شورت السباحة الذي كان يرتديه، حينها خطرت له الفكرة التي مهدت لظهور شورت السباحة الفاخر وهي أنه لم يكن يريد شورتاً للسباحة بل كان يريد شورتاً يمكنه أن يسبح وهو يرتديه.
الفكرة كانت ثورية وذلك لأنه حتى مطلع الـ ٢٠٠٠ ملابس السباحة الوحيدة المتوفرة كانت الشورت الواسع أو مايوه السباحة والذي يشبه الملابس الداخلية الذي تنتجه شركات الملابس الرياضية. وبما أن براون شخصياً كان يبلغ الأربعين من عمره ولم يكن يحبذ أي من الخيارين قرر ابتكار ما يناسبه ويناسب غيره لناحية التصميم والنوعية. الفكرة كانت هي أن الرجال لا يريدون ارتداء سروال قماشي أو جينز بحزام مطاطي حول الخصر، فلماذا عليهم القيام بذلك حين يذهبون إلى الشاطئ؟! فملابس السباحة لم تكن تملك ميزة التصاميم الفاخرة حينها والرجل مهما كان شكل جسده يريد أن يرتدي ما يجعله يبدو بشكل أفضل.
طبق براون الفكرة وطرح ١٠٠٠ شورت ماركة أرليبار وكان سعر كل شورت يبلغ ١٧٢ دولاراً. ورغم أن السعر كان مرتفعاً جداً مقارنة بملابس السباحة الأخرى ولكنها كانت مصنوعة من ٦٩ عنصراً مختلفاً وتستند في تصاميمها على سروايل سافيل رو الفاخرة مع خصر يمكن تعديله وبقماش عملي فاخر وقماش داخلي صحي ومريح يضمن عدم حصول أي حادثة محرجة سواء خلال السباحة أو الجلوس على الشاطئ. الموديلات هذه حققت نجاحاً ساحقاً وتم بيعها خلال ٣ أشهر ومن هناك بدأت رحلة النجاح وفي عام ٢٠١٨ تم بيع الشركة إلى دار شانيل بأكثر من ٥٠ مليون جنيه استرليني.
نجاح فتح شهية شركات أخرى بدأت إما بتصميم ملابس سباحة فاخرة إلى جانب ملابس سباحة عادية أو بدأت مشوارها المهني بصناعة ملابس السباحة الفاخرة.
ما سبب هذا العشق لملابس السباحة الفاخرة؟
شورت السباحة الفاخر يمكن وصفه بأنه نمط هجين بين السراويل الفاخرة وبين ملابس السباحة وهو من دون شك باهظ الثمن ولا يتم استعماله سوى مرات قليلة خلال العام الواحد. فما هو السبب الذي يجعل الرجال حول العالم يقبلون عليه ويعشقونه لهذه الدرجة؟
الإجابة تختلف بين شخص وآخر ولكن هناك واقعا جامعا وهو أن هذه النوعية من ملابس السباحة صممت كي تمنح الشخص مزيداً من الثقة بنفسه ما يعد سبباً أساسياً في شهرتها. ومع ظهور جحافل المؤثرين على إنستجرام وظهورهم بهكذا نوعية من الشورتات فإن الشهرة بدأت تكبر ككرة الثلج.
الرجل في حياته اليومية يرتدي ملابس تحددها قواعد معينة سواء في مكان العمل أو المناسبات التي يحضرها وهكذا نوعية من ملابس السباحة وفرت هامشاً واسعاً كي يختار الرجل ما هو أنيق وفاخر ويعبر عن شخصيته خلال فترة خاصة به وحده.
ولا غرابة أن ماركات أخرى مثل «ريبا ريبا» و«لوف براند» و«أريلز برشلونة» و «هيمنغسورث» و«دان وارد» و«ثالاسوفي» وغيرها الكثير من الشركات انضمت الى «أورلبار براون» وبدلت قواعد ملابس السباحة للرجال. ورغم التنوع ولكن كل هذه الماركات يجمعها أمر واحد وهو الإستثمار في أقمشة مناسبة تقنياً وتصاميم تمنح الجسد طلة مميزة وجذابة وجعلها مناسبة داخل وخارج الماء.
جورج بروميل.. الرجل الذي ابتكر الموضة المعاصرة قبل أكثر من ٢٠٠ عام