مقال باولو كويلو «الربح والخسارة»
رأى نصر الدين (جُحا) رجلاً بائساً جالساً على حافة الطريق، فأراد أن يعرف حاله، فسأله: ماذا يقلقك؟فقال له: يأخي.. لايوجد شيء ممتع في حياتي، وأنا أمتلك مالاً كافياً ووافراً، ولست بحاجة إلى العمل، وسافرت لأعرف فيما إذا كان هناك شيء مثير للاهتمام في هذا العالم، وكل الناس الذين قابلتهم لم يخبروني بشيء مثير للاهتمام، بل زادو ضجري فقط.
وعلى الفور، اختطف جُحا حقيبة الرجل، وركض بها على طول الطريق، وقطع بها مسافة كبيرة، باتخاذه طريقاً مختصراً بين التلال والحقول، نظراً لمعرفته الجيدة بالمنطقة، ليعود بالحقيبة، بعد قطعه هذه المسافة الكبيرة عن الرجل، ويضعها في وسطه كي يشاهدها الرجل المسافر، ويأخذها عند وصوله إليها، ثم اختبأ جُحا خلف الصخرة.
بعد مُضي نصف ساعة من الزمن، ظهر الرجل المسافر، وعليه علامات الكآبة أكثر من ذي قبل، لأنه قابل هذا اللص، ولكنه سرعان ما رأى حقيبته على الطريق، فركض إليها وفتحها، وتنفس الصعداء عندما رأى أغراضه بحالة سليمة، وتوجه بنظرة سعيدة إلى السماء، وشكر الله على حياته.
فحدّق حُجا وفكر ملياً: بأن بعض الناس يدركون طعم السعادة عندما يخسرونها.
طعم الربح:
قرر رجل في بحثه عن الطهارة والقداسة، أن يتسلق قمة الجبل العالي، ويأخذ معه ملابسه التي يرتديها فقط، ويبقى هناك متأملاً لبقية حياته.وسرعان ما أدرك أن بدلاً واحداً من الملابس لا يكفي، فقد أصبحت متسخة، لذلك نزل الجبل، وذهب إلى القرية المجاورة، وطلب المزيد من الملابس، وكان أهل القرية يعلمون نيته ومسعاه في القداسة، فأعطوه سروالاً وقميصاً جديدين.
شكر الرجل لأهل القرية، وصعد إلى المعبد الذي كان يحاول بناءه في قمة الجبل، فقد أمضى الليالي في رفع جدرانه، والنهار متأملاً، وأكل الفواكه، وشرب الماء من النبع القريب.وبعد مضي شهر من الزمن، اكتشف فأراً صغيراً يحاول قضم ملابسه البديلة التي علقها لتجفّ، لذلك حاول التركيز على واجبه الروحي، وعاد إلى القرية ثاينة، وسألهم أن يعطوه هراً صغيراً، فاحترم السكان مسعاه، وأعطوه هراً.
وبعد سبعة أيام، كاد الهر يموت جوعاً، فهو لا يأكل الفواكه،ولم يبق فئران آخر في المكان للأكل، فعاد الرجل إلى القرية وطلب الحليب للهر، وقد علِم الفلاحون بأن الحليب ليس له فأعطوه، فالرجل قد تحمل البقاء بدون الأكل لفترة طويلة، إلا فيما أعطته إياه الطبيعة.ونفد الحليب سريعاً، بعدما شربه الهر، فعاد الرجل وسأل القرويين أن يقرضوه بقرة، وبدأت البقرة بإعطائه الحليب أكثر من اللازم، فشرب الرجل الحليب هو أيضاً، خوفاً من إضاعة الفائض وهدره.
وبعد وقت قصير، من تنفّس هواء الجبل وأكل الفواكه والتأمل وشرب الحليب والقيام بالتمرينات، غدا الرجل أنموذجاً للجمال.وذات مرة كانت شابة تصعد الجبل باحثة عن خروف صغير، فوقعت في حب الرجل، وأقنعته بأنه يحتاج إلى زوجة تعتني ببيته وأغراضه، بينما هو يتأمل في سلام. فتزوّجا.
وبعد ثلاث سنوات صار لديه طفلان، وثلاث بقرات وبستان فواكه يقود إلى مكان للتأمل، وكان لديه قائمة كبيرة من الأشخاص الراغبين في معرفة المعجزة المتعلقة "بمعبد الشاب السرمدي".وعندما سأله أحد الأشخاص عن كيفية وصوله إلى هنا، قال: "بعد أسبوعين من وصولي، لم يكن لديّ سوى قطعتين من الملابس، وبدأ فأر صغير يقضمها و ..."
ولكن المستمعين لكلامه لم يهتموا بسماع نهاية القصة، لأنهم كانوا متأكدين من أن الرجل كان تاجراً ذكياً، يحاول تلفيق هذه الأسطورة كي يأخذ من الناس المال الكثير لقاء بقائهم في المعبد .