هل على الشركات أن تمتلك رأياً سياسياً؟
مارك زوكربيرغ يملك رأيه الخاص حول قضية المهاجرين وسياسة رئيس بلاده تجاهها. ستيورات باترفيلد يملك رأيه الخاص حول سياسة إصلاح السجون، جيف بيزوس في حرب شرسة مع ترامب، وإليون ماسك لديه مجموعة من الأراء حول مختلف الأمور السياسية والاقتصادية. ولكن هؤلاء ليسوا بسياسيين، بل هم الرؤوساء التنفيذين لشركات تكنولوجية.
شركة نايكي قررت استخدام كولن كايبرنيك، الذي ركع للنشد الوطني احتجاجاً على العنصرية، كوجه إعلاني فكانت النتيجة مقاطعة وإحراق لمنتجات يملكها عدد من الأميركيين من الشركة.
فهل كان على الشركات هذه حقاً التعبير عن قناعاتها السياسية علناً؟ إن سألتم العاملين في مؤسساتهم فالإجابة ستكون بالتأكيد عليهم القيام بذلك.
لو طرحنا السؤال نفسه على عاملين في مؤسسات عربية فإن الإجابة ستكون إما لا أو سيمتنع الموظف عن الإجابة. فالوضع أكثر حساسية في عالمنا العربي بحكم أن حجم الانقسامات كبير لدرجة أن الشركات تتجنب التعبير عن رأيها السياسي بشكل كلي، وحتى أن بعضها تمنع الموظفين من الحديث في السياسة خلال ساعات العمل.
ولكن الشركات هي جزء من «المكان» الذي توجد فيه، ومن العالم الذي نعيش فيه، وبالتالي عليها أن تملك رأيها حول ما يحصل من حولها. ولكن في المقابل الشركات هذه تعيش في عالم منقسم حيث لكل زبون رأيه الخاص وبالتالي إن تحدثت علناً فهي تخاطر بخسارة الزبائن، وهي بالتأكيد لا تريد ذلك.
الحياد جيد.. ولكنه سيف ذو حدين
الزبون في نهاية المطاف يشعر بالارتباط مع شركة يشعر بأنها تمثله وبأنه «توافقه» الرأي. ولكن الزبائن كثر، وفي عالمنا العربي بشكل خاص، نجد ضمن المنزل الواحد عدة أراء سياسية وعدة قناعات.. فالحل السحري للشركات، من الناحية النظرية، هو الحياد والابتعاد كلياً عن كل ما هو سياسي. ولكن المعضلة هنا هي كما قلنا، الزبون يرتبط بشكل أكبر مع الشركة التي تمثل قناعاته السياسية وعليه الرابط في حال اعتمدت الشركات سياسة الحياد مفقود.
وبما أن الدراسات حول هكذا جزئية في عالمنا العربي معدومة، فسنعرض أرقاماً أميركية.
في استطلاع للرأي تبين بأن ٢/٣ من الزبائن يريدون أن تملك الشركات رأياً سياسياً خصوصاً في المسائل التي حولها انقسام كبير. ولكن، وهنا المعضلة، ٢٨٪ قالوا بانهم سيمدحون الشركة في حال كان رأيها يتوافق مع رأيهم، و٢٠٪ سيقومون بانتقادها في حال كان رأيها يختلف عن رأيهم. ٤٤٪ سيشترون منتجات الشركة التي تملك نفس توجهاتهم السياسية مقابل ٥٣٪ ستشتري منتجات أقل من الشركة التي تملك رأياً سياسياً يختلف عن رأيها مقابل ٣٣٪ سيقاطعون الشركة كلياً.
الحياد قد يكون المساحة الآمنة للشركات ولكنه رمادي أكثر مما يجب للزبائن، ولكن الحديث وإثارة غضب بعض الزبائن لن يصب في مصلحة الشركة على الإطلاق. فأي موقف على الشركات اتخاذه في عالم سياسي بامتياز وحيث لكل فرد رأيه الخاص وأحياناً المتطرف. إليك بعض النصائح للسير في حقل الألغام هذا .
التحايل على السياسة بالتماهي مع «المواطن» : التحايل على السياسة سهل إلى حد ما.. فالشركة لا يجب أن تكون أشبه بمخلوق فضائي لا علاقة لها بالزبائن التي تشتري بضائعها. الموقف السياسي للشركة لا يجب أن يكون سياسياَ ١٠٠٪ فهناك الكثير من التفرعات التي يمكن للشركات أن تستغلها. وبطبيعة الحال ليس بالضرورة عقد مؤتمر صحفي للإعلان عن الموقف ولا اللجوء إلى تويتر أو إلى منصة اجتماعية، فالمقاربات غير المباشرة عديدة.. ولعل أبرزها الإعلانات وهذا ما بتنا نشهد عليه في عالمنا العربي مؤخراً. الشركات تملك رأيها حول السياسة الاقتصادية للبلاد، وحول رواتب الموظفين، وحول التعويضات وغيرها. فتلك الإعلانات «الفكاهية» خصوصاً التي تبرز معاناة المواطن الذي يحتاج للماركة تلك كي تزوده بالطاقة من اجل مواجهة أوضاع بلاده الاقتصادية السيئة هي موقف صريح تجعل الزبون بغض النظر عن قناعاته السياسية الحزبية يشعر بأن هذه الشركة تفهمه وتعبر عن رأيه.
التعبير عن الرأي أحياناً أفضل من الصمت: ما هو مؤكد هو أن الزبون يريد من شركته عن تعبر عن رأي ما سياسي.. وما هو مؤكد أيضاً هو أن الشركات لا تريد القيام بذلك.. بشكل مباشر على الأقل. ولكن أحياناً الحدث يكون ضخماً لدرجة أن الصمت يلحق الضرر بالشركة أكثر مما ينفعها. المقاربة الأمثل هي معرفة متى يجب الحديث والقيام بذلك من خلال مقاربة فيها الكثير من الذكاء الذي يحول جزئية سياسية بحتة إلى جزئية أخرى عامة اجتماعية أو اقتصادية. في المقابل إن كان الرأي السياسي للشركة يتعلق بأمر وطني جامع فهنا الرأي مباشر وواضح ولا لبس فيه.
قبل الكلام يجب الاستماع: على الشركات أن تستمع للزبائن، وللعاملين ومعرفة توجهات كل من يرتبط بهم قبل الكلام. ولكن حتى هذه الجزئية فيها الكثير من المخاطرة لأن معرفة توجهات الزبائن تعني أن هناك فرصة لإغضاب زبائن محتملين وبالتالي تحد الشركة من قدرتها على التوسع. ولذلك من الأهمية بمكان الالتزام بالنقطة التي سنذكرها تالياً.
المواضيع وليس الجهات: على الشركات عدم دعم أي جهة حزبية أو سياسية بأي شكل من الأشكال.. خصوصاً في عالمنا العربي. كما أنه من غير المنطقي أن تحصر شركة نفسها بهذا الإطار الضيق من الآراء والتوجهات. وعليه في حال كان للشركة أن تملك رأيها السياسي فإن عليها أن تملك رأياً حول المواضيع العامة وليس حول الجهات الحزبية أو السياسية. المواضيع يجب اختيارها بعناية فائقة والتخطيط بذكاء شديد لآلية طرحها وهنا نعود مجدداً الى النقطة الأولى وهي التحايل على السياسة وجعلها ترتبط بحياة كل مواطن.
كيف تُخبر الموظفين بالتقييم السلبي دون جرح مشاعرهم؟ (إنفوجراف)