«من كان معلمك يا سيدي؟».. مقال باولو كويلو
عندما كان الصوفي الكبير حسن، على وشك الوفاة، سأله أحد تلاميذه: "من كان معلمك يا سيدي؟"، رد قائلاً: "كان لي مئات المعلمين، واذا اضطررت الى تسمية كل منهم، فإن الامر سيستغرق أشهراً وربما سنوات، ومع ذلك، فإنني سأنسى بعضهم". "ألم يكن هناك واحد منهم ميزته أكثر من غيره؟".
فكر حسن لمدة دقيقة وقال:
"في الحقيقة، كان هناك ثلاثة أشخاص علموني أشياء مهمة جداً.
أولهم كان لصاً؛ ففي مرة تهت في الصحراء ولم اصل إلى المنزل الا في وقت متأخر جداً. وكنت قد تركت مفتاحي مع جاري، ولم أكن أريد أن أوقظه في منتصف الليل. وأخيراً وجدت رجلاً، وطلبت منه المساعدة وفتح القفل في غمضة عين. اعجبت جداً بما فعله، وطلبت منه أن يعلمني كيفية القيام بذلك. فأخبرني انه يعمل لصاً، كنت ممتناً جداً، الى درجة انني دعوته للبقاء لبعض الوقت معي.
نام في منزلي شهراً؛ كل ليلة كان يخرج ويقول: "انا ذاهب الى العمل. وعندما يعود، كنت أسأله دائماً، إذا كان قد كسب شيئاً، فيردّ "لم أحصل على أي شيء اليوم. ولكن بإذن الله سأحاول مرة أخرى غداً".
كان رجلاً سعيداً، ولم أره، قطّ، يائساً لعدم وجود نتائج. خلال جزء كبير من حياتي، عندما كنت اتأمل ولا أرى نتيجة كنت اصاب بالاكتئاب الكلي. ولكن في هذه اللحظات، أتذكر كلمات اللص - "لم أحصل على أي شيء هذه الليلة، ولكن إن شاء الله، سأحاول مرة أخرى صباح اليوم التالي". وهذا أعطاني القوة على المضي قدماً والإصرار على التأمل". "من كان الشخص الثاني؟" سأل التلميذ.
"كان كلباً؛ كنت ذاهباً الى النهر لشرب الماء، عندما جاء كلب عطش. ولكن عندما وصل إلى الماء، رأى كلباً آخر هناك، الا انه لم يكن غير انعكاس صورته.
خاف وابتعد وبذل ما في وسعه، ونبح، لإبقاء الكلب الآخر بعيداً، ولم يحدث شيء، بطبيعة الحال. وأخيراً، لأنه كان عطشاً جداً، فقرر المضي قدماً ورمى نفسه في النهر. في هذه اللحظة، اختفت الصورة. حينها فهمت أن أي عقبة يمكن التغلب عليها عندما نواجهها".
توقف حسن لفترة وجيزة:
"وأخيراً، كان معلمي الثالث طفلاً؛ كان يسير نحو المسجد بشمعة مضاءة في يديه. وسألته: "هل أضأت هذه الشمعة بنفسك؟". فرد الطفل بالايجاب. وأنا اقلق من لعب الأطفال بالنار، فأصررت وقلت: "أيها الصبي، كانت هذه الشمعة مطفأة سابقاً، هل يمكن أن تخبرني من أين جاء اللهب الذي يضيئها؟".
ضحك الصبي، أطفأ الشمعة وسألني مرة أخرى: "وأنت، هل يمكن أن تخبرني أين ذهب الضوء الذي كان هنا؟".
في تلك اللحظة فهمت غبائي. من الذي يضيء لهب الحكمة؟ إلى أين يذهب؟ لقد فهمت أننا، كالشمعة، نحمل النار المقدسة في قلوبنا، خلال لحظات معينة، ولكننا لا نعرف البتة أين أضيئت. ومنذ ذلك الحين، بدأت التواصل المقدّس مع كل شيء من حولي، الغيوم والأشجار والأنهار والرجال والنساء. كان لي الآلاف من المعلمين خلال حياتي، وكلما كنت بحاجة إلى إجابات، كنت اجدهم في أبسط الأماكن. كنت اتبع الدلائل والعلامات، وعشت على اتصال دائم مع كل شيء ومع الجميع.
معلمي هو أي شخص يوقظ المعرفة داخلنا، المعلم كبركة سباحة، يعلمنا السباحة. وبمجرد أن نعرفها، نترك البركة، ونعبر محيطات".