الصرّاف الآلي و”ماوس”الكمبيوتر.. 5 اختراعات لم يربح أصحابها تعرّف عليهم
الرجل: دبي
الحياة ليست عادلة في جميع الأحوال، ففي الوقت الذي قام فيه مارك زوكربيرغ بإطلاق موقع فيسبوك لتبلغ ثروته حالياً 48 بليون دولار، كان جيمس غودفيلو اخترع شيئاً مهماً يستخدمه ملايين البشر حول العالم في حياتهم اليومية، وهو ماكينات سحب النقود، إلا أنه لم يصبح غنياً بسبب اختراعه. في الحقيقة، وبعد مرور 50 عاماً على اختراعه، صرح غودفيلو للغارديان أنه لم يربح سوى 15 دولاراً من براءة اختراعه، وأنه لم يتمكن من كسب أية نقود أخرى منذ ذلك الحين.
يقول غودفيلو “يمكنك تخيل شعوري عندما يحصل المصرفيون على مكافآت بالملايين. أنا أتساءل دائماً ما الذي ساهم به هؤلاء في الصناعة المصرفية أكثر مما قمت به ليستحقوا مكافآت بتلك القيم. الأمر غير منطقي بالنسبة لي، ولكن هذه هي الطريقة التي يسير بها العالم”، وفق ماجاء في صحيفة الغارديان.
ما يؤرق غودفيلو أيضاً هو عدم اعتباره قدوة يحتذى بها بين المخترعين والمهندسين، رغم أنه جاء باختراع استثنائي كان له أثر هائل في ميلاد صناعات متعددة وأموال تقدر بالمليارات، يقول “ومع ذلك، لم أحصل على شيء. لذلك، من سيرغب باقتفاء أثر جيمس غودفيلو والحصول على 15 دولاراً مع هذا النجاح الساحق؟”.
في الوقت الذي استطاع فيه زوكربيرغ تأمين مكانه في قائمة أصحاب البلايين التي تصدرها مجلة فوربس الشهيرة، وأن تبلغ ممتلكاته ملايين الدولارات في كاليفورنيا وهاواي، يقيم غودفيلو في منزل صغير بمدينة بيزلي الإسكتلندية. ومع ذلك، يبقى أمر الاعتراف بالإنجاز أهم من المال.
على مدار سنوات طويلة، أُثيِر الكثير من الجدل حول التسجيل التاريخي لمخترع ماكينات الصرافة، وفي عام 2005، تلقى رجلٌ يدعى جون شيبارد بارون وسام الإمبراطورية البريطانية عن جهوده في المجال المصرفي باعتباره “مخترع ماكينات السحب الآلي”، إلا أن القسم المالي بصحيفة الغارديان يؤكد أن الحكومة البريطانية تعترف حالياً بكون غودفيلو هو مخترع ماكينات الصراف الآلي، لذلك، يبدو أن غودفيلو قد استطاع تأمين مكانه التاريخي بعد كل ذلك الجدل.
بالعودة إلى منتصف الستينيات، كان غودفيلو يعمل كمهندس تطوير بشركة تدعى كيلفين هيوز في غلاسكو، أسند إليها أمر التوصل إلى طريقة تمكن المستخدمين من سحب أموالهم من البنوك في أيام العطلات. يتذكر غودفيلو قائلاً “لم يكن من الممكن بالنسبة لأغلب العاملين طوال الأسبوع الذهاب إلى البنك، ولقد أرادوا حلاً لهذا الأمر، وكان الحل هو إنتاج ماكينة توفر المال عند الطلب للمستخدمين”. ويضيف “بدأت في تطوير الماكينة، واحتجت في ذلك الوقت لاختراع ما يعرف برقم التعريف الشخصي ونظامٍ تشفيري”.
كان ذلك النظام التشفيري هو عبارة عن بطاقة بلاستيكية بها عدة ثقوب. ويظهر في أوراق براءة الاختراع الخاصة بغودفيلو أنه قد اخترع أيضاً نظاماً لقراءة البطاقة، وأزراراً للماكينة يمكن التعامل معها من خارج البنك، وتقول الأوراق “عندما يرغب العميل في سحب الأوراق النقدية يقوم ببساطة بوضع البطاقة الخاصة به في نظام يعمل على قراءة تلك البطاقات، ويقوم بالتعامل مع جهاز ذي 10 أزرار من خلال رقم التعريف الشخصي الخاص به”. وبعيداً عن اختلاف شكل البطاقات عن الصورة الحالية، يبقى ذلك الوصف هو تماماً ما نعرفه اليوم بماكينات الصراف الآلي.
