«الاحتباس الحراري».. نهاية الأرض كما لم يتوقعها مخرجو هوليود!
في مبنى حكومي قديم بضاحية جنوبية نائية بالقرب من "كوسكو" عاصمة حضارة الإنكا البيروفية، يتصفح موظف الأرشيف برتابة يومية عناوين الجريدة الصباحية حول الصراع الأمريكي الروسي والحرب في الشرق الأوسط والتفاصيل المثيرة لانفصال نجملة هوليود سكارليت جوهانسون عن زوجها.. قبل أن يلتفت فجأة إلى زميله ليتجاذبا أطراف الحديث عن الموضوع الأكثر أهمية في العالم من وجهة نظرهما.. الاحتباس الحراري!
في بلادنا العربية، حين نطالع أخبار التظاهرات الغربية الداعية لوقف الاعتداءات المناخية والتصدى لظاهرة الاحتباس الحراري وقطع الأشجار والتغول على الغابات، يتشكل لدينا تصور عن امتلاك تلك الشعوب لرفاهية فكرية وإنسانية حقوقية طاغية، تلك المجتمعات التي لا تعاني من الحروب والمشكلات التي يعانيها سكان الشرق الأوسط.. إلا أن نظرة أخرى عن كثب تكشف أن الأمر لا علاقة له بمستوى الرفاهية أو معدل الإنسانية على الإطلاق.
فيديو| "القدية".. مدينة ترفيهية عالمية مقرها المملكة العربية السعودية
موظف الأرشيف البيروفي يستوعب تمامًا أن بلاده تعيش على زجاجة ضخمة من المياه العذبة المتجمدة، تلك الزجاجة هي الأمل الأخير الباقي للبشرية حال حدوث كارثة بيئية تدمر المياه العذبة حول العالم، إذ تضم "البيرو" الاحتياطي الاستراتيجي العالمي الأكبر للمياه العذبة.. لكن الاحتباس الحراري أدى إلى ذوبان الغطاء الجليدي تحتها بمنسوب غير مسبوق، مع أعاصير وزلازل وفيضانات جنونية على الأطراف.. وإذا استمر الذوبان بمعدله الحالي، فسينتهي ذلك المخزون المائي تمامًا بحلول العام 2100؛ وهو ما يعني عمليًا انتهاء حياة البشر على هذا الكوكب!
العالم كبير، ولكل مجتمع تهديداته وقضاياه الساخنة، لكنّ الجميع يرى مشكلات الكون من زاويته، ويرتب الأولويات حسب ما يواجهه من مخاطر.. والقارة المنفصلة (أميركا الشمالية والوسطى والجنوبية)، هى المنطقة الأكثر دفعًا لضريبة الاحتباس الحراري بالعالم جنبًا إلى جنب مع جنوب شرق آسيا، حيث قتلت الكوارث الطبيعية في العشر سنوات الأخيرة نحو 500 ألف إنسان، وتضرر بسببها 100 مليون آخرين، وهي أرقام أعلى من ضحايا كل الحروب القائمة حاليا بمختلف أرجاء العالم.
إن قضية تغيُّر المُناخ أصبحت الآن أكثر أهمية من أي قضية وجودية أخرى على الأرض؛ كونها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً ببقاء الوجود البشري كله، وما إن تخسر تلك القضية؛ فستكون- أنت- أول الهالكين.. فما هو الاحتباس الحراري؟ وما هي أبرز آثاره على حياة الإنسان؟ وكيف تدخل المنطقة العربية ضمن المتضريين من تبعاته؟ وما هي فرص العالم لمواجهته قبل الوصول إلى حاجز اللاعودة.
الأرض تشتعل
بداية، لفهم ما يحدث في غلاف الأرض من حولنا، فإن وجود الكوارث الطبيعية على هذا الكوكب أقدم من وجود الإنسان نفسه، إلا أن أعنف عشرة كوارث طبيعية في حياة البشر المسجلة، تم توثيقها في السنوات العشر الأخيرة فقط، مع توقع بارتفاع وتيرتها بشكل غير مسبوق خلال السنوات الثلاث المقبلة، وعندها ستدخل البشرية مرحلة العد التنازلي لنهايتها كما يرى مناخيون.. والسبب في هذا كله راجع إلى ظاهرة الاحتباس الحراري.
والاحتباس الحراري هو ارتفاع درجة الحرارة السطحية المتوسطة في العالم، مع زيادة كمية ثاني أكسيد الكربون، والميثان، وبعض الغازات الأخرى في الجو.. هذه الغازات تسمى بالغازات الدفيئة لأنها تساهم في تدفئة جو الأرض السطحي، لكنها في الوقت نفسه تستفز الرياح العنيفة ومياه المحيطات والبراكين الخامدة للاستيقاظ من جديد.
