لا داعي لكل هذه التعقيدات.. البساطة هي المقاربة الأمثل للابتكار
عندما يتم الحديث عن الابتكار في عالم الأعمال فإن التعقيدات تكون الصورة العامة التي تفرض نفسها. ولكن الابتكارات المتعلقة بالأعمال لا تنبثق دائماً من خلال استخدام التقنيات المعقدة. في الواقع، الشركات الأكثر نجاحاً وحتى «تنمقاً» ما تزال تستخدم المقاربات التي تنتمي إلى «المدارس القديمة» من أجل الخروج بأفكار مبتكرة والتي هي بشكل أساسي تقوم على «صندوق الاقتراحات». صندوق الاقتراحات ليس بالضرورة أن يكون صندوقاً فعلياً، فمثلاً شركة أمازون تستخدم «صندوقاً افتراضياً» للاقتراحات على موقعها الداخلي والذي يمكن لجميع الموظفين الدخول إليه وطرح أفكارهم سواء كانت ضخمة أو بسيطة.
وفي الواقع من خلال هذا الصندوق قدم مهندس يدعى شارلي وورد اقتراحاً تحول لاحقاً ليكون من أفضل إبتكارات الشركة وهي فكرة الشحن المجاني والتي أسست القواعد الأساسية لأمازون برايم.
شركة أخرى تعتمد وبشكل كبير على الأفكار التي يطرحها العاملون فيها هي فندق كلاريون ستوكهولم. العاملون في الفندق يطرحون أكثر من 50 فكرة جديدة سنوياً وذلك لأن قاعدة الشركة بسيطة للغاية وهي تشجيع العاملين على رؤية المشكلة وإعادة قولبتها وطرحها على شكل اقتراحات. مبدأ تعتمده كبرى الشركات الأخرى وهو قائم على تشجيع جميع الموظفين على تقديم الافكار التي تخطر لها من أجل حل المشاكل التي تواجه الشركة بغض النظر عن حجمها.
بطبيعة الحال صندوق الاقتراحات وحده لا يكفي، فمن أجل جعل المبدأ هذا يعمل بشكل فعال يجب بناء الثقافة التي تدعمه وذلك من خلال خطوات بسيطة.
تبني ثقافة التعلم
ثقافة التعلم هي مجموعة من قيم الشركة، والقناعات والمسارات والممارسات التي تشجع الموظفين على بناء المعرفة والمهارة والأداء. حيث ينخرط الأشخاص في مكان العمل ويتم تحفيزهم من أجل تشجيع ودعم الابتكار داخل المؤسسة كما أنها تؤدي إلى بيئة قائمة على الإبداع والابتكار. الشركة التي تقتل الرغبة بالتعلم تحكم على نفسها بقلة الإبداع والابتكار. لا يمكن لشركة تعمل وفق مسارات قائمة على عدم توفير فرص التعلم والنمو، أن تطلب من موظفيها التفكير خارج الصندوق وتوفير الأفكار المبتكرة.
تعديل آلية التواصل
يجب على الشركات أن تؤكد وتشدد وتوضح بشكل دائم بأن جميع الاقتراحات مرحب بها. آليات التواصل وقنواتها داخل الشركات يمكنها أن تكون مملة، لذلك يمكن اعتماد مقاربات أخرى قائمة على «المحادثات المؤسساتية» والتي تكون بالفعل محادثات يشارك فيها أكثر من طرف عوضا أن تكون حديثا باتجاه واحد. الفكرة الأساسية هنا هي جعل المحادثات أكثر فعالية من خلال تطوير العلاقات ضمن فرق العمل ثم التوسع ولاحقاً جعل المحادثات هذه وما ينتج عنها من أفكار «رسمية».
الاعتماد على نظام المكافآت
يمكن للشركات أن تؤسس لنظام مكافآت يعزز ثقافة الشركة القائمة على التعلم. المكافآت هذه يمكنها أن تكون المال، الإجازات وغيرها من الأمور التي تدعم وتشجع على طرح الأفكار الجديدة والمبتكرة. الدراسات أظهرت أن العاملين في الشركات لا يكترثون كثيراً للمكافآت الآنية لأفكارهم، بل هم يطرحون أفكارهم لأنهم يريدون أن يساهموا بشكل أو بآخر بنجاح وتطور الشركة لأن ذلك يجعلهم يشعرون بأنهم جزء من شيء ما قيم وأكبر من مجرد لقبهم الوظيفي وما يرتبط به. لذلك عندما يتم طرح الأفكار المبتكرة وعندما يتم تبنيها يجب الحرص على المديح العلني للأشخاص الذي قاموا بتقديم هذه الأفكار.
صندوق الاقتراحات
الخطوات أعلاه تشكل مرحلة التأسيس التي تدعم نجاح صندوق الاقتراحات. يمكن اعتماد صندوق للاقتراحات يكون ضمن موقع الشركة أو ضمن منصة داخلية خاصة بالشركة والتي يمكن لجميع الموظفين الدخول إليه وطرح أفكارهم. كما يجب أن يتضمن النظام هذا الاعتراف بجهود كل شخص يطرح فكرة مبتكرة ما من خلال شكر كل موظف يتقدم باقتراح ما.
هل يحسم مؤسس أمازون سباق "المليارديرات الفضائي"؟
وضع نظام للمراجعة
نظام المراجعة الفعال يمكنه أن يقيم الأفكار وأن يوفر تغذية استرجاعية قيمة للذين تقدموا باقتراحاتهم. بطبيعة الحال النظام هذا ضروري من أجل تقييم الأفكار وفرز تلك التي لها قيمتها بالفعل من تلك التي لا تأثير فعلي لها. في إحدى الدراسات التي حاولت تقييم تعامل الشركات مع صندوق الاقتراحات تبين أن ٧٢٪ من الشركات تترك الأفكار المبتكرة من دون أن تتعامل معها بجدية وبالتالي تمهد لموتها لأنها لا تملك نظام مراجعة فعال يقيم الأفكار ويفرزها. على كل شركة أن توكل مجموعة من الموظفين وكذلك عدد من المديرين بمراجعة هذه الأفكار وتقييمها.
الإبداع لا يتطلب التعقيدات
الافكار المبدعة ليست بالضرورة أن تكون معقدة والمسار للحصول عليها يمكنه أن يكون بسيطاً للغاية. يمكن للشركات التي تطالب موظفيها بالإبداع من دون نظام «دعم» منظم أن تحصل على عدد من الأفكار بين حين وآخر، ولكنها بالتأكيد لن تملك مخروناً من الأفكار الذي لا ينضب. تشجيع الموظفين على تقديم الاقتراحات من خلال مسارات منظمة قائمة على «الأخذ والعطاء» هي التي تضمن للشركة حصولها على أفكار مبدعة فعالة لا تحل المشاكل داخل الشركة فحسب بل يمكنها أن تجعلها تتوسع الى مجالات أخرى لم تخطر لها من قبل.
المصدر: ١