تاريخ النظارات الشمسية: جذورها ضاربة في التاريخ أكثر مما يخيل إليكم
النظارات الشمسية وبرغم أنها تصنف كإكسسوار لكنها أساسية للغاية وذلك لأنها توفر الحماية الضرورية من أشعة الشمس الضارة. لكن وبرغم هذا الواقع فعند الاختيار التركيز ينحصر بالموديلات والأنماط والماركات وبالتالي الهم الأول والأخير يكون الظهور بمظهر مميز. صحيح إن المقاربة هذه مقبولة تماماً بحكم أن النظارات الشمسية ستكون ظاهرة بشكل جلي وعليه هناك حاجة ماسة لأن تكون متناسبة تماماً مع شكل الوجه ولكن الغاية غالباً ما تكون الزينة وليس الحماية، أي إن أي شخص يشتري نظارات شمسية نادراً ما يستفسر عن حجم الحماية التي توفرها العدسات هذه أو تلك.
النظارات الشمسية حالها حال جميع الأدوات والملابس والإكسسوارات الموجودة حالياً لها تاريخها الخاص بها. ولكن عند التفكير بالنظارات الشمسية وتاريخها غالباً ما سنجد أنفسنا نعود لعشرات السنوات أو حتى لعقود ظناً منا أن تاريخها لا يمكن أن يمتد لأبعد من ذلك، ولكننا مخطئون تماماً فالرحلة طويلة والحكاية أطول.
عودة إلى عصور ما قبل التاريخ
الآثار التي تم اكتشافها تعيدنا إلى عصور ما قبل التاريخ والمصطلح هذا يطلق على الحقبة التي سبقت اختراع الكتابة في سومر أي إلى ما قبل ٣٤٠٠ قبل الميلاد. شعوب الإنويت وهم الشعوب التي سكنت شمال الكرة الأرضية كانوا أول من ارتدى نظارة شمسية. ففي تلك المنطقة حيث كانت الثلوج تغطي كل شيء كان انعكاس أشعة الشمس يجعل الرؤية صعبة ومؤلمة وأحياناً مستحيلة، فلجأت شعوب الإنويت إلى نظارات مصنوعة من عاج حيوان الفظ أو من قرون الوعل. النظارات تلك كانت عبارة عن قرون بشقوق صغيرة تسمح بالرؤية وتحمي من العمى الثلجي. وبرغم أن الشكل لا يصنف فعلياً كنظارة شمسية مقارنة بالشكل الحالي، فإن شعوب الإنيوت بدأوا بالفكرة الأساسية للنظارات، فكرة لن تتلقفها الشعوب الأخرى إلا بعد قرون.
الإمبراطور نيرون
من عصور ما قبل التاريخ إلى عهد الإمبراطور نيرون الذي امتد بين ٢٧ إلى ٦٨ قبل الميلاد. يقال إن الإمبراطور الروماني نيرون كان يفضل مشاهدة المجالدين يتصارعون من خلال قطع الزمرد. المؤرخون يعتبرون المقاربة هذه مقدمة، وإن كانت غامضة بعض الشيء، للنظارات الشمسية. أما سبب اعتماد نيرون على قطع الزمرد فهو غير معروف على وجه الدقة وإن كان هناك ميل لنظرية أنه كان يعاني من ضعف النظر وبالتالي كان يستخدم الزمرد كي يتمكن من الرؤية بشكل أفضل وليس للحماية من الشمس.
القضاة الصينيون
خلال القرن الثاني عشر استخدم الصينيون قطعا مسطحة من الكوارتز الرمادي الذي يشبه لون الدخان لمساعدتهم على الرؤية بشكل أوضح وكانت هذه القطع تعرف باسم «أي تاي» والتي تعني الغيوم الداكنة التي تغطي الشمس. ولكن هذه النوعية من العدسات لم يتم إضافتها الى إطار إلا بحلول القرن الخامس عشر. هذه النوعية من النظارات كانت تعتمد لغايات عديدة منها علاجية ومنها لحضور المناسبات الاحتفالية الخاصة كما أن بعض الوثائق القديمة تشير إلى أن القضاة في الصين كانوا يرتدون النظارات هذه لإخفاء تعابير وجههم خلال المحاكمات.
ظهور الإطارات
خلال القرن الثاني عشر ظهرت بعض النظارات التي كانت تهدف لتصحيح الرؤية في إيطاليا ولكن المرحلة الهامة في تطور النظارات الشمسية كانت تحدث في إسبانيا خلال نهايات القرن السادس في معمل لحرفي قام بابتكار الإطارات. النظارات حينها كان يتم وضعها على الأنف فقط فتم إضافة الأجزاء التي تمتد إلى الأذنين ولكن ليس بالشكل الذي نعرفه حالياً. النظارات حينها كانت تحتاج إلى شعر مستعار كي يتمكن الشخص من ارتدائها لأنها كانت تلتف حول جانبي الرأس وصولاً إلى الجزء الخلفي منه.
