الذكاء الاصطناعي يهدد عملك بالفعل.. ماذا عن وظيفتك المستقبلية؟
أحدثت "الأتمتة" -وهو مصطلح يشير إلى "استبدال العمل البشري بالآلات والتقنيات الحديثة والروبوتات ذات الذكاء الاصطناعي الفائق لتستحوذ بذلك على بيئة العمل"- ثورة في عالم الصناعة والحضارة الحديثة، والتي من خلالها يمكن تحقيق أحلامنا الخيالية التي لا نراها سوى في أفلام الخيال العلمي لتغدو واقعا نشاهده بأعيننا في القرن الحالي.
وبالرغم من هذه الثورة الكبيرة التي أحدثتها الأتمتة في العالم الحديث، إلا أن المخاوف تتزايد من أن انتشار التكنولوجيا والتقنيات الحديثة والآلات والمعدات داخل بيئة العمل يمكن أن يلغي دور الإنسان بشكل كامل بالاضافة إلى القضاء على مئات الملايين من وسائل كسب الرزق وفرص العمل.
ولأن كل مرحلة من التطورات التكنولوجية تحدث تغيرا جذريا في الكثير من المفاهيم التي اعتدنا عليها وخاصة في مجال القوى العاملة، والتي تلقي ترحيبا من جانب وانتقادا من جانب آخر، فإن استحواذ التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي على بيئة العمل تزيد من المخاوف من عصر الروبوتات الجديد الذي يمكن أن يزيد من نسبة البطالة.
وبالرغم من ذلك لا توجد حاليا أية إحصاءات تشير إلى الاكتساح المفترض للوظائف لصالح الروبوتات والآلات حيث نشر موقع Big Think الأمريكي؛ أن مجلة MIT Review تملك خريطةً متجددة لجميع الدراسات التي تتنبأ بعدد الوظائف التي يمكن أن تتسبب الأتمتة في القضاء عليها واختفائها، وكان استنتاجهم النهائي هو أنه "ليس لديهم أدنى فكرةٍ عن عدد الوظائف التي ستختفي بفعل التقدم التكنولوجي".
الأتمتة والبطالة
لا يمكن إنكار أن الأتمتة والتكنولوجيا كانتا السبب في انتشار البطالة وفقدان الكثير من الناس وظائفهم، حيث شهد العقدان الماضيان قدراً كبيراً من البطالة الناتجة عن التكنولوجيا، ووفقا لبعض الدراسات الحديثة فقد أكثر من 7 ملايين شخص في الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 2 % من الشعب، وظائفهم في تسريحاتٍ جماعيةٍ منذ عام 2004 حتى 2009. وكان السبب في تدمير تلك الوظائف الأتمتة ونقل وظائف التصنيع إلى خارج حدود البلاد، ومع أن الشريحة الكبرى من الشعب تمتَّعت بمنتجات أرخص، فقد خسر عدد كبير من العمال الأمريكان وظائفهم.
وتوصل الأكاديمي الأمريكي إريك برينيولفسون، الأستاذ بكلية التجارة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وشريكه المؤلف أندرو مكافي في هذه الإحصاءات على مرِّ العقدين الماصيين وتوصلا إلى أن التطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الحاسوب جميعها كانت الأسباب وراء ارتفاع معدلات البطالة منذ بداية القرن الحالي.
واكتشف إريك برينيولفسون، وأندرو مكافي أن هناك ارتباطا وثيقا بين الوظائف وزيادة الإنتاجية حيث توضح الرسوم البيانية للبطالة خلال السنوات التالية للحرب العالمية الثانية حتى الألفية الجديدة زيادةً ثابتةً متساويةً مع الإنتاجية، إلا أن المؤشر تغير وبدأ الخطَّان يتقاطعان مع بداية الألفية الجديدة، إذ كانت الإنتاجية ترتفع مع النمو الاقتصادي الكبير، لكن لم يرتفع معها خلق وظائف جديدة أو زيادة فرص العمل، وهذه الظاهرة أطلق عليها برينيولفسون ومكافي "الفصل العظيم".
وأوضح برينيولفسون أن هناك مفارقة كبيرة في عصرنا الحالي حيث تسجل الانتاجية مستويات عالية ويزدهر الابتكار بشكل أسرع من أي وقت، بينما هناك انخفاض كبير في متوسط الدخل وأعداد الوظائف المتاحة.