بعدما استطاع غودفيلو التوصل إلى تلك الطريقة بنجاح، مُنِح الضوء الأخضر لبناء النموذج الأولي للفكرة، ثم كانت أولى ماكينات مُنتجة بفروع بنك Westminster عام 1967.
في الفترة نفسها، كان شيبارد بارون يعمل في شركة مصنعة للأوراق النقدية وتدعى ديلا رو، وكانت الشركة تسعى لإنتاج منتَج منافس. لم تستخدم الماكينة التي أنتجها بارون بطاقات بلاستيكية واستبدلتها بشيكات مشبعة بمركب كاربوني خاص، وهو الكربون-14، الذي يعد النظير المشع للكربون، حيث تتمكن الماكينة من التقاط الكربون، ثم تقوم بالتحقق من البطاقة من خلال رقم سري يدخله المستخدم قبل أن تخرج النقود له.
شمال لندن عملت أول ماكينة
قبل وفاته عام 2010 بثلاثة أعوام، تمت تسمية شيبارد بارون في أحد اللقاءات مع هيئة الإذاعة البريطانية BBC كمخترع ماكينات النقود، حيث ذكر خلال المقابلة أن فكرته وجدت قبولاً فورياً من بنك باركليز، وأنه قام بالتوقيع على الاتفاق مع المدير التنفيذي للبنك.
ويحظى شيبارد بارون بكثير من الاعتراف العالمي على أنه مخترع أول ماكينة صراف آلي استخدمها الناس، والتي كانت أمام فرع بنك باركليز في إنفيلد بشمال لندن، حيث سبقت ماكينته ظهور ماكينة غودفيلو للعلن بشهر واحد. وعلى الرغم من ذلك، فقد تم تقديم ماكينة غودفيلو في 2 مايو/ أيار 1966، أي قبل 14 شهراً من ظهور ماكينة بارون. وعلى النقيض، رفضت شركة شيبارد بارون منحه براءة اختراع لجهازه الجديد.
كانت المنافسة بين الرجلين قد ظهرت على السطح مع تكريم شيبارد على اختراعه، حيث يقول غودفيلو “أكثر ما يجعلني نادماً هو أنني لم أظهر إعلامياً على الإطلاق، وأنني لم أتحدث حول الأمر إلا عندما حصل شيبارد بارون على وسام الإمبراطورية البريطانية في عام 2005، والذي حصل عليه على أساس أنه مخترع ماكينات صرافة النقود، وهو ما كان بمثابة غصة في حلقي، وجعلني أحدث القليل من الضجيج. في الفترة بين عامي 1966 و2005 لم أقل أي شيء، وهو ما كان الخطأ الأكبر”.
بعد ذلك، حصل غودفيلو في عام 2006 على وسام الإمبراطورية البريطانية لمساهماته البنكية كصاحب براءة اختراع رقم التعريف الشخصي.
لم يعد شيبارد بارون على قيد الحياة ليتحدث عن الأمر، ولكنه في مقابلة عام 2005 مع صحيفة الغارديان، تحدث عن منافسه بطريقة تبدو مُذلة إلى حد ما، حيث قال “أنا لا أعرف، لذلك حظاً موفقاً بالنسبة له كزميل، ولكن الفرق يبدو واضحاً بين ما صنعه وبين ما صنعناه، حيث كان ما توصلنا له هو مفهوم ذلك النظام بالكامل، وهو ما كان مهماً للغاية بالنسبة للبنوك التي قامت بشرائه. اختراعه يشبه الحوامات البحرية، لذلك يمكن وصف عمله بالفشل الأنيق”.
غزت تلك الماكينات العالم بما قدمته من فكرة جديدة، في الوقت الذي لا تبدو فيه الأفكار الجديدة (مثل بيتكوين، والمنتجات التكنولوجية القابلة للارتداء، وغيرها) قادرة على سحب البساط من ماكينات الصراف الآلي، والتي أصبح عددها حالياً ثلاثة ملايين ماكينة حول العالم، مع توقعات بوصول الرقم إلى 4 ملايين بحلول عام 2020 وفق بحث متخصص قدمته شركة RBR للاستشارات.
