"غامان" كلمة السر في تقدم اليابانيين.. ماذا تعني؟
ارتبط الحديث عن دولة اليابان وشعبها بالتطور والتكنولوجيا والتقدم التي وصولوا لها عن طريق تمتعهم بالكثير من الصفات منها الذكاء والعبقرية والجد والاجتهاد إضافة إلى التحلي بالقدرة على الصمود في مواجهة الأزمات من خلال الصبر والمثابرة.
بعد kiki والـ10 سنوات.. تحدٍّ غريب يجتاح وسائل التواصل الاجتماعي (فيديو)
وعادة ما يتحلى اليابانيون بتلك الصفة عبر بذلهم مجهودا كبيرا، يُطلق عليه محلياً اسم "غامان"، وهي مفردةٌ تعني "الصبر" باللغة اليابانية فتراهم منذ ساعات الفجر ينتظرون بصبرٍ ترقباً لقدوم القطار برحلةٍ عبر أكثر شبكات قطارات الأنفاق ازدحاماً في العالم بأسره؛ وكذلك يجتهدون لإطلاق علامةٍ تجاريةٍ جديدة وتحقيق خطوات النجاح، حتى إنهم ينتظرون بصبر أيضاً وصول المساعدات والمعونات إليهم بعد كارثةٍ ما، كوقوع الزلازل.
ويشير اسم "غامان"، في اللغة اليابانية إلى ضرورة أن يُبدي الأفراد الصبر والتحمّل حين يواجهون مواقف صعبة، غير متوقعةٍ وهو ما يمكنهم من الحفاظ بالتبعية على التناغم والانسجام في روابطهم الاجتماعية.
وينطوي هذا المفهوم على قدرٍ من ضبط النفس، بمعنى أن تكبح جماح مشاعرك لتجنب حدوث مواجهاتٍ أو صداماتٍ. وبالنسبة لليابانيين، يشكل ذلك واجباً يُتوقع من الجميع أداؤه، ويُنظر إليه كذلك على أنه علامةٌ على النضج.
ووفقا لمفهوم الـ "غامان" فهو يتضمن مجموعة من الاستراتيجيات الرامية للتعامل مع الأحداث الخارجة عن سيطرتنا. وتكمن جذور هذا المفهوم في حقيقة أن اليابانيين يُقَدرّون كثيراً قيمة ألا يُفرط المرء في الحديث، وأن يستطيع كبح جماح مشاعره السلبية حيال الآخرين.
ومن المعروف أن صفة الصبر أو الـ"غامان" لا تنتج عن طريق الصدفة، بل يبدأ التدرب على ذلك مبكراً، إذ يتعلمه الأطفال من ذويهم، ويشكل ذلك أيضاً جزءاً من المناهج التعليمية بدءاً من المرحلة الابتدائية ويمكن أن يتجلى هذا المفهوم على المدى الطويل، كأن يتمثل في بقاء المرء في عملٍ بغيضٍ بالنسبة له، أو تسامحه مع زميلٍ مزعج، كما قد يظهر على مدى أقصر من قبيل تجاهله ركاباً صاخبين أو شخصاً مُسناً يتخطى دوره في صفٍ ما.
ويأتي اكتساب اليابانيين لمفهوم الـ"غامان" أي الصبر والتحمل من التعاليم البوذية المتعلقة بكيفية تحسين المرء لذاته، قبل أن يتحول تدريجياً إلى آليةٍ للتحمل بالنسبة للأفراد الذين ينخرطون في مجموعاتٍ اجتماعيةٍ متنوعة.
وتطور الاهتمام بهذا المفهوم خلال فترة الازدهار الاقتصادي التي شهدتها اليابان عقب الحرب العالمية الثانية، عندما أصبح العمل بمثابة عملية بناءٍ للأمة، ما كان يعني تضحية اليابانيين بالوقت من أجل البقاء في أماكن عملهم لساعاتٍ أطول.
في أبريل.. كذبة غيرت مجرى التاريخ.. أشهر 12 أكذوبة بعضها تحول إلى كارثة
ويرى البعض أن الصبر والتحمل على هذه الشاكلة صفةٌ مُمَيِزةٌ لليابانيين، حيث إن هذا المفهوم يُشكِّل "سمةً مُمَثِلةً للشعب الياباني، لكن له إيجابيات وسلبيات أيضاً". ففيما يخص إيجابيات الـ"غامان" أنه يأتي كأحد أسباب تدني معدلات الجريمة في اليابان مثل مراقبة كل شخصٍ للآخر للنظر فيما إذا كان يلتزم بذلك المفهوم أم لا، وكذلك مراقبة كل شخص لنفسه للتأكد من تحقيق الهدف ذاته، فضلاً عن التوقعات التي يُكوّنها كل فرد لما سيصدر عن الآخرين من تصرفاتٍ.
أما سلبيات الحرص على التحلي بالـ"غامان" فإنها تتمثل في إحداث ضغوط على المرء والتسبب في حدوث "تأثيراتٍ سلبيةٍ على الصحة العقلية. ذلك أن المرء عندما يُضمر قدراً أكبر من اللازم من المشاعر السلبية داخله؛ يمكن أن يتحول التحلي بهذا المفهوم وممارسته إلى مرضٍ نفسي جسدي، والأكثر من ذلك أن طلب المساعدة لمواجهة المشكلات التي تصيب الصحة النفسية والعقلية في هذا الصدد، يُعتبر فشلاً في كثيرٍ من الأحيان، مما يؤدي إلى الانخراط في أعمال عنفٍ، سواء في المنزل أو في مكان العمل.