باولو كويلو يكتب: لماذا التأمل؟ (الجزء الثاني)
تصور الواقع
في الشهرالماضي، نظرنا في مقارنة لورانس ليشان-Lawrence LeShan عن التأمل والحفاظ على اللياقة، حيث علق أنه رغم أن رفع الأوزان قد يبدو سخيفاً، فإن الهدف ليس الوزن في حدّ ذاته، ولكن الشعور الجميل الذي نحسّه بعد ذلك. في حالة التأمل، ليس الهدف الجلوس صامتاً، مع الانتباه إلى التنفس، ولكن تشكيل منظور أو تصور جديد للواقع.
هل هذا التصور الجديد مهم حقاً؟
يقرّ ليشان، بكون هذه النقطة معقدة للغاية. من ناحية، يمكننا أن نعمل بكفاءة عالية في العالم كما نعرفه، ومن ناحية أخرى، نرى أن الكثير من الذين يستحقون احترامنا، مثل غاندي أوالأم تيريزا الأفيلاوية، وبوذا، حاولوا إدراك الواقع بشكل مختلف، ما دفعهم إلى الإقدام على خطوات عملاقة، عملت على تغيير مصير الإنسانية.
كما هي الحال في موضوع الحفاظ على اللياقة، يضع المعلم المتمكن مجموعة مختلفة من التمارين لكل طالب، لا يوجد أسلوب واحد للتأمل، وعلى كل شخص مهتم بالموضوع، أن يجد طريقته الخاصة. ومع ذلك، هناك خطوات أولية معينة، مذكورة في جميع الأديان والثقافات، تقريباً تلجأ إلى التأمل وسيلةً لإيجاد السلام الداخلي، وسأذكرها أدناه (بناء على كتاب لورانس ليشان الرائع ، "How to Meditate").
أولاها: مراقبة التنفس. اذ يساعدنا حساب عدد المرات التي يطبّق الشهيق والزفير كل دقيقتين، على تركيز انتباهنا على ما نقوم به تلقائيًا. كما يعزز فصلنا عن الحياة اليومية. قد يبدو هذا بسيطًا جداً، ولكن لا تخدعك بساطته الواضحة: إذ إن كل من يقرر تجربة هذا التمرين، سيدرك أن الأمر يتطلب مجهوداً وصبراً كبيرين. ومع ذلك، بينما نمارس ذلك (يمكننا ممارسة التنفس الواعي في أي مكان، قبل النوم أو في الحافلة أو القطار للعمل)، سنبدأ بالتواصل مع جزء غير معروف من أنفسنا وسنشعر بالتحسن.
الثانية: اختيار مكان. تتمثل المرحلة التالية في محاولة قضاء عشر دقائق، أو خمس عشرة دقيقة يومياً في مكان هادئ، وممارسة هذا التنفس الواعي خلال السكون (مثل رهبان"زن" الذين ذكرناهم سابقاً)، وحينها سوف تبرز الأفكار، حتى ضد إرادتنا، وفي هذه اللحظة من الجيد أن نتذكر ما قالته الأم تيريزا عن الذهن: "سوف يذهب الحصان الجامح إلى أي مكان، عدا عن الذي نريده".
الثالثة: تحفيز صمت العقل دون عنف. أخيراً، مع مرور الوقت (حيث يجب أن نتذكر أيضاً أن هذا يتطلب ممارسة من شهرين إلى ثلاثة على الأقل)، يفرغ العقل بشكل طبيعي، ما يؤدي إلى استشعار الهدوء بشكل كبير في حياتنا اليومية. ومهما كانت مشكلاتنا صعبة او حياتنا مرهقة، فإن هذه الدقائق الخمس عشرة يومياً ستحدث فرقاً كبيراً وستساعدنا في التغلب على الصعوبات التي نواجهها - دون وعي عادة.
في قصة شهيرة من بوذية زن ، سأل لاو شي، سيده وانغ تيه:
"ماذا يجب أن أفعل حتى أكون أقرب إلى الله؟"
طلب منه وانغ تيه أن يرافقه إلى قمة الجبل. وهناك، أخرج شمعة من جيبه وأعطاها لتلميذه ليشعلها. حاول لاو شي، مرات عدة، دون نجاح.
فقال: "الجوّ عاصف جداً هنا، لا يمكنني القيام بذلك."
"لكن على بعد ميل أو نحو ذلك من هنا، لا عاصفة".
ما الفائدة من هذا؟ أيتوجب عليّ المشي الى هناك لإشعال شمعة في مكان لا تهبّ فيه الرياح.
فأجاب وانغ تيه: "بالطريقة نفسها، عليك لغاية تثقيف عقلك وزرع نور الله داخلك، السير إلى مكان أكثر هدوءاً".
لذلك، سواء كنت تحاول أن تجد الله أو نفسك، فعبر التأمل، ستجد مكانك الهادئ وتكتسب رؤية أكثر وضوحاً وموضوعية تجاه العالم.