دراسة طبية تكشف مرونة مذهلة للدماغ في حالة نادرة
في واحدة من أغرب الظواهر الطبية على الإطلاق، كشفت دراسة حديثة نُشرت في دورية The Lancet عن حالة رجل فرنسي تمكن من العيش بصورة شبه طبيعية على الرغم من فقدانه 90% من أنسجة دماغه. هذه الحالة النادرة والمذهلة أثارت دهشة العلماء وأعادت طرح أسئلة عميقة حول فهمنا لطبيعة الدماغ البشري.
اكتشاف مفاجئ خلال فحص روتيني
الرجل، الذي كان في الأربعينيات من عمره ويعيش حياة مستقرة مع أسرته ويعمل موظفًا حكوميًا، لم يكن يعاني من أي مشكلات إدراكية أو عقلية واضحة. لكنه توجّه للطبيب بعد شعوره بضعف في ساقه اليسرى. وبمجرد إجراء فحص التصوير بالرنين المغناطيسي، اكتشف الأطباء أن دماغه شبه فارغ، ولم يتبقَّ منه سوى غلاف رقيق من الخلايا العصبية حول الجمجمة.
الاستسقاء الدماغي: المسبب الخفي
تبين أن هذا الرجل كان يعاني منذ الطفولة من حالة تُعرف بـ"الاستسقاء الدماغي"، وهي حالة تؤدي إلى تراكم السوائل داخل تجاويف الدماغ، ما يضغط على الأنسجة العصبية ويؤدي إلى تقلص حجمها تدريجيًا. ومع مرور السنوات، تآكلت معظم أنسجة الدماغ بفعل هذه السوائل، ومع ذلك استمر الرجل في أداء وظائفه الحياتية دون تأثر ملحوظ.
مرونة الدماغ تفتح آفاقًا جديدة
تُعد هذه الحالة دليلًا حيًا على المرونة العصبية، وهي قدرة الدماغ على إعادة تنظيم نفسه وتوزيع الوظائف على أجزاء مختلفة عند تعرضه لتلف أو نقص. ووفق الباحثين، فقد يكون دماغ الرجل أعاد برمجة نفسه لاستخدام أقل قدر ممكن من الخلايا العصبية لأداء المهام الأساسية.
هذا الاكتشاف يطرح تساؤلات علمية جوهرية حول الحد الأدنى المطلوب من المادة الدماغية للوعي والإدراك، ويُعيد النظر في النظريات التي تربط بين الذكاء وحجم الدماغ أو كثافة الاتصالات العصبية.
اقرأ أيضًا: اكتشاف بروتين MCL-1 يفتح آفاقًا جديدة لعلاج تساقط الشعر
حالة نادرة تذكّرنا بعمق أسرار الدماغ
ورغم أن هذه الحالة تظل استثنائية، إلا أنها تُعد تذكيرًا قويًا بأن الدماغ البشري لا يزال يحمل الكثير من الأسرار التي لم تُكتشف بعد. إذ في كل مرة يعتقد فيها العلماء أنهم اقتربوا من فهم آليات الدماغ، تظهر حالات كهذه لتعيد صياغة الأسئلة الأساسية حول ماهية الوعي والقدرات الإدراكية.