لماذا لا تطبع دولتك المزيد من الأموال لدحر الفقر وصناعة الأغنياء؟
هل تعرف لماذا لا تتجه البنوك المركزية في دول العالم، لطباعة المزيد من الأموال، لسد أموالها على الأقل، ومساعدة الفقراء لديها، هل تعرف لماذا لا تلجأ الدول لهذا السبب البسيط شكليًا؟، الأمر يتعلق بأن هذا الحل مُعقد اقتصاديًا، ويفتك باقتصاد الدولة، كونه يرتبط بالتضخم وهو الأكثر خطورة على الدول.
بشرى سارة لسجناء منطقة القصيم خلال زيارة الملك سلمان.. تعرف عليها
ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات التضخم، هذه أقل نتائج يمكن أن تحدث عندما تلجا الدولة لإعطاء أوامر للبنك المركزي، بطباغة المزيد من الأموال، لسد عجز احتياجاتها في بعض الأحيان، ولكن يتدخل خبراء الاقتصاد، والمسؤولين عن المالية في هذه الدولة لمنع الكارثة التى سوف تحدث لا محالة، وقت طباعة أموال لا تساوي إنتاج الدولة.
ليس هذا وحسب كل عواقب الأمر، ولكن ارتفاع اسعار السلع في الحال، هو ما سيكون قصمة لظهر الاقتصاد.
وإذا كانت هناك إجابة مباشرة ومختصرة لهذا السؤال فهي أن قيام أي حكومة بهذه الخطوة يهدد بانزلاق بلادها إلى مستنقع التضخم المفرط الذي بإمكانه تدمير الاقتصاد حرفياً. طباعة المزيد من الأموال لا تجعل المواطنين أكثر ثراءً، والتأثير الفعلي لتلك السياسة هو ارتفاع الأسعار.
العقل المدبر للاقتصاد في الدول، دائمًا ما يعي أن هناك فرق كبير بين النقود والثروة، ولكن الأمر قد يكون مبهم بالنسبة للمواطنين في الدولة، فالأمر ببساطة يرجع إلى انخفاض القوة الشرائية للعملة وقت ارتفاع المعروض منها مع المواطنين وذلك عقب طباعة عدد كبير من الأموال وتوافرها مع المواطنين بشكل أكبر من الطبيعي.
فعند قيام الدولة بطباعة عدد أكبر من الأموال، فهذا الأمر يعرض السلع المعروضة للبيع للزيادة إلى الضعف، بعد توافر الأموال مع المواطنين بمعدل الضعف، فتجد أن الأمر غير مُجدى لأن أموالك التى تضاعفت فإن أسعار السلع تضاعفت أمامها بسبب قلة القوة الشرائية للعملة التى باتت متوفرة بكثافة أكثر من المطلوب، فتكون النتيجة في النهاية هي نفس النتيجة قبل طباعة الأموال، مع تورط الدولة في ضعف عملتها.
أزمة التضخم الكبرى هي أنه يضع الدولة في مأزق عزوف المستثمرين، وقلة الاستثمار، حيث أن وجود الكثير من الأموال الغيرة مطلوبة، يؤثر على مدخرات المواطنين، ويجعلها أقل قيمة من ذي قبل، ويجعل الأسواق مرتبكة بسبب تضارب الأسعار عقب شعور الأسواق بالتضخم، فتتكبل الاستثمارات الداخلية، وتتلاشي الاستثمارات الخارجية، بالتالي فالأمر يصبح بمثابة تخدير كلي للأستثمارات في البلد.
هناك مشكلة آخرى، يمكنها ايضًا العصف باقتصاد الدولة تمامًا، وهو يتعلق بأوقات اقتراض الدولة، وذلك يكون عن طريق بيع السندات إلى شركات القطاع الخاص، والسندات شكل من أشكال الأدخار، ولكن مع وجود التضخم فإن القطاع الخاص يعزف عن شراء هذه السندات، لأن قيمتها ستنخفض بالضرورة، فإذا ما لجأت الدولة إلى طباعة قدر أكبر من الأموال، لتسديد ديونها ستكون هذه هي المرة الآخيرة التى سوف تسدد فيها ديونها بهذه الطريقة.
