فضل صيام يوم عرفة لغير الحاج وأحكام صيامه
كما أن ليوم عرفة فضل كبير على الحاج، فإن له فضل أيضا لغير الحاج، حيث لم يَقصُر الله تعالى الفضل على الحجاج فقط، وإنما يصيبه أيضاً من كان جالساً في بيته، فيوم عرفة من خير الأيّام التي طلعت فيها الشّمس،
وهو من أعظم أيام السنة عند المسلمين على الإطلاق؛ حيث خُصَّ ذلك اليوم بالكثير من الفضائل حتى زاد فضله عن سائر الأيام في السنة.
فضل يوم عرفة لغير الحاج
ويعد صيام يوم عرفة من أفضل الأعمال لغير الحاج، فهو رفعة في درجات العباد عند الله سبحانه وتعالى، وبابٌ لتكثير حسناتهم، وتكفير سيّئاتهم وقد بيّن ذلك الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من خلال الحديث الشريف حيث قال: "صيامُ يومِ عرفةَ، أَحتسبُ على اللهِ أن يُكفِّرَ السنةَ التي قبلَه. والسنةَ التي بعده"، وقال: "ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلّا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً"، وقال النووي: "صيام الأيام العشر مستحب بشدة".
أحكام صيام يوم عرفة
صوم يوم عرفة هو أحد أنواع صوم النفل أو التطوع وهو من السُنن والقُرب العظيمة التي يتقرّب بها العبد إلى خالقه، فمن رحمة الله تعالى بعباده أن شرع لهم مع كلّ فريضة نافلة من جنسها تكون جابرة لما قد يحدث من خللٍ، أو نقصٍ في أداء الفريضة، فمثلاً صوم رمضان فريضة فرضها الله على عبادة، وجعل لهم نوافل من جنسها كصيام يوم عرفة، وصيام الست من شوال، وصيام الأيام البيض، وغيرها من الأيام.
ومن رحمته أيضاً بعباده أن جعل لهم هذه النوافل، موزّعة على مدار العام، فمنها ما يأتي بالعام مرّةً واحدةً؛ كصيام يوم عرفة، ومنها ما يكون كلّ شهر؛ كصيام الأيام البيض، ومنها ما هو أسبوعيّ؛ كصيام يومي الاثنين والخميس.
حكم صيام يوم عرفة منفردا
ويستحب صيام يوم قبل يوم عرفة، فإن صام المسلم غير الحاج يوماً قبله فلا حرج وإن صام يوم الثامن واليوم التاسع فلا حرج، لكن أن يصوم يوماً بعده فإن اليوم العاشر هو يوم عيد، ويوم العيد لا يجوز صيامه بإجماع المسلمين سواء كان عيد الأضحى أو كان عيد الفطر، حيث لا يجوز صيام العيد لأن يوم العيد هو يوم ضيافة الله، فمن صامه فقد رد ضيافة الله تبارك وتعالى.
ولا تقتصر الأعمال الصالحة في يوم عرفة على الصيام، لكن يستحب الإكثار من صلاة النفل والصدقة والدعاء والذكر والاستغفار وغيرها في أيام عشر ذي الحجة عموماً، وفي يوم عرفة على وجه الخصوص، ففي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام، يعني أيام العشر قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء".
حكم صيام الحاج ليوم عرفة
أما بالنسبة للحاج فمن السنة عدم صيامه ليوم عرفة؛ وقد نهى عليه الصلاة والسلام عن صومه، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: "نَهى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن صومِ يومِ عرَفَةَ بعرَفَةَ"، وعن لبابة بنت الحارث رضي الله عنها قالت: "إنهُم شَكُّوا في صَوْم النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ عَرَفَة، فبُعِثَ إليهِ بقَدحٍ مِن لَبنٍ فَشَرِبَه"، فحتى يتيقّن الناس من صيام النبي أو إفطاره أثناء وقوفه بعرفة بعثوا له قدحاً من اللبن فشربه.
ويشير ذلك إلى أنّ الأولى للحاج عدم الانشغال بصيام يوم عرفة عن باقي العبادات حتى يبقى جسده قوياً على الطاعة، وقد ذهب بعض العلماء إلى أكثر من ذلك فقالوا إنّ صيام يوم عرفة محرّمٌ على الحاج بناءً على النهي الوارد في الحديث الأول، إذ يدلُّ ذلك على التحريم، وكَرِهَ آخرون صيام يوم عرفة للحاج، وقد استحبَّ أبو حنيفة ومالك والشافعي وسفيان الثوري وجمهورٌ من الصحابة للحاج الإفطار في يوم عرفة.
ويعزى سبب كراهية صيام يوم عرفة للحاج أنه ربما كان مؤديا إلى الضعف عن الدعاء والذكر يوم عرفة هنالك وعن القيام بأعمال الحج. وقيل: بل لأنه يوم عيد لأهل الموقف لاجتماعهم فيه، ويؤيده حديث أبي قتادة وفي حديث أبي هريرة هذا التصريح بالنهي عن صومه مطلقا.