القبعات عبر التاريخ.. من رمز للثراء إلى الثورة والتمرد
لا يمكن التحديد على وجه الدقة التاريخ الذي ظهرت فيه القبعات أو من ابتكرها، ولكن الخبراء يرجحون ظهورها جنباً إلى جنب مع بداية ابتكار الملابس. القبعات حالها حال جميع قطع الملابس وجدت في الأصل من أجل حماية الإنسان من عناصر الطبيعة، إلا أنها لاحقاً باتت تخدم غايات عديدة ومختلفة وبات لها أهمية خاصة لكونها تدل على المكانة الاجتماعية والجنس والمهنة. وخلال مراحل لاحقة أصبح للقبعات رمزية ثورية الغاية منها القضاء على الطبقية الاجتماعية التي كانت جزءاً أساسياً منها لعقود طويلة.
القرن الحالي هو عصر اللا قبعات ومن يعتمدها يقوم بذلك لأسباب تتعلق بالموضة لا أكثر ولكن فيما مضى لم تكن القبعات خياراً بل كانت جزءاً هاماً وأساسياً من حياة الرجال والنساء على حد السواء.
البدايات: العصور القديمة والقرون الوسطى
ليس هناك تاريخ محدد ودقيق للقبعة الأولى ولكن أقدم دليل نملكه موجود في كهف «الإخوة الثلاثة» في فرنسا وهو عبارة عن رسم يعود تاريخه إلى عام ١٤٠٠٠ قبل الميلاد لشخص، يعتقد العلماء أنه كاهن من الشامان، يرتدي غطاء على رأسه عبارة عن قرون. رسوم أخرى يعود تاريخها إلى ٣٢٠٠ قبل الميلاد أخرى وجدت في معابد طيبة لمجموعة من الرجال يرتدون قبعات مخروطية الشكل مصنوعة من القش.
أنماط مختلفة من التيجان ظهرت في رسوم الفراعنة، أما عامة الشعب فكانوا يرتدون قبعات مربعة الشكل مصنوعة من الكتان مع طيات تنسدل حول الأذنين.
من جهتهم اعتمد اليونانيون القدامى قبعة تسمى «بياتوس» وهي ذات أطراف عريضة مصنوعة من اللباد وقلد الأتروسكان والرومان نمط القبعة هذه وانتشرت بشكل كبير في فترة القرون الوسطى.
الإغريق استخدموا قبعات تسمى «بيلوس» بدون أطراف وكانت مخروطية الشكل ومستوحاة من تصاميم الفراعنة وقد ظهرت بتصاميم متنوعة في كافة الحضارات الأوروبية.
عند الحضارات الرومانية والإغريقية كان العبيد وعندما يتم تحريرهم يتم منحهم «قبعة الفريجية» بشكلها المخروطي المصنوعة من اللباد أو الصوف وقد أعيد استخدامها في الثورة الفرنسية كرمز للحرية.
تطور الأنماط عبر العصور
الهيمنة خلال القرن العاشر كان للقبعات الفريجية ولغطاء الرأس الذي يعتمده الكهنة. لاحقاً باتت القبعات طويلة ورفيعة بتصاميم غير معقدة، ولكن الموسيقيين قلبوا الصورة رأساً على عقب، فترحالهم جعلهم يجمعون بين تصاميم قبعات مختلفة من دول مختلفة والنتيجة كانت تصاميم معقدة وغريبة لأن الغاية كانت لفت الأنظار إليهم.
وهكذا ظهرت قبعات مثل «الغوغت» وهي غطاء للرأس مع قماش يغطي الرقبة، أما «قبعة المنقار» وهي قبعة بحافة عريضة فكانت النمط الذي إعتمدته الفئات الشابة خصوصاً خلال القرن الثالث عشر.