ومنذ منتصف القرن العشرين، لوحظ زيادة كبيرة في متوسط درجة حرارة الهواء مع استمرارها المتصاعد، حيث زادت درجة حرارة سطح الكرة الأرضية بمقدار 0.74 ± 0.18 °م (1.33 ± 0.32 فهرنهايت) خلال القرن الماضي، ودرجة الحرارة اليوم هي تقريبًا ضعف الدرجة قبل 200 عاماً، فيما يُتوقع بأن تزداد درجة حرارة سطح العالم بمقدار 1.4° إلى 5.8° سيليزية من عام 1990 حتى 2100[5]، ومعدل درجة سطح العالم الآن هو 0.6° سيليزية.
كيف يحصل الاحتباس؟
المصدر الوحيد للطاقة الحرارية الطبيعية على سطح الأرض؛ هو الإشعاع الشمسي؛ الذي ينطلق من الشمس باتجاه الأرض؛ نافذاً من خلال غازات الغلاف الجوي، وينفذ على هيئة أشعة مرئية -قصيرة الموجات-، وأشعة حرارية “تحت حمراء” -طويلة الموجات-، والأشعة الفوق بنفسجية التي تَعْبُر من خلال طبقة الأوزون؛ والتي لا تستطيع تلك الطبقة امتصاصها. بالتالي، يمتص سطح الأرض الأشعة الفوق بنفسجية.
بعد أن يمتص سطح الأرض الأشعة فوق البنفسجية، يزيد ذلك من درجة حرارته، ويبث تلك الحرارة إلى هواء الغلاف الجوي؛ في هيئة أشعة حرارية طويلة الموجات “تحت حمراء”. حين تصل الأشعة إلى هواء الغلاف الجوي القريب من الأرض، يَمتصها هو بدوره حابساُ بذلك الحرارة، و لا يسمح لها بالنفاذ خارج الغلاف الجوي، مما يعيدها مجدداُ إلى الأرض، مؤديًا ذلك إلى زيادة درجة حرارة الأرض كاملة.
أسباب ونتائج
أسباب حدوث الاحترار العالمي مختلفة، وتوجد عدة نظريات تفسر هذه الزيادة، إذ يقول بعض العلماء أن التلوث هو السبب الرئيس، بينما يقول البعض الآخر إنه تغير في الطبيعة، لكن البحث الأكثر قبولا بين الأوساط العلمية، أجرته اللجنة الدولية للتغيرات المناخية، وانتهت إلى أن غازات الدفيئة الناتجة عن الممارسات البشرية هي المسؤولة عن معظم ارتفاع درجة الحرارة الملاحظة منذ عصر الثورة الصناعية وحتى اليوم.
ويرتبط تأثير الظاهرة وما يصل إلى ثلثي ثاني أكسيد الكربون والميثان المنتشرين في الغلاف الجوي بحرق الوقود الحفري وإنتاج الأسمنت منذ بداية النشاط الصناعي عام 1854، فيما تتصدر الصين والولايات المتحدة أكبر اقتصادين في العالم ثم الهند وروسيا قائمة الدول المسببة للأزمة المناخية المتطرفة، الذي يمكن ربطه مباشرة بنشاط اقتصادات تلك الدول وشركاتها الصناعية العملاقة.
وبشكل عام، يؤدي زيادة درجات الحرارة العالمية إلى ارتفاع منسوب سطح البحر، وتغير كمية ونمط هطولات الأمطار، وتوسع الصحاري المدارية، وانحسار الأنهار الجليدية، والأراضي دائمة التجلد، والبحر المتجمد، مع تأثر منطقة القطب الشمالي بصورة خاصة. وانكماش غابات الأمازون المطيرة، والغابات الشمالية، وزيادة حدة الأحداث المناخية المتطرفة، وانقراض أنواع كاملة من الحيوانات، وتغييرات جذرية في المحاصيل الزراعية.
ويدخل ضمن التأثيرات الأخرى التي من المُرجّح حدوثها نتيجة تفاقم أزمة الاحتباس الحراري؛ خلال هذا القرن، حدوث الكثير من الحرائق في الغابات، وذوبان شامل للجليد في مناطق القطبين؛ وارتفاع منسوب البحار ومن ثم حدوث فيضانات في أنحاء متفرقة من العالم؛ مع هطول الأمطار الكثيف، وسيصبح هبوب العواصف، و الرياح، و الأعاصير، أقوى و أعتى من ذي قبل، وسيزيد منسوب المياه على الكوكب، مؤدياً ذلك إلى فيضانات في مناطق، وجفاف في مناطق أخرى.
كما يتوقع نتيجة لارتفاع درجات الحرارة الأرضية حدوث خلل في الطبيعة البيئة للأنواع، وهجرة بعض الأنواع من الحيوانات والطيور للجهة الشمالية من الكرة الأرضية؛ وانخفاض منسوب المياه العذبة، وانتشار الأمراض؛ كالملاريا بين الأوساط المجتمعية، والأمراض الاستوائية.
المنطقة العربية
وعلى الرغم من انخفاض الوعي الجمعي في البلاد العربية بظاهرة الاحتباس الحراري، فإن المنطقة العربية تتعرض لتحديات كبرى ذات صلة بالتنمية البيئية للتغيرات المناخية وتقلباتها التي كان آخرها دخول مدينة عرعر السعودية قائمة الأعلى عالميا في درجات الحرارة، وهذا يزيد من مخاطر حدوث أثار جـانبية تزيد من قابلية تأثر القطاعات الاجتماعية والاقتصادية وتقـلل من الاستدامة البيئية.
ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، هي واحدة من أكثر مناطق العالم سخونة في العالم، وأصيبت خلال الأعوام السابقة بموجات حارّة مخيفة غير مسبوقة في الصيف، ، مع وجود ظروف معيشية غير مُؤهلة لمواجهة ذلك الارتفاع؛ حيث يعيش الآلاف من الأشخاص في ظروفٍ معيشية صعبة مُسبقًا، يليها شتاء غير مُعتاد تساقطت فيه الثلوج على معظم البلاد العربية، على الرغم من أن أغلبية البلاد العربية لم تكن تشهد الثلوج مُطلقًا.
ففي مصر؛ وصلت درجة الحرارة حد الـ 40 درجة مئوية، والحال نفسه في لبنان وفلسطين، حيث وصلت درجة الحرارة إلى حاجز الـ 45 درجة مئوية؛ و بانقطاع التيار الكهربائي في مدنٌ مختلفة في فلسطين تحديداً؛ يُصبح الوضع جحيماً مُطلقًا.
وفي الأردن؛ لم يقتصر الأمر على الحرارة العالية فحسب؛ بل ضربت البلاد عاصفة رملية قادمة من الشمال في سوريا، التي أزّمت الوضع أكثر في مخيمات اللاجئين، ومرت مُقتحمة بقوة غضبها مطار الملكة علياء، ومواقع أخرى في الأردن.
وفي العراق؛ تخطت درجة الحرارة حاجز الـ 50 درجة مئوية -نصف درجة الغليان – وزاد الوضع سوءاً انقطاع التيار الكهربائي لما يقرب من 20 ساعة يومياً بسبب الفشل الحكومي والحرب الدائرة هناك على يد عصابات إيران، التي تشهد هي الأخرى موجة ارتفاع عاتية، تصدرها مدينة “بندر ماهشار” بـ46 درجة مئوية، بالإضافة للرطوبة التي زادت من حدتها، فوصلت إلى أكثر من 73 درجة مئوية!
أما منطقة الخليج فشهدت هذا العام سيولا جارفة وصلت حتى الربع الخالي الذي عُرف تاريخيا بأنه المنطقة التي لا يمكن أن تزورها مياه الفيضانات إطلاقا، كما تساقطت الثلوج في السنوات الأخيرة على عدد من مدن المملكة العربية السعودية الحدودية، التي تضم الآن المدينة الأعلى سخونة في العالم، عرعر.
وبشكل عام؛ فإن الباحثين المناخيين، حددوا منطقة الشرق الأوسط -وشمال أفريقيا تحديدا- كأكثر المناطق ضعفاً في مواجهة التغيرات المناخية. حيث تواجه المنطقة نتيجة لتغيُّر المناخ؛ موجة حارة غير معهودة قادمة من شبه الجزيرة العربية.
فرص البقاء
يكافح المجتمع الدولي لمواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري بطُرقٍ متعددة؛ لعلها تُجدي نفعاً في الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة المُسببة له؛ إلى الغلاف الجوي، وأهم هذه الطرُق هو التوسع في استخدام الطاقة المتجددة، وتحويل نظام الطاقة الذي نعتمد عليه؛ لنظام طاقة لا يعتمد على الفحم، و أنواع الوقود الأحفورية الأخرى.
كما يعتبر تطوير مركبات سير بأنظمة سير تُقلل من استهلاك الوقود واحدا من أهم وسائل مقاومة الاحتباس الحراري، فضلا عن تحديد مستوى أدنى لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون من المصانع، وبناء اقتصاد من الطاقة النظيفة؛ من خلال الاستثمار في تكنولوجيات الطاقة الجيدة، و الصناعات، والحد من إزالة الغابات المدارية.
أما سياسيًا، فلا تزال نداءات نشطاء حماية البيئة تبحث عن الاستجابة الملائمة لظاهرة الاحترار العالمي، رغم ما تقوم به بعض الأمم والهيئات من إنجاز أعمال كرد فعل للاحترار العالمي. وتأتي ردود الفعل هذه إما بمحاولة التخفيف من المسببات أو محاولة التأقلم مع تغير البيئة العالمية.
وفي وطننا العربي الساخن على كل الأصعدة؛ لا تزال الظاهرة غائبة عن منصات البحث العلمي بشكل جاد سوى بعض المحاولات الرائدة لدول عربية تغرد خارج السرب، وهو ما يدفعنا لوقفة علمية جادة من نخبة علمائنا المختصين في شؤون المناخ؛ للتنبيه مراراً وتكراراً، و التحرك فوراً؛ لاتخاذ تدابيرنا الخاصة تجاه تلك القضية، لعلنا ننقذ ما تبقى لنا من قرونٍ نعيشها بسلامٍ على هذه الأرض.