يتفهم غودفيلو أنه ليس مخترع المبدأ الذي تقوم عليه ماكينات سحب النقود، حيث يقول “ولكني أنا من اخترع الطريقة التي يمكن تنفيذ الأمر بها. عندما نتحدث عن الأخوين رايت، فهما لم يخترعا مبدأ الطيران، الجميع كانوا يحاولون فعل الأمر، ولكنهما كانا أول من اخترع الطائرة، لذلك، أعتقد أنه يجب أن أحصل على اعتراف بكوني مخترع ماكينات سحب النقود”.
ربما تكون الأخبار السارة بالنسبة لغودفيلو قد بدأت في الظهور، حيث يعرض موقع ATMInventor.com ملخصاً عمن بذلوا جهوداً في هذا الأمر، ثم يلخص الأمر بالقول “من هو صاحب فكرة ماكينات الصراف الآلي؟ نحن نظن أن صاحب الفكرة هو المخترع الأميركي صاحب الأصول الأرمينية لوثر جورج سيميان. ومن هو مخترع ماكينات الصراف الآلي؟ نحن نعتقد أنه الإسكتلندي جيمس غودفيلو والذي تحصل على براءة اختراع عن هذه الماكينات عام 1966. وإذا سألنا من هو مخترع الماكينات ذات الشكل الحالي؟ نعتقد أنه الأميركي جون وايت”.
الأخبار السارة أيضاً بالنسبة لغودفيلو كانت اعتراف وزارة الداخلية بالإنجاز الذي حققه في إصدار خرج مؤخراً من 180 صفحة بعنوان “الحياة في بريطانيا” وهو موجه لمن يريدون الحصول على الجنسية البريطانية. وفي فصل خاص للحديث عن أعظم الاختراعات البريطانية في القرن العشرين، يذكر الكتاب “في الستينيات، قام جيمس غودفيلو باختراع ماكينة الصراف الآلي”.
بعد سنوات طويلة، استطاع غودفيلو أخيراً أن يجد بعض الحديث حوله تماماً مثل كبار المخترعين في بريطانيا، مثل جون بيرد (مخترع التلفاز)، وآلان تورينغ (مخترع آلة تورينغ)، والسير فرانك ويتل (مخترع محرك الطائرة) والسير تيم بيرنيرز لي (مخترع الويب).
ماذا إذاً عن المبلغ الضئيل الذي حصل عليه غودفيلو في الستينيات؟ يجيب عن هذا الأمر قائلاً “كان ما حصلت عليه هو 15 دولاراً، كان علي التقدم بطلب للحصول على براءة اختراع في 15 بلداً مختلفاً، وكانت القيمة التي تحصل عليها نظير كل توقيع براءة اختراع هي دولار واحد”. هكذا أجاب غودفيلو، والذي كان قد ترك شركته “كلفين هيوز” في ذلك الوقت بعد أن قرر الرحيل بسبب قرار الشركة بنقل تطبيق مشروعه لمنطقة أخرى، حيث يقول “طُلِب مني في ذلك الوقت أن أتوجه لإدارة المشروع في الجنوب، ولكنني لم أكن مستعداً لذلك، لذلك تركت الشركة وانتقلت للعمل في شركة IBM”، واستمر غودفيلو في IBM على مدار 26 عاماً.
وبسؤاله عما فعله بالـ15 دولاراً التي حصل عليها، يقول غودفيلو أنه ربما أنفقها على قضاء ليلة ممتعة واحدة، ويضيف “لم تغير حياتي بالتأكيد، ولكن الأمر الجيد هو أنني كنت سعيداً للغاية بالعمل الذي أقوم به”.
خمسة مخترعين آخرين لم يربحوا المال مقابل اختراعاتهم
شاين شين، مخترع لوح التزلج الآلي Hoverboard: عمل شاين على تطوير الفكرة وحصل على براءة الاختراع على التصميم الذي توصل إليه في معمله بالولايات المتحدة منذ أربع سنوات. قام شاين بتسويق تصميمه الجديد تحت مسمى Hovertrax ولكن المنتجات الصينية رخيصة الثمن استطاعت إغراق الأسواق. وفي لقاء مع صحيفة الغارديان في يناير/ كانون الثاني الماضي حول ما إذا كان قد حقق ثروة من اختراعه الجديد أم لا، أجاب “لا، لم يحدث. إذا نظرت للتاريخ فستجد أن غالبية المخترعين كانوا فقراء، والآخرون هم من يربحون المال. عندما عملنا في Hovertrax كنت قد اعتدت على الأمر، حيث تم استنساخ ستة اختراعات توصلت إليها خلال السنوات العشر الماضية”.