وأضاف مكافي في مقابلةٍ مع مجلة Harvard Business Review أنه لا وجود لأي قانون اقتصادي من الممكن أن يضمن لنا أنه يمكن تحقيق استفادة قصوى من التقدم التكنولوجي للجميع على قدم المساواة إلى جانب زيادة الإنتاجية فيمكن للتكنولوجيات الرقمية تكرير الأفكار والعمليات والابتكارات القيمة بتكلفة قليلة جداً ما يخلق رخاءً للمجتمع وثراءً للمبتكرين، لكنه يقلِّص الطلب على بعض أنواع الوظائف والعمالة.
تنبؤات بعصر جديد من الأتمتة
تشهد البلدان المتقدمة تطورا كبيرا في مجالات الابتكار التكنولوجي والذكاء الاصطناعي ما يجعلها تتوسع في الأتمتة داخل الأعمال نتيجة للتطور التراكمي في مجال البيانات الضخمة التي أصبحت متوفرة على الشبكات العالمية، إلا أن رؤيانا نحو المستقبل انقسمت إلى رؤى متشائمة ترى الأتمتة تقلب عالمنا رأسا على عقب أو رؤى حالمة متفائلة بعالم يسوده الرفاهية الغير محدودة.
ونرى ذلك بشكل واضح في تغريدة حساب بي بي سي ارشيف - BBC Archive، يوم 28 ديسمبر 2017 على تويتر والتي قالت: "في هذا اليوم من عام 1966: تنبأ الأطفال بما ستكون عليه الحياة في عام 2000 ببرنامج Tomorrow’s World" ما يوضح أنه حتى أطفال الستينيات كانوا يفكرون في المستقبل الذي تستحوذ عليه الروبوتات بشكل يضيف رفاهية كبيرة لحياتنا.
وبالرغم بأننا لا نزال لا نملك محاكم روبوتاتٍ، ولا أساطيل آليةً تماماً تنقلنا إلى أي مكانٍ نريده، إلا أن الأشياء التي تستطيع الروبوتات تنفيذها مذهلة والتي تزيد من احتمال تأثر وظيفتك خلال السنوات العشرين المقبلة مثل سائقو الشاحنات، وعاملو الخدمات وغيرهم.
وبالرغم جميع المخاوف التي تتزايد يوم بعد يوم إلا أن الإحصاءات الحالية ترسم صورةً مختلفةً حيث كدنا نصل إلى عام 2020 ونسبة البطالة في الولايات المتحدة، حتى يونيو 2019، هي 3.8%، بينما تختفي بعض الوظائف نتيجةً للأتمتة والتكنولوجيات الأخرى. ربما لا أساس لمخاوفنا فنحن لا نرى نسبةً ضخمةً من الأمريكان بلا أي وظيفةٍ، كما خشي الناس لعقودٍ..
الوظائف المستقبلية
بعض الوظائف الموجودة اليوم ما كانت تخطر على بال أحد منذ ما يتراوح بين 10 سنين و20 سنةً فقط والتي ظهرت لتواكب العصر الحالي بتطوراته السريعة، فهناك العديد من الوظائف الحديثة التي ظهرت مثل وظيفة مطور الويب الشامل، ومشاهير الانستجرام والعديد من الوظائف الفنية والإبداعية.
ولخص الكاتب الصحفي أندريس أوبنهايمر، حقيقة ما ينتظر مستقبل العمل في كتابه "The Robots Are Coming! The Future of Jobs in the Age of Automation"، في أننا سنقدر على تحمُّل هذا التغيير كما فعلنا في الماضي لكن سيتطلب ذلك قدرا كبيرا من المرونة لابتكار ما يناسب اليوم إلى جانب الكثير من الشجاعة لمواجهة الفقدان المحتوم لعددٍ لا حصر له من الوظائف التي ستفقد قيمتها.
ووفقا لتقرير أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2018، أوضح فيه أن العالم بمقدوره خلق صافي 133 مليون وظيفة جديدة على مستوى العالم بحلول عام 2022، بينما قد يفقد 75 مليون وظيفة فقط بالإضافة إلى أن ما يقرب من 65 % من الوظائف التي سيعمل بها طلاب المدارس الابتدائية الحاليين في المستقبل لا توجد حتى الآن.
ولكن على الجميع التأقلم مع هذا التطور السريعة بطريقةٍ أكثر مرونة فلن نصبح جميعنا مبرمجين أو مهندسين، لكن يمكننا أن نبدأ بالتفكير في ديناميكيات العمل والتوظيف تفكيراً أكثر تحرراً وتطلعاً نحو المستقبل.
اجعلهم أجهزة استشعار.. كيف تعزز الروابط بين الموظفين والعملاء؟