بحلول القرن الرابع عشر بدأت القبعات تصبح أطول وأكبر حجماً. «ليريبايب» كانت من الأنماط المعتمدة وهي غطاء للرأس مع طوق قماشي للعنق، أما الشباب فكانوا يعتمدون القبعة مع قماش ينسدل على الكتفين. مع حلول عصر النهضة خسرت القبعات طولها وبدأت تصبح أكثر عرضاً فحلت «البيريه» العريضة مكان القبعات الطويلة بالإضافة الى «البونيه» وهي قبعة عريضة ومسطحة بـ ٦ أضلع.
قبعة «البيفر» المصنوعة من فرو القندس ظهرت وبقوة خلال هذه الفترة وكانت قبعة شبابية، أما التجار فكانوا يعتمدون قبعات «البيريه» والأكبر سناً كانوا يفضلون قبعات «بيرتا» والتي هي مربعة الشكل مع أربعة أضلع.
القبعات في القرن السابع عشر تحولت لتصبح ذات رمزية رومانسية ترتبط بالفروسية والشهامة كان ذات حواف مرفوعة إلى أعلى مزينة بريش النعام أو المجوهرات.
مع انتصاف القرن السابع عشر ظهرت قبعات هي مزيج بين النمطين الشرقي والغربي فكانت هجينة تجمع بين العمائم والقبعات الغربية ضخمة الحجم ومزينة بالريش أو المجوهرات.
ومع نهاية القرن تقلصت القبعات مجدداً لتصبح بحواف يتم ثنيها إلى أعلى أو إلى الجانبين وذلك لأن الشعر المستعار، الذي كان أساسياً لكونه يدلل على المكانة الاجتماعية، كان يحتاج لقبعة لا تغطيه فظهرت قبعات الحواف الثلاث «تراي كورن» ولاحقاً «باي كورن» والتصميم هذا هو الذي اعتمده نابليون بونابرت.
اندلاع الثورة الفرنسية نقل الأزياء مما هو مبالغ به وفاخر إلى البسيط والعملي، وتم استعادة «قبعة الفريجية» كرمز للثورة على الطبقية. ومع بداية القرن الثامن عشر وبسبب الثورتين الفرنسية والأمريكية فإن عالم الموضة وخصوصاً القبعات ابتعد عن المبالغة والفخامة إلى ما هو عملي ويتسم بالوقار.
بالانتقال إلى القرن التاسع عشر فإن الفترة هذه قدمت القبعات الكلاسيكية والأنيقة وبدورها الثورة الصناعية جعلت الأقمشة المستخدمة عملية ما زاد من انتشارها بين الطبقة العاملة.
القبعة المرتفعة «توب هات» المصنوعة من الحرير مع تاج طويل وعريض هيمنت على تلك الفترة وكانت رمزاً للرأسمالية. ومع نهاية القرن بدأت قبعات «البولر» و«الديربي» تنتشر على نطاق واسع. وبما أن قبعات «البولر» كانت متينة بدأ رجال الطبقات الوسطى يعتمدونها وتحولت من قبعة صنعت للأثرياء إلى قبعة الطبقة العاملة.
في الولايات المتحدة ظهرت قبعات «سيستون» التي تحولت لرمز الغرب الأميركي. في القرن العشرين أصبحت القبعات كلاسيكية بشكل أكبر وبسيطة مثل قبعات «البوتر»، «التوب هات»، «قبعة باناما»، «هومبرغ»، «تريبلي» و»الفيدورا» وطبعاً «قبعة البيسبول». أما القرن الحادي والعشرين فهو قرن تحول القبعات، بتاريخها الطويل جداً، إلى إكسسوار لا أكثر.
