الذهب ثروة ذائبة
الرجل-دبي:
يتسابق المغامرون والعلماء منذ القدم لاكتشاف الكنوز الغارقة حول العالم منذ آلاف السنين، وكثيراً ما حدثتنا الأساطير والقصص الواقعية عن وجود كنوز ومدن كاملة غارقة في محيطات وبحار العالم، وارتبط خيال الأطفال دائماً بعالم افتراضي يقبع تحت الماء ويضاهي في ثروته أضعاف ما يوجد على الأرض، ولكن بتقدم العلم والكيمياء قدم بعض العلماء اقتراحات ونتائج أبحاث منذ القرن التاسع عشر تفيد بإمكانية استخراج واستخلاص ملايين الأطنان من خام الذهب النقي من مياه المحيطات المالحة لزعمهم بأنها تحتوي على مركبات وأملاح يمكنها إنتاج الذهب بعدة معالجات كيميائية بالغة التعقيد .
تتعدد النظريات التي تؤكد وجود معدن الذهب النفيس ذائب بكميات هائلة في مياه المحيطات الواسعة، ويرجح العلماء أن المياه المالحة والعذبة على كوكب الأرض تحتوي ما لا يقل عن 20 مليون طن من الذهب الخالص ذائبة بنسبة تركيز "00000000006 .0%"، وهو ما يستحيل معه استخلاص الذهب بالتكنولوجيا الحالية، ويتوزع تركيزه بحسب بعض المناطق على حساب الأخرى في البحار المفتوحة والتي يتواجد بها أمواج بحرية ورياح موسمية تختلط خلالها مياه البحار والمحيطات، وتتحكم عوامل عدة في تواجد تركيزات عالية للذهب، ويأتي على رأسها المناطق القريبة من مصبات الأنهار، التي يتواجد بها أعلى معدلات تركيز الذهب في العالم كون بعضها يمر على هيئة جداول مائية صغيرة من خلال مناجم الذهب .
وتتمثل بعض خامات المعادن ومنها الذهب على هيئة مركبات قابلة للذوبان في بعض المناطق التي تقترب من قاع البحار والمحيطات، ولكن على عكس تحلل الخامات الناتجة عن مصبات الأنهار، تنتج تلك الخامات مما يسمى ب "المنفسات الحرمائية"، وهي فوهات صغيرة تشبه المداخن تطلق حرارة كامنة في باطن الأرض وينتج عنها بعض خامات المعادن المنطلقة بقوة الانضغاط الحراري إلى داخل مياه البحر، وتكون حينها المياه في القاع مشبعة بأكاسيد وأملاح ومعادن رخيصة ونفيسة، ويتحكم هنا عامل التركيز بقدرة بعض المناطق على التفاعل والذوبان .
تغلب عناصر الصوديوم والماغنيسيوم والبوتاسيوم في التواجد بكثرة في مياه المحيطات بسبب تماس الكثير من الكتل الصخرية والجبال مع البحار عند حدود القارات، وتتمتع تلك المعادن والأملاح بقابلية عالية على الذوبان، ولا يمكن الحصول عليها إلا بمعادلات وتفاعلات كيميائية معينة، كما يمكنها الامتزاج الكامل في الماء مكونة عناصر جديدة وفق تفاعلات طبيعية، ولكن طبيعة الذهب تتركز في كونه لا يتفاعل مع عناصر المياه وأملاحها ومن الصعب أن يتخذ نمط المركبات القابلة للتحلل في المياه، لذا فتركيزه يعد الأقل ضمن المعادن والأملاح الأخرى، وهو ما يبرز أحياناً في استخلاصه في صورة خام طبيعي من بعض الجداول المائية في غابات وسط إفريقيا .
يرجع تاريخ الكشف عن تلك الحقيقة العلمية ومحاولات استخلاص الذهب من المياه إلى أواخر القرن التاسع عشر، وتحديداً عام 1872 على يد العالم البريطاني "سونتستادت"، ومنذ ذلك الحين تبنى عدد قليل من الكيميائيين والجيولوجيين فكرة استخراج الذهب من مياه المحيطات لاستحالة الفكرة عملياً في نظر أغلبية العلماء وتعقيد إجراءاتها وتكاليفها الباهظة التي من المرجح أن تذهب هباءً .
ولكن اهتم البعض بتلك الفكرة مثل العالم الألماني "فريتز هابر"، الحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء، والذي خصص فترة طويلة من حياته العلمية لاختبار وتطبيق نظم متقدمة لاستخلاص بعض المعادن المهمة من مياه البحر مساهمة في تغطية تكاليف تجهيز القوات الألمانية قبل الحرب العالمية الثانية، ورغم اجتهاداته واستطاعته استخراج بعض المليغرامات، إلا أنه يرجع له الفضل في اكتشاف نسب تركيز الذهب المتدنية للغاية، ما جعله يوقف برنامجه لأجل غير مسمى بسبب عدم جدوى الاختبارات التي بالكاد كان يغطي تكاليفها .
