الرئيس التونسي السبسي يروي تفاصيل 60 عاما قضاها في عالم السياسة
يروي الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي: " كنت في المحكمة، فأتى من يخبرني بأن الرئيس يريدني، فصعدت الى مكتب رئيس المحكمة الذي استغرب حضوري واخبرني بأنه لم يستدعني، وحين راجعت في الامر، عرفت بأن الرئيس بورقيبة هو من يطلب حضوري وليس رئيس المحكمة".
وكانت تونس قد حصلت على استقلالها في 20 مارس عام 1956 ، ووقع الاختيار على الحبيب بورقيبة رئيساً للحكومة، وبدوره استدعى على عجل بعض اصدقائه القدامى.
الرئيس التونسي السبسي: «الربيع العربي» اختراع أوربي.. ولا ثورة بلا إعلام حر
ويتابع السبسي الذي اختارته مجلة الرجل شخصية غلافها الجديد، حديثه قائلا: "حين دخلت الى قصر الحكومة في القصبة، نادى الرئيس بورقيبة على أحد مساعديه وطلب اليه تجهيز مكتب لي، فاعترضت بأني لا اعرف شيء في شؤون السياسة، فردّ بورقيبة "نحن كلنا لا نعرف، هل ندع فرنسا تحكم بحجة أننا لا نعرف".
الرئيس التونسي السبسي يكشف طبيعة علاقة بلادة مع المملكة.. ويصفها بـ«الاستراتيجية»
ويذكر أن بورقيبة الغى الملكية وأعلن تونس جمهورية، وأصبح هو رئيساً للجمهورية في 15 يوليو 1957 .
ستون عاماً من الحياة السياسية
دخل السبسي "قصر القصبة" بصفة مستشار لزميل الدراسة وصديقه بورقيبة، ثم غدا مديراً بوزارة الداخلية، وعام 1963 عيّن على رأس إدارة الأمن الوطني، بعد إقالة إدريس قيقة، على خلفية المحاولة الانقلابية
التي كشف عنها في ديسمبر/ كانون الأول 1962 .
من هو الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي؟ .. شخصية عدد مجلة «الرجل» الجديد
وفي عام 1965 عيّن وزيراً للداخلية بعد وفاة الطيب المهيري، وقد ساند من منصبه التجربة التعاضدية (تطلق على ماوقع خلال الستينات من تجميع للملكيات الفلاحية في اطار تعاضديات) التي قادها الوزير أحمد بن صالح، ثم تولى وزارة الدفاع بعد إقالة الأخير في 7 نوفمبر 1969 ، وبقي في منصبه لغاية 12 جوان 1970 ليعين سفيرا لدى فرنسا.
جُمّد نشاطه في الحزب الدستوري عام 1971 (الحزب الحاكم في تونس سابقا) على خلفية تأييده إصلاح النظام السياسي، وفُصل عام 1974 ، لينضمّ إلى المجموعة التي ستشكل عام 1978 حركة الديمقراطيين الاشتراكيين بزعامة أحمد المستيري.
وقد تولى في تلك الفترة إدارة مجلة "ديمكراسي" (ديموقراطية) المعارضة، وكان يكتب مقالات توجه نقداً لاذعاً للنظام والحكومة، الا أنه ومع بوادر الاتجاه للاصلاح، رجع إلى الحكومة في 3 ديسمبر 1980 وزيراً معتمد لدى الوزير الأول محمد مزالي، الذي سعى إلى الانفتاح السياسي. وفي 15 أفريل 1981 عُيّن وزيراً للخارجية، خلفاً لحسان بلخوجة.
خلال توليه للخارجية يشيد انصار السبسي بتمكنه من دخول العاصمة اللبنانية بيروت، وهي تحت الحصار الاسرائيلي (عام 1982)، ليقنع الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات بضرورة خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت الى تونس، في المقابل يرى خصومه أن هذه نقطة ليست في مصلحته، كونها تتماشى مع الرغبة الاسرائيلية، ويعتقدون ان ما كان لها ان تتم دون موافقتها.
بالمقابل هناك شبه اجماع على الاداء المميز للسبسي بقيادة الصراع الديبلوماسي في أروقة مجلس الأمن، في أعقاب الهجوم الاسرائيلي على مقر منظمة التحرير في تونس خريف 1985 (راح ضحيته 68 قتيلاً وهو أخطر ضربة تتلقاها منظمة التحرير) تمكن السبسي من تجنب الفيتو الامريكي، والحصول على قرار يدين الاعتداء الاسرائيلي.
ويروي في مذكراته تفاصيل المفاوضات الشاقة على صيغة القرار "كان الشيء الأساسي بالنسبة إلينا هو الحصول على قرار يدين صراحة الاعتداء، وكان هامش المناورة ضيقاً للغاية".
في عام 1986 قدم استقالته من الخارجية، فعُيّن سفيراً في المانيا لمدة عام، باصرار من الرئيس بورقيبة، ويعلق على الامر بالقول ان "السلطة لا تدوم وحين كنت اشعر اني غير فعّال كنت انسحب".
