في حقبة الكساد الكبير.. كيف هرب الأمريكيون من التشرد إلى الموت في «ماراثون الرقص»؟
في الأوقات الصعبة نتخذ قرارات أصعب.. ذلك ما ينطبق تماما على فترة الكساد الاقتصادي الكبير، التي ضربت الولايات المتحدة الأمريكية وعددا من أكبر دول العالم في أواخر العشرينيات ثم ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي.
الكساد الكبير في أمريكا
إحدى أكثر الدول التي تضررت في تلك الفترة: الولايات المتحدة الأمريكية عندما انهار سوق المعاملات المالية والأسهم في أكتوبر 1929 أو ما يُعرف بـ«الثلاثاء الأسود»، وقتها عانى الجميع سواء في «بلاد العم سام» أو الدول الأخرى، حيث انخفضت التجارة العالمية بمقدار يقارب الثلثين، وتهاوى دخل الفرد إلى جانب تقلص الأرباح وعائدات الضرائب وهبطت الأسعار ليعم الكساد طوال سنوات عجاف.
خلال تلك الحقبة المظلمة، تفنن البعض في ابتكار مسابقات للتسلية وصرف الناس عن الشعور بالكآبة، إلى جانب تحقيق بعض الربح من ورائها، فبدأت في منتصف العشرينيات موضة تنظيم مسابقات للرقص، والتي استمرت في سنوات الكساد ولكن تغير دورها من كونها وسيلة للتسلية لأن تصبح مصدرا لجنى المال.
كيف بدأت مسابقات «ماراثون الرقص»؟
بدأت القصة عام 1923، عندما أقدمت إحدى السيدات وتدعى ألما كومينجز على الرقص مع 6 رجال مختلفين لمدة 27 ساعة متواصلة دون توقف، ما خلق دافعا لدى منظمي تلك المسابقات لجعلها أكثر إثارة بإعلان التحدي للجميع وتقديم مكافأة ضخمة للشخص الذي يستطيع كسر رقم ألما في الرقص المتواصل.
تبارى المشاركون في المسابقة لتحطيم الرقم والسعى لنيل الجائزة، وكانت القاعدة الأساسية للاستمرار في التنافس وعدم استبعاد الزوج الراقص هو عدم لمس ركبتي أحدهما للأرض وإلا اعتُبِر خاسرا، بعد ذلك ازدهرت الموضة وانتشرت بصورة أكبر وعرفت باسم «ماراثون الرقص»، لتصل جوائزها في بعض الأماكن إلى 5000 دولار.
استراحة نوم لمدة 15 دقيقة، هي كل الوقت الذي يستطيع خلاله المتسابقون التوقف عن الرقص – بناء على قواعد المسابقة - بخلاف استخدام المراحيض، فقد كان يؤتى بالأسِرة النقالة إلى المتسابقين في ساحة الرقص ليناموا عليها متجاورين، كل ذلك جزء من العرض على مرأى ومسمع من الجمهور الحاضر.
هوس ماراثون الرقص ضرب أمريكا في العشرينيات
بداية المسابقة لم تكن تستقطب جمهورا غفيرا في المعتاد خلال الأسبوع الأول، السبب وراء ذلك يكمُن في أن الناس كانت لا تفضل الذهاب للعرض ومشاهدة أزواج راقصة بكامل طاقتهم ونشاطهم، ولكن مع دخول الأسبوع الثاني من المسابقة، تبدأ الإثارة وتزدحم كراسي العرض لتصبح ممتلئة عن بكرة أبيها، فهم يرغبون الآن في مشاهدة الصراعات والمشادات العنيفة بين المتسابقين للفوز.
ذلك الراقص الذي يحاول الإبقاء على شريكته واقفة على قدميها للاستمرار في التنافس، أخرى تحتضن شريكها بعد أن خارت قواه ولمس الأرض حتى بطنه، بالنسبة للمنظمين والجمهور كان ذلك هو العرض الحقيقي، حتى كانت نقطة التحول للمسابقات والموضة برمتها، حين سقط الراقص هومر مورهاوس، 27 عاما، في 14 إبريل 1923، ميتا في حلبة الرقص بعد بقائه داخلها لمدة 87 ساعة متواصلة.
وفاة مورهاوس تبعه موت آخرين في عدة ولايات أثناء الرقص أيضا، حينها بدأت الأصوات المنادية بحقوق الإنسان تتعالى داخل الولايات المتحدة، مطالبة بحظر تلك المسابقات لخطورتها على المواطنين، واستغلال منظميها حالة الكساد التي ضربت البلاد للتلاعب بمصائر الناس وجنى المال على حساب سلامتهم.
حظر مسابقات الرقص نهائيا
ضغوطات شعبية ورسمية أتت أُكلها في منتصف الثلاثينيات، بعدما دفع الغضب الشعبي السلطات الأمريكية لحظر «ماراثونات الرقص المميتة» عام 1935، حين منعت 24 ولاية تنظيم المسابقة في نطاقها الجغرافي وتم سن قوانين خصيصا لذلك، بدعوى الموانع الصحية والأخلاقية.
هربا من البطالة والتشرد، آملين في إيجاد المأوى والمأكل والرعاية الصحية والفوز بجائزة مالية محتملة، لم يكن «ماراثون الرقص» للمشاركين فيه سوى بوابة خلفية للموت.