يستلزم استخراج الذهب من المحيطات استثمارات هائلة، حيث تتطلب جلب كميات ضخمة من المياه المنتقاة من بعض الأماكن وتبخيرها لزيادة تركيز الذهب بداخلها، تمهيداً لإجراء بعض المعالجات الكيميائية للفصل بين العناصر وتحييدها عند إجراء التفاعلات الكيميائية، وتتطلب تلك العملية طاقة عالية لا تستطيع أي دولة التضحية بها في الوقت الراهن، وحتى لو تم الأمر لن تغطي قيمة الذهب المستخرج قيمة 1% من الأموال المفقودة .
ولكن هناك دائماً أمل في التخطيط لتوليد الحرارة من خلال خزانات عملاقة وشفافة يتم تسخينها عن طريق تركيز أشعة الشمس المنعكسة من مرايا ضخمة يتم نصبها في الصحراء المشمسة، وذلك بهدف إجراء عملية التبخير التي تستطيع بقوة الحرارة توليد الكهرباء وفي الوقت نفسه تقليل حجم المياه لزيادة تركيز المعادن والذهب في المياه، ولكن على الرغم من جدية الفكرة إلا أن بعض الاقتصاديين يرون أن عملية نقل مياه البحر إلى وسط الصحراء في خزانات أمر لا طائل منه وينسف كل المحاولات لتقليل نفقات استخراج الذهب من المياه المالحة .
كحل آخر يرى ريتشارد كولتشن أستاذ الكيمياء بجامعة كاليفورنيا الأمريكية، أن عملية استخراج الذهب والمعادن بشكل عام تكمن في إيجاد طاقة للتبخير، وهو أمر يستحيل عملياً خلال الوقت الراهن، وكبديل لذلك ينصح كولتشن بالتوجه إلى البحيرات والبحار الضحلة، وأبرزهم البحر الميت في منطقة الشرق الأوسط، حيث يحتوي على العديد من المعادن بتركيز قوي للغاية ما يسهل عملية الاستخلاص وقربه من المدن، بدلاً من التوجه إلى المحيطات المترامية الأطراف .
برزت مؤخراً تكنولوجيا جديدة تعمل بالطاقة الشمسية ابتكرها العالم "دان ويليامز" بعد عدة سنوات من تطيره لجهاز داخل معمله بمدينة مازونتي بولاية واهاكا المكسيكية، حيث تمكن من تطوير جهاز يشبه العوامة أو الطوافة يسبح على سطح الماء ويمكنه البدء بعملية مبسطة لاستخلاص الذهب بطرق غير ملوثة للماء أو الكائنات البحرية، وتتلخص طريقة العمل في تزويد الطوافة بخلايا تعمل بالطاقة الشمسية مضادة لملوحة البحر مثبتة على قمة الجهاز، وخلال ساعات النهار يمكن للجهاز العمل في جمع خام الذهب بطرق كهربية بدرجة نقاء طبيعي تصل إلى 7 .99% .
ويزعم ويليامز أن المحيطات تحتوي على نحو 75 مليون طن من الذهب، ويقول، إنه تلقى عدة عروض لتصميم وإنتاج نماذج أكبر من الاختراع الجديد من قبل كبرى شركات البترول العالمية لبدء تشغيلها بالقرب من منصاتها في المياه الدولية وبدء اكتشافها للذهب، وأضاف أنه إذا ما قبل أحد تلك العروض سيكون النموذج الجديد قيد التشغيل أواخر العام المقبل .
يعتمد الجهاز الطواف على عوامل عدة منها قوة تدفق المياه ونسب تركيز الذهب في بعض المناطق أيضاً لتسهيل استخلاصه، ويمكن أن يعمل داخل المياه العذبة والمالحة ومياه الآبار، حيث استطاع ويليامز استخلاص 2 ميلليغرام من الذهب من داخل 6 آبار بصحراء المكسيك، ولكن تصل تكلفة إنتاج نموذج مصغر من الجهاز آلاف الدولارات حيث تتكون معظم أجزائه من الذهب أيضاً، ولكن من المتوقع أن تنخفض أسعاره بعد عدة عمليات تطوير يعمل عليها ويليامز وفريق عمله الذين يتكتمون عن طبيعة تكوين وتصميم الجهاز لاعتبارهما سراً قومياً.
"الخليج"