«نزاع» إنجليزي فرنسي على «التوب هات»
جون إثيرينغتون، صاحب متجر متخصص بسلع الرجال، خرج في ساعات الصباح الأولى من متجره في ١٦ يناير عام ١٧٩٧ وهو يرتدي قبعة من تصميمه الخاص. القبعة هذه إجتذبت الحشود ما أرغمه على دفع أحدهم كي يتمكن من المرور. ورغم أنه أعتقل بتهمة تعكير الأمن لكن قبعته لم تشهد شهرة كبيرة خلال تلك الفترة فحسب بل بدلت مسار تصميم القبعات خلال الفترات اللاحقة.
البريطانيون يؤكدون أن إثيرينغتون ابتكر تلك القبعة ولكن الفرنسيين لهم رأي مغاير، فهم يؤكدون أن التصميم هذا ظهر قبل عام وجون إثيرينغتون سرقه أما دليلهم على ذلك فهو لوحة رسمت عام ١٧٩٦ تظهر رجلاً يرتدي قبعة حريرية تشبه تماماً قبعة جون إثيرينغتون.
معلومات مشوّقة عن رحلة حذاء السنيكرز.. من القرن الثامن عشر إلى اليوم
القبعات الأشهر عبر التاريخ
قبعات البولر: ظهرت عام ١٨٤٩ وصممها إدوارد كوك للأشخاص الذين يشرفون على الألعاب وعمليات الصيد التي كانت تتم في مساحات مفتوحة. كانت متينة للغاية وتلتصق بالرأس كي توفر الحماية. صنعت من اللباد المتين، بحافة رفيعة وتاج منخفض. وقد وجدت هذه القبعة قبولاً عند جميع الفئات حتى العام ١٩٦٠ ولعل أشهر من اعتمدها هو تشارلي تشابلن.
قبعة ستيتسون: جون ستيتسون بائع السلع ابتكر هذه القبعة المستوحاة من القبعات التي كان يرتديها رعاة البقر في الغرب الأمريكي. التصميم كان عبارة عن تاج مستقيم، وحافة عريضة وواسعة. وبما أنها كانت مضادة للماء ومتينة فقد وجدت رواجاً كبيراً وغزت منطقة الغرب لتصبح لاحقاً رمزاً لرعاة البقر.
الفيدورا: تم ابتكارها عام ١٨٨٢ خصيصاً للمثلة الفرنسية سارة بيرهاردت لدورها في مسرحية كانت تعرض حينها وكانت شخصيتها تسمى «فيدورا». القبعة شهدت رواجاً كبيراً ولكن بين النساء لتعود لاحقاً وتصبح قبعة الرجال والنساء معاً. وما يميزها هو تاجها المصنوع من لباد ناعم مجعد من المنتصف وحافتها اللينة.
قبعة باناما: القبعة هذه لا علاقة لها بباناما فهي ظهرت للمرة الأولى في البيرو ولكن باناما كانت المركز الرئيسي للتوزيع والمهندسون الأمريكيون الذين عملوا في قناة باناما عام ١٩١٤ ظنوا بأنها محلية الصنع فأطلقوا عليها تسمية قبعة باناما. قبعة خفيفة مصنوعة من القش المجدول كانت وما تزال تحظى بشهرة كبيرة.
قبعة البوتر: قبعة صيفية بتاج مسطح وحافة دائرية. القش المضلع كان يتم حياكته بشكل حلزوني ما منحها طلة غير رسمية.
قبعة البيسبول: قبل قبعة البيسبول لم يكن هناك غطاء رأس موحد للذين يمارسون الرياضة، بعضهم كان يرتدي قبعات من القش والبعض الآخر لم يكن يرتدي شيئاً على الإطلاق. في العام ١٨٥٨ أصبح فريق «بروكلين أكسلسيبرز» أول فريق يرتدي قبعة البيسبول. القبعة هذه هي مزيج بين أنماط مختلفة من القبعات فهي تستعير متانة قبعة السائس والحافة الأمامية هي تعديل للحواف المعتمدة منذ الأزل. تصميم عملي جداً شق طريقه من الملاعب ليصبح الأكثر شهرة بين فئة الشباب حول العالم.