دوغ إنغلبارت، مخترع الفأرة “مؤشر الكمبيوتر”: كانت مهمة إنغلبارت –الذي توفي في عام 2013- هي جعل أجهزة الكمبيوتر أكثر سهولة في الاستخدام، وكان أحد أكبر النقلات في هذا الأمر هي الفأرة، والتي تم تطويرها في الستينيات قبل أن يحصل على براءة اختراعها عام 1970، وكانت في ذلك الوقت عبارة عن قشرة خشبية تغطيها عجلتان من المعدن، وكان اختراع إنغلبارت مبكراً للغاية في عالم الكمبيوتر، ما جعله هو وزملاءه لا يحققون أيّ نفع مادي يذكر. دخل اختراع إنغلبارت حيز الاستخدام بشكل موسع عام 1987، وهو ما أحدث فارقاً مقداره 17 عاماً بين فترة اختراعه وفترة انتشاره، وهو ما فوت على إنغلبارت فرصة حصد الكثير من التقدير عند انتشار اختراعه.
تريفور بايليس، مخترع الراديو الهوائي: في تسعينيات القرن الماضي، قام بايليس بتطوير الراديو الهوائي، حيث نجح أول نموذج له في العمل لمدة 14 دقيقة، وتناولت برامج تلفزيونية الحديث عن الموضوع عام 1994، قبل أن تنطلق شركة أخرى في جنوب أفريقيا تدعى BayGen Power Industries والتي قامت بتوظيف عاملين معاقين للعمل على إنتاج راديو هوائي، واستطاعوا في عام 1997 إخراج منتج أصغر وأخف ليتم إنتاجه بشكل موسع. وفي عام 2013، صرح بايليس لصحيفة ديلي تيليغراف البريطانية أنه محطم حالياً ويعيش في فقرٍ حقيقي. وعلى الرغم من النجاح الظاهري لاختراع بايليس، أكد أنه لم يحصل تقريباً على أي نفع مادي منه، حيث صرح قائلاً “نحن متميزون في اختراع الأشياء، ولكن الأمر المروع هو طريقة تعاملنا مع المخترعين. لقد كنت أحمق للغاية، ولم أقم بحماية منتجي بالطريقة الصحيحة وسمحت لآخرين بأخذ ما توصلت له”.
ماري كيليك، مخترعة قلم الياقوت: اخترعت كيليك قلم الياقوت لتشغيل آلة الغرامافون، وحصلت على براءة اختراع عام 1945 ولكنها لم تتمكن من جني المال من اختراعها. وفي الخمسينيات من القرن نفسه، تمكنت كيليك من الفوز بدعوى قضائية طويلة المدى ضد شركة Pye للإلكترونيات والتي اتهمتها كيليك بانتهاك براءة الاختراع الخاصة بها، ثم ربحت قضيتها في نهاية المطاف عام 1958، إلا أن الشركة أشهرت إفلاسها عام 1959، قبل أن تستفيد كيليك مادياً من التعويض.
أليكسي باجينتوف، مخترع لعبة تيتريس على أجهزة الكمبيوتر: كان باجينتوف وراء لعبة تيتريس التي حققت نجاحاً عالمياً كبيراً وصل لحد إدمان مستخدميها للعبة، حيث يقوم اللاعبون بتكوين خطوط معينة من خلال مكعبات تتساقط من أعلى الشاشة، وقد تم إطلاق اللعبة في يونيو/ حزيران 1984. وكان باجينتوف قد صمم اللعبة في البداية بمساعدة زملائه ديميتري بافلوفسكي، وفاديم جيراسيموف في شركة سوفيتية عملوا بها سوياً، ولم يتمكن من تحقيق أرباح حقيقية قبل عام 1996 على الرغم من المبيعات الموسعة للعبة على جميع أجهزة نينتندو حول العالم. وفي لقاء مع صحيفة الغارديان عام 2014، قال باجينتوف أن اللعبة كانت من أولى البرمجيات التي تصدر من الاتحاد السوفيتي، وأضاف “لم أتمكن من حصد الكثير من المال في البداية، ولكنني كنت سعيداً، لأن هدفي الأساسي هو أن يستمتع الناس باللعبة”.