القرن الثامن عشر..منعطف هام في تاريخ النظارات
أول نظارات بعدسات ملونة مخصصة وبشكل حصري للحماية من أشعة الشمس ظهرت في فينسيا في إيطاليا في نهاية القرن الثامن عشر. النظارات الشمسية تلك كانت تعرف باسم «غولدوني» وذلك تيمناً بالكاتب المسرحي الإيطالي كارلو غولدوني الذي كان يرتدي النظارات هذه لحماية عينيه من أشعة الشمس خلال عمله في قنوات البندقية المشمسة. ولكن المرحلة هذه وفضل غولدوني على النظارات الشمسية وشهرتها لا يمكن حسمه بشكل قاطع وذلك لعدم وجود ما يكفي من الوثائق لحسم الأمر بشكل كلي.
في الفترة نفسها خلال القرن الثامن عشر كان جيمس أيسكوف في بريطانيا يعمل على العدسات الملونة إذ كان على قناعة تامة بأن الزجاج الملون بالأخضر أو الأزرق يمكنه المساعدة على توضيح الرؤية أو حل بعض المشاكل البصرية خصوصاً الحساسية للضوء. رغم أن تجارب أيسكوف هي الأساس لعدسات النظارات الشمسية المعاصرة ولكن الحماية من الشمس كانت أبعد ما يكون عن تفكيره خلال تجاربه.
زاوية بريفيستر.. من الفيزياء الى العدسات
وبرغم أن الخبراء غالباً ما يمنحون الفضل كله لأيسكوف لكن تطور النظارات الشمسية بفعاليتها عمل جماعي بمجالات مختلفة. في العام ١٨١٥ اكتشف العالم الفيزيائي السكوتلدني دايفيد يريفيستر زاوية الاستقطاب أو زاوية بريفيستر. ومن دون الخوض في تفاصيل الزاوية بمفهومها العملي فإنه توصل إلى الزواية التي يمكن من خلال أن يتم عكس الضوء المستقطب عن اصطدامه بسطح عاكس.. وهكذا بات لدينا العدسات المستقطبة أو بولاريزد.
بداية عصر النظارات الشمسية التجارية
شيئاً فشيئاً بدأ الناس يرتدون النظارات بعدسات ملونة وذلك من أجل حل المشاكل البصرية ومنها الحساسية للضوء التي كانت من أعراض مرض الزهري. وعليه النظارات الشمسية لم تكن مدعاة «للفخر» أو التبجح بل كان كل من يرتديها يعتبر بأنه يعاني من خطب ما.
ولكن كل هذا تبدل بحلول العام ١٩٢٠ بعد أن راجت النظارات الشمسية بشكل كبير بين أوساط النجوم في هوليود. وبعد ذلك بتسعة أعوام دخلت النظارات الشمسية مرحلة التصنيع التجاري مع سام فوستر الذي كان يملك مصنعاً للبلاستيك وكان عمله رائجاً جداً في مجال تصنيع أمشاط الشعر البلاستيكي، ثم قرر دخول عالم النظارات الشمسية فقام بتصنيعها بتكلفة منخفضة وبيعها في أتلانتيك سيتي حيث حققت شهرة كبيرة بين رواد الشاطئ لكونها كانت متوفرة في المتاجر وليس وفق الطلب كما كان الحال حينها مع النظارات الشمسية كما أنها كانت تباع بـ ١٠ سنت. برغم أن إقناع المتاجر بداية الأمر لم يكن سهلاً وكان على غرانت اعتماد جميع أنواع الحيل لإقناعهم ببيع النظارات لكنه وبحلول عام ١٩٣٨ تم بيع ٢٠ مليون نظارة شمسية.
الحرب العالمية وتأثيرها على النظارات الشمسية
في عام ١٩٣٦ زاد إديون إتش لاند من فعالية النظارات الشمسية باستخدام مرشح استقطابي في العدسات. وبعد ذلك بفترة قصيرة اندلعت الحرب العالمية الثانية وبدأت المؤسسات العسكرية بتصميم نظارات تساعد على تحسين رؤية الطيارين والتخفيف من حدة اللمعان عند التحليق على ارتفاعات شاهقة. حينها تم تكليف «بوس أند لومب» من أجل ابتكار النظارة المثالية للطيارين وهذا ما حصل وتم تقديم «الأفياتور» للعالم والذي كان يستخدم حصرياً للقوات المسلحة لحماية أعين الطيارين.
النمط هذا شق طريقه إلى قلوب نجوم هوليود الذين اعتمدوه ومن ثمّ جعلوه مرغوباً من الجميع. وفي عام ١٩٣٧ بدأت عملية بيع موديلات أفياتور بشكل تجاري.
ومع الإدراك بأن التعرض لأشعة الشمس يؤدي إلى اعتام عدسة العين وخسارة النظر بدأت الدول منذ عام ١٩٧٠ بوضع معايير يجب توفرها في عدسات النظارات الشمسية للحماية من الأشعة ما فوق البنفسجية. واليوم الموديلات والأنماط وأنواع الحماية المتوفرة عديدة، ولكن النتيجة هي نتاج عمل طويل في مجالات مختلفة وتقاطع كبير مع تاريخ النظارات الطبية.