في تلك الاثناء جرى انقلاب زين العابدين بن علي 7 نوفمبر 1987 ، وبعد سنتين انتُخب السبسي في مجلس النواب عام 1989 ، ومن ثم تولى رئاسة المجلس لفترة قصيرة بين 1990 و 1991 .
ادرك السبسي بحسه السياسي، ضرورة الابتعاد عن نظام بن علي، فآثر العودة الى ممارسة مهنة المحاماة، وغاب عن المشهد السياسي طيلة 17 عاما، وألّف في تلك الفترة كتاباً سرد فيه تجربته مع بورقيبة بعنوان"الحبيب بورقيبة، البذرة الصالحة والزؤام" الذي نشر عام 2009 . وقد فنّد فيه، ما كان يأخذه عليه خصومه عن انتمائه الى جماعة "وسيلة بورقيبة"، مؤكداً انتماءه إلى نفسه في توافقها مع الحبة الصالحة في ذات بورقيبة.
وإن كان لا ينكر اعجابه بصديقه بورقيبة، وغالباً ما يستشهد بأقوله، غير أنه أوضح في مقابلة صحفية، بأنه لم يكن من أنصار بورقيبة الذاتيين، بل من أنصار أفكاره "ولذلك اتبعته في الخمسينات والستينات مؤمناً ببرامجه السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ولكني خالفته في أول السبعينات لما بدا لي من تصلب بعض توجهاته، فكان نصيبي الطرد من الحزب الدستوري سنة 1974".
ويعوّل السبسي الذي اختارته مجلة الرجل شخصية غلافها الجديد على الشباب، يصغي إليهم، ويحيط نفسه بعدد ممن يعملون معه في القصر، ويحرص على الاهتمام بمشكلاتهم، وإيجاد الحلول لها من خلال تفعيل التنمية في البلاد ومكافحة الفقر وتحسين الظروف الاقتصادية، ويبدو واضحا من كلام الرئيس التونسي أنه يولي أولياته للشباب والتنمية والازدهار وترسيخ معنى المواطنة. حيث يمثل الشباب التونسي حوالي ٦٠٪ من عموم التركيبة السكانية في البلاد ولها دور مهم في الشأن العام، اذ يعتبر الشباب في تونس هم مفتاح النجاح والنهضة.
ويملك الباجي قائد السبسي الذي بلغ التسعين من عمره ارثا نضاليا طويلا حيث يعود العدد الى البدايات وكيف نشأ الرئيس التونسي والظروف المحيطة به والتي يتحدث عنها الرئيس قائلا: "عشت وحيداً في صغري، وكان يمكن أن أنحرف بسهولة أمام الظروف التي عشتها، لكن المولى سبحانه وتعالى وفقنا وأرشدنا الى الطريق السوي".
كما يتوقف العدد عند الحياة العائلية للرئيس ويستعرض اراء الأشخاص المحيطين به من عائلته المقربة، كيف يصفونه وكيف يقضي وقته خارج إطار عمله.
أما فيما يتعلق بالحياة السياسية فيدخل العدد في دهاليزها وذكرياتها التي تعود لأكثر من تسعين عاما منذ عهد بورقيبة زميل الدراسة مرورا بانقلاب زين العابدين بن علي وصولا الى الثورة التونسية عام ٢٠١١ ثم دخول البلاد مرحلة سياسية جديدة شعارها الحرية التي يتحدث عنها السبسي قائلا: " صون الحرية من شطط أنصار الحرية كان أصعب بكثير من مقاومة اعداء الحرية".
وبالنسبة للعلاقة مع السعودية يؤكد السبسي بأنها علاقة استراتيجية ويعدّها امتداداً لما بدأه الزعيم الحبيب بورقيبة خلال زيارته للسعودية، ولقائه الملك عبد العزيز رحمه الله، عام 1951، أي قبل استقلال تونس بسنوات.
ويرى الرئيس التونسي أن السعودية لم تكن اليوم فقط، مركزاً مهماً للقرار السياسي والتأثير، ولكن اليوم كلنا مدعوون لأن نرص الصفوف أمام التحديات" وبرأي السبسي أن السعودية بقيادة الملك سلمان، "تقوم بدور أساسي في العالم العربي اليوم، ومتفائل بالمستقبل، غبنا زمناً عن هذه الأوضاع التي تتغير بشكل متسارع في المشهدين الإقليمي والدولي، وأعتقد أن السعودية واضحة وتعرف ما دورها ودور العرب، وضرورة التضامن والتآلف والتآزر الذي يجعلنا نصمد أمام كل التحديات".
كما عبر عن يقينه بأن الأمير محمد بن سلمان جدير بالثقة يتمتع بكياسة وفطنة وحماسة الشباب للتطوير والرقي والازدهار.
ويؤيد السبسي التحالف الإسلامي بقيادة السعودية، ويرى أن "مبادرة التحالف ضرورة، لأن العالم يقول لنا عن سوء أو حسن نية، إن الكل يحاربون داعش، وأنتم العرب ساكتون، وهذه أمور خاطئة؛ تونس مثلاً ضحية الإرهاب، ويجب ان تكون في المقدمة لمحاربته، ولهذا نحن مع هذا التحالف".