رضيعهم على قيد الحياة.. قصة طفل عاد "بمعجزة" من وسط المحيط الأطلنطي
ولتبسيط الأمر أكثر، يجب أن تعى تمامًا أنه لا يوجد معيار ثابت للدول في عملية طباعة الأموال، ولكن الأمر يتوقف على إيجاد عملية تناسبية بين كمية الأموال المطبوعة، مع قيمة السلع والخدمات المختلفة التي ينتجها الاقتصاد نفسه، اي أن الدولة تطبع على حسب حجم إنتاجها وصناعتها.
هناك بعض الدول ايضًا تتجه لتقليل القوة الشرائية لعملتها بشكل عمدى، ومثال على ذلك الصين، التى تحاول أن تقلل قيمة عملتها ولكن ذلك لسبب أنها تريد بيع كم أكبر من منتجاتها في الخارج، وفي الدول المجاورة لها، وفي نطاق الاتفاقات الاقتصادية التى تربطها مع هذه الدول سويًا.
وفي الطبيعي فإن معدل طباعة البنوك للأموال يكون بنسبة 2 إلى 3% من قيمة الناتج الإجمالي المحلي، ولكن هذه النسبة تختلف بالنسبة للدول ما إذا كانت نامية أو متقدمة، فالنامية غالبًا ما تعمد إلى طباعة أكثرم من 3%.
تدفع رغبات الدول في توسيع اقتصادها وتقويته لطباعة المزيد من الأموال، اكثر من الحد الطبيعي، كون أن هناك غطاءً طبيعيًا يتثمل في تطوير الصناعة لديها، وذلك يوصلها إلى توازن مثالي بين المنتجات المعروضة وكمية الأموال المطبوعة، ويبعدها عن التضخم.
على سبيل المثال فإن هناك بعض الدول أُجبرت على طباعة عدد كبير من الأموال في وقت قليل، وذلك ما حدث في المجر التى دمرتها الحرب العالمية الثانية، حيث تدمرت لديها البنية الصناعية بنسبة تعدت الـ 90%، وتقريبًا فقدت المجر بنيتها التحتية بشكل شبة كامل، لذلك حاولت الحكومة أن تلجأ إلى إعادة بناء القدرة الإنتاجية التى تم فقدها، واستعادة حركة العمل داخل الدولة سريعًا، ومع تزايد الضغوطات لجأت الحكومة إلى طباعة المزيد من الأموال.
ولي العهد في مهمة قومية.. الأمير محمد بن سلمان يُدشن 7 مشروعات أبرزها أول مفاعل نووي
حاولت بعدها الحكومة المجرية أن تجعل السوق ممتلأً بالأموال، من أجل دفع عجلة الانتاج في البلاد، وذلك عن طريق عرض الأموال من خلال البنوك في شكل قروض بأسعار فائدة مخفضة، واعطاء القروض الميسرة ايضًا للمواطنين، وبحسب احصائات دقيقة عن الأمر، فإن المتداول من العملة المجرية كان 25 مليار بنجو في يوليو 1945، وصل إلى 1.646 تريليون بنجو في غضون 6 أشهر فقط.
تأذى العمال المجريين بشكل كبير جراء وصول التضخم إلى زروته بعد أن ظلت الدولة تطبع الأموال، وتُأخر تحصيل الضرائب من المواطنين، ولكن القيمة الشرائية للعملة ظلت تتراجع، ووصل الأمر إلى أن كل من كانوا قد جمعوا السندات المالية التى طرحتها الحكومة قبل التضخم خسروا أموالهم كلها تقريبًا، والعمال عانوا من ارتفاع الأسعار بشكل كبير.