قريباً جداً .. ما الذي ستقدمه لك سيارة المستقبل ؟
الرجل – دبي:
ليس ضرورياً أن تكون عاشقاً للتقنية، لتكون متحمّساً لمعرفة ما الذي ستقدمه لك سيارة المستقبل، فالسيارة في نهاية الأمر لكثير منا «الجهاز» الاستهلاكي الأكثر قرباً (وقيمة) لدينا، والتي ستصبح قريباً أذكى أيضاً. وما زالت السيارات الطائرة نوعاً من الخيال العلمي، لكن أذكى السيارات اليوم، تتمتع بقوة معالجة تساوي 20 حاسوباً شخصياً، وتتضمّن ما يقرب من 100 مليون سطر من التعليمات البرمجية. وهذه ليست إلا البداية.
وإذا نظرنا إلى قدرات الهواتف الجوالة في التسعينات، مع ما تستطيع أن تفعله الهواتف الذكية اليوم، وافترضنا أن السيارات ستتحرك بسرعة التطور ذاتها، فإننا سنرى في العقد القادم، قفزات نوعية في تقنية السيارات. والحقيقة أن أكثر من 7.5 مليون سيارة تسير على الطرقات في الوقت الحالي، تعتمد على بنية الحواسيب الفائقة، وهذه هي مجرد البداية أيضاً.
التنقل بلا سائق عبر الحوسبة
ستبدأ تنقلاتك إلى العمل في غضون سنوات قليلة، بوصول سيارة خالية إلى بابك الأمامي، بعد أن تطلبها عبر تطبيق جهاز قابل للارتداء. وستعمل خلال رحلتك من البيت إلى المكتب، على قراءة رسائل بريدك الإلكتروني، ومشاهدة الأخبار، وتلقي المكالمات. وعندما ستلقي نظرة عبر النافذة على السيارات الأخرى التي تجاورك في الطريق، ستلاحظ عدداً قليلاً جداً من السائقين خلف عجلة القيادة، بينما تسير معظم السيارات من دونهم. وبفضل المعلومات التي ستتشارك بها تلك السيارات، تتعامل أنظمة إدارة حركة المرور مع مواقع الازدحام، قبل أن تؤثر فيك، وهكذا تمضي رحلتك بشكل سلس وسريع. وعند وصولك إلى المكتب، تنزل من السيارة التي تتابع السير إلى أقرب محطة وقود، لتملأ خزاناتها، بينما تسجل أجرة الرحلة التي أجريتها على حسابك تلقائياً، وتقف في موقف السيارات بهدوء مستعدة لرحلتها المقبلة.
الطريق إلى سيارات القيادة الذاتية
استطاع التقدم التقني أواخر العام الماضي 2014، وبداية هذا العام، إثارة خيال الجمهور بالسيارات الذاتية القيادة. وبدأت مئات الشركات بالعمل على البرمجيات والأجهزة، وأجهزة السلامة ونظم المعلومات، لتحويل السيارة من وساطة للنقل، إلى أقوى حاسوب موجه إلى المستهلكين. وما فتئت هذه العملية تكسب مزيداً من التسارع؛ ففي العامين الماضيين أعلنت شركات أودي، ونيسان، وغوغل، ومجموعة أخرى من شركات تقنية المعلومات والسيارات، عن عزمها تطوير سيارة من دون سائق، وأعلنت شركة سيارات الأجرة العالمية "أوبر" أيضاً، أنها تخطط لتنفيذ خطوات على هذا الصعيد .
ربما بدأ هذا الاهتمام بدمج التقنيات في السيارات، منذ أكثر من 90 سنة، عندما ظهرت الإلكترونيات لأول مرة على لوحات العدادات، لكننا قطعنا شوطاً طويلاً منذ ذلك الحين. فقبل عشر سنوات، كانت قيمة الإلكترونيات في السيارة العادية أعلى من قيمة المحرك. أما اليوم فإن التقنيات المتقدمة في مجال السيارات تضيف قدرات حوسبة ضمن السيارة، أقوى من أسرع حاسوب فائق في العالم، منذ 15 عاماً.
ودفعت سرعة وتيرة الابتكار والمنافسة بين شركات صناعة السيارات، إلى إضافة تقنيات القيادة الذاتية، إلى سيارات اليوم، وكان على الحكومات والهيئات التنظيمية اللحاق بهذا الاتجاه سريعاً.
