ومضات على بداية الاقتصاد السعودي (4)| حيرة القرارات الصعبة في ستينيات القرن الماضي
يسير تاريخ الاقتصاد الحديث في «المملكة العربية السعودية» خطوة بخطوة مع إنشاء الدولة السعودية وتثبيت دعائمها؛ واستعدادًا للاحتفال باليوم الوطني السعودي الـ 90، وضمن حملة «لمتنا سعودية»، التي أطلقتها مجلتا «الرجل وسيدتي»، نستكمل معًا سلسلة المقالات الاقتصادية «سنوات الصراع والمجد»، التي تلقي ومضات سريعة على تاريخ الاقتصاد السعودي.
لم تتغير الفلسفة الاقتصادية للعائلة المالكة في «المملكة العربية السعودية» منذ عهد المؤسس الأول الملك «عبدالعزيز بن سعود»، ولكن الدور الاقتصادي للحكومة نما بشكل هائل، وتم استبدال الاقتصاد القديم بفرص اقتصادية جديدة مربحة لمواطني البلاد، بهدف تحسين الظروف الاقتصادية لهم مع الحفاظ على القيم الإسلامية للمجتمع.
كانت حقبة الستينيات من القرن الماضي، فترة صراع وقلق وضغوط داخلية وخارجية شديدة في تاريخ المملكة الحديث؛ نظرًا للظروف التي عاشتها السعودية والمنطقة العربية وسط حيرة القرارات والخيارات الصعبة، بعدما عاشت البلاد ظروفًا دقيقة وصعبة، بدأت بعزل الملك، وفتور العلاقات السعودية المصرية، ثم حرب اليمن، وبعدها حرب 1967.
سنوات الصراع والمجد| السعودية ما بعد الملك المؤسس وتحديات البقاء خلال خمسينيات القرن الماضي
-
وفيما يلي سرد لأهم وأبرز الأحداث المؤثرة في تاريخ السعودية خلال حقبة الستينيات من القرن الماضي:
المملكة تحصد عضوية أوبك
في سبتمبر من عام 1960 تأسست «Organization of the Petroleum Exporting Countries - منظمة الدول المصدرة للنفط»، والتي تعرف اختصارًا باسم «OPEC - أوبك»، ضمن فاعليات مؤتمر عُقد ببغداد، وتعتبر السعودية عضوًا مؤسسًا فيها، حيث شكّلت كلٌّ من: السعودية والعراق والكويت وإيران وفنزويلا، النواة الأولى لمنظمة «أوبك».
فقد جمعت منظمة «أوبك» أكبر منتجي النفط في العالم، باستثناء الولايات المتحدة وروسيا، في مجموعة مصممة لتنسيق سياسات إنتاج النفط. تأسيس منظمة أوبك جاء كخطوة رئيسة في تحرك أرامكو السعودية نحو الهيمنة على أسواق النفط العالمية. في البداية، لم تمارس أوبك سوى القليل من الضغط على أسعار النفط العالمية، لتتوسع بعد ذلك، ويُنظر إليها الآن على أنها أهم منظمة في سوق النفط ، ولها تأثير كبير على الأسعار.
وبالتوازي واصل إنتاج النفط السعودي في التزايد بعد تطوير الحقول البحرية؛ حتى أصبحت السعودية المصدّر الرئيس في منظمة «أوبك»، وبحلول عام 1965 بلغ الإنتاج 2 مليون برميل يوميًا. وفي الوقت ذاته، ازدادت مشاركة السعودية في إدارة أرامكو، كما تم بناء بنية تحتية ضّخمة في أواخر الستينات وأوائل السبعينات؛ لتحميل ناقلات النفط العملاقة من الحقول البحرية، وإنتاج الغاز الطبيعي المسال (NGL)، وإنتاج الحقول البحرية، وتكرير المزيد من النفط.
الملك فيصل وراية التحديث
بحلول أوائل الستينيات، ظهر في «السعودية» تنافس حاد بين الملك «سعود بن عبد العزيز آل سعود» (حكم من 1953 إلى 1964) وأخيه غير الشقيق «فيصل»، وبصفة خاصة مع تصاعد الأصوات المشككة في كفاءة «سعود» بين العائلة المالكة جراء مروره بالعديد من الوعكات الصحية القاسية والمتتالية، وعليه، تنازل الملك عن الحكم عام 1964، ليتولى شقيقه الملك «فيصل» مقاليد الحكم في البلاد، حاملاً رؤية لتحديث الحكومة وإدارتها.
بدأ الملك «فيصل» في تطوير الاقتصاد السعودي والبنية التحتية، ومنح رعاياه حصة في الفوائد الاقتصادية للنفط، كما قدم خدمة صحية مجانية لجميع المواطنين السعوديين وبدأ طفرة في البناء من شأنها أن تحول «المملكة العربية السعودية» من أرض صحراوية فقيرة إلى دولة ذات بنية تحتية حديثة.
وتسارعت وتيرة نمو الاقتصاد السعودي بسبب ارتفاع أسعار النفط عقب حرب 1967، فقد بدأ عام 1970 تنفيذ خطة التنمية الأولى، التي أقرها الملك فيصل في أواخر الستينيات، إذ بلغت في ذلك العام عوائد النفط السنوية في السعودية مليار دولار للمرة الأولى.
تعزيز التخطيط والإصلاح المصرفي
أنشأت المملكة لأول مرة وكالة تخطيط في عام 1958 استجابة لاقتراحات مستشاري صندوق النقد الدولي. كان التخطيط محدودًا في الستينيات جزئيًا بسبب القيود المالية السعودية، حيث ركزت الحكومة أموالها المحدودة على تنمية الموارد البشرية، وتحديث نظام النقل والمواصلات، وتطوير جوانب أخرى من البنية التحتية، وفي عام 1965 تم إضفاء الطابع الرسمي على التخطيط في جهاز التخطيط المركزي.