ففي العام الماضي قرر الاتحاد الأوروبي أنه يجب إلزامياً تثبيت نظام eCall في السيارات الجديدة، بحلول نهاية عام 2017. وهي رقاقة سترسل لاسلكياً بيانات الاستشعار عن تأثر الوسائد الهوائية مع معلومات الموقع لخدمات الطوارئ، في حال وقوع حادث.
وعلى الرغم من أن فكرة وجود سيارة تراقب - باستمرار - كل جانب من جوانب رحلتك، تثير تساؤلات مهمة بشأن "أمن المعلومات والخصوصية"، فإن قوة البيانات الناتجة عن ذلك يمكن أن تكون كبيرة. وتبدأ بدفع تأمين أرخص على السيارات، وابتكارأساليب تسويقية جديدة، وصولاً إلى تصميم مدننا، بينما تعدّ البيانات الكبيرة أخباراً «كبيرة» لقطاع السيارات.
السيارة جهازاً استهلاكياً
يتحرك التكامل بين السيارات مع الأجهزة الرقمية في حياتنا، باتجاه إجراء المكالمات الحرة اليدين، ودخل في تحالف غوغل المفتوح للسيارات، عددٌ من الشركات الرئيسة، لدعم الهدف النهائي المتمثل في جعل السيارة نوعاً من أجهزة أندرويد المتصلة. وأصبحت هوندا لصناعة السيارات في أكتوبر 2014 الأولى في العالم التي تعلن عن استخدامها نظامَ أندرويد مدمجاً للمعلومات والترفيه، يعمل بالاعتماد على تقنيات شركة إنفيديا، كما دخلت شركة آبل أرض المعركة بنظام كاربلاي المعلوماتي الترفيهي.
وتؤثر خبرتنا في التعامل مع الهاتف الجوال في العلاقة بين شركات صناعة السيارات والسائقين. فاليوم، يحافظ صانعو الهاتف على تطور جهازك عن طريق تحديثات البرامج. وباتجاه السيارات لتصبح نوعاً من الحواسيب، فإنه يسهل علينا أن نتصور أن شركات صناعة السيارات ستتحرك في الاتجاه ذاته. وكانت شركة تسلا موتورز الرائدة في هذا الاتجاه، حيث تسمح بإضافة ميزات جديدة إلى سيارات الطراز إس المتوقفة في الموقف خلال الليل، ومن المرجح أن لا تبقى بقية الشركات المصنعة بعيدة عن ذلك بكثير.
المستقبل: التعلم العميق
يواجه مصنعو السيارات تحدي مواكبة وتيرة الابتكارات السريعة التي تتمّ في عالم صناعة التقنيات الاستهلاكية. فنحن نتوقع أجيالاً جديدة من الهواتف والأجهزة اللوحية كل شهر تقريباً، بينما تمتدّ دورات إنتاج السيارات من عامين إلى ثلاثة أعوام في المتوسط. لكن الاقتراب من هذا الإيقاع السريع من دون المساس بالسلامة أو الاعتمادية ليس أمراً سهلاً، مع أن المنافع التي تعود على كل من المستهلكين والعلامات التجارية من ذلك، تجعله هدفاً لا مفرّ منه. وتستطيع شركات صناعة السيارات أن تفعل أفضل من مجرد اتباع صنّاع الأجهزة الجوالة، بإيجاد منصة تقنية قوية مع نظام تشغيل مرن قابل للتحديث، يمكن أن يتكيّف مع الاحتياجات المستقبلية. ويشير هذا إلى الثورة القادمة في تقنية السيارات: وهي التعلم العميق. حيث ستصبح السيارات مجهزة بكاميرات وبرمجيات وأجهزة استشعار، للكشف عن المعلومات. والتحدي المقبل بالنسبة لها، هوامتلاك الذكاء لفهم المعلومات، والتعلم من البيئة المحيطة. وسيسمح التعلم العميق في نهاية المطاف للسيارات، بمعرفة الفرق بين سيارة التوصيل وحافلة الأطفال المدرسية، والفرق بين سيارة متوقفة طويلاً على جانب، وأخرى توشك على الدخول في حركة المرور، بالإضافة إلى التعرف إلى المشاة، حتى أولئك الذين يختفون جزئياً خلف حركة المرور.
وعبر تفسير ما يجري من حولها، فإن السيارة ستفعل أكثر من مجرد تحذير سائقها، إذ ستعمل على تزويده بالمعلومات الكافية، وتشكل هذه القدرة مفتاح القيادة الآلية للسيارات، وهي الناحية التي أخمّن أننا سنرى فيها أكبر التقدم في تقنية السيارات خلال السنوات القليلة المقبلة.