وفي العام التالي 1966، صدر قانون رئيسي للرقابة المصرفية، ما أوضح وعزز دور مؤسسة النقد العربي السعودي في تنظيم النظام المصرفي. بموجب القانون يتم تقديم طلبات الحصول على التراخيص المصرفية إلى مؤسسة النقد العربي السعودي، التي بدورها تقدم كل الطلبات والتوصيات إلى وزارة المالية والاقتصاد الوطني، لكن مجلس الوزراء وضع شروط منح التراخيص للبنوك الأجنبية، كما حدد القانون المتطلبات المتعلقة بالاحتياطات مقابل الودائع.
لأن المصارف التجارية تفضل الإقراض قصير الأجل للشركات والأفراد من أصحاب الملاءة المالية الكبيرة، أنشأت الحكومة مؤسسات ائتمانية خاصة لتوجيه الأموال إلى قطاعات ومجموعات أخرى في الاقتصاد، فقد تأسس المصرف الزراعي العربي السعودي في عام 1963 لتقديم تمويل التنمية والإعانات للقطاع الزراعي.
الإصدار الأول والثاني من النقود الورقية
تم طرح أول إصدار نقدي ورقي رسمي في السعودية، في عهد الملك «سعود»، وتحديدًا في عام 1961 بخمس فئات، هي: المائة ريال، والخمسين ريالاً، والعشرة ريالات، والخمسة ريالات، والريال الواحد، وفي عام 1968 تم طرح الإصدار الثاني من النقود الورقية للتداول، في عهد الملك «فيصل»، بفئاته الخمس أيضًا.
د
على طريق التعليم
لا يمكن أن تقوم دولة حديثة متطورة دون وجود رؤية ورغبة سياسية في دعم نظام تعليم قوي، وهذا ما بدأ بالفعل في عهد المؤسس الأول «عبدالعزيز بن سعود» عندما افتتح أول جامعة في الرياض عام 1957، لتكون بمثابة الدفقة الأولى على طريق العلم، ثم جاء القرار الأكثر جراءة بافتتاح مدارس لتعليم الفتيات عام 1960، ليشهد التعليم تطور سريع خلال حقبة الستينات، مع تأسيس معهد الإدارة العامة للتنظيم الإداري عام 1960، ثم الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة في العام التالي عام 1961، ثم كلية البترول والمعادن في الظهران، وسمحت للفتيات عام 1961 بالانتساب للجامعة من خلال كلية الآداب والعلوم الإدارية.
وفي عهد الملك «فيصل بن عبد العزيز آل سعود» (حكم من 1964 إلى 1975)، كانت هناك زيادة هائلة في الإنفاق الحكومي على التعليم إلى مستوى سنوي يبلغ حوالي 10% من إجمالي الميزانية.
تحسين الزراعة توزع الأراضي
لآلاف السنين، كان الاقتصاد في شبه الجزيرة العربية يتحدد من خلال مجموعات مستقلة من الناس، الذين يعيشون بالقرب من الآبار والواحات، وكان معظم السكان يعملون في الزراعة، بما في ذلك البدو الرُحل، الذين يقومون بتربية رؤوس الماشية عن طريق نقلها إلى الأعلاف المحدودة التي تنتجها الأمطار النادرة.
قامت وزارة الزراعة بوضع برنامج شامل للبحث عن المياه، وذلك بالاستعانة بشركات استشارية عالمية، وبدأت بتنفيذ هذا البرنامج بعام 1965، كما عملت الوزارة على تحسين أساليب الزراعة وتطوير الثروة الحيوانية ومصائد الأسماك والمحافظة على الغطاء النباتي ومكافحة التصحر.
ومضات على بداية الاقتصاد| السعودية تثبت أقدامها على الساحة الدولية خلال أربعينيات القرن الماضي
وفي عام 1968 صدر قانون توزع مساحات من الأراضي في أجزاء مختلفة من البلاد على الأفراد، وبذلك كسر السيطرة المجتمعية على الأرض منذ قرون، أدى توزيع الأراضي هذا حتمًا إلى تغيير أنماط ملكية الأراضي في المملكة، التي أفادت بشكل رئيسي في نمو مبيعات الأراضي للأعضاء غير القبليين.
أبرز الأحداث الاقتصادية خلال سنوات العقد الثاني في تاريخ المملكة (ستينيات القرن الماضي):
1960 - السعودية عضو مؤسس في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك).
1961 - طرح أول إصدار نقدي ورقي رسمي في المملكة، وافتتاح الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة.
1962 - إنشاء المؤسسة العامة للبترول والمعادن (بترومين).
1963 - تأسيس المصرف الزراعي العربي السعودي.
1964 - الملك فيصل يتولى مقاليد الحكم في المملكة.
1965 - بلغ الإنتاج 2 مليون برميل يوميًا، كما تم إضفاء الطابع الرسمي على التخطيط في جهاز التخطيط المركزي، وبدأ تنفيذ برنامج شامل للبحث عن المياه.
1966 - صدر قانون رئيس للرقابة المصرفية، عزز دور مؤسسة النقد العربي السعودي في تنظيم النظام المصرف.
1968 - طرح الإصدار الثاني من النقود الورقية، وإصدار قانون توزيع الأراضي في أجزاء مختلفة من البلاد على الأفراد.
1969 - استحدثت المملكة خطة التنمية الأولى.
1970 - عوائد النفط السعودي تصل إلى مليار دولار